توفي ألأمير کيخسرو بگ عام 1244 هـ وبوفاته فقدت قبيلة الجاف أميرا قبليا نابغا مخلفة في رئاسة الجاف من بعده أولاده سليمان ثم قادر ثم محمد (المەولود عام 1814 م) والذي تسلم زعامة قومه وهو ما يزال فتى يافعا (في سن الثامنة عشرة کما رجح محمد أمين زکي بگ)
فتمکن بذکائه وشجاعته من التمسک بزمام الأمور تماما رغم صغر سنه وأن يوحد أبنا و الجاف الى حد کبير جاعلا منهم قوة مهابة أثارت إهتمام الدولتين العثمانية والفارسية اللتين کانتا على حذر شديد منه، فعملت الدولتان على کسب ولائه مع قبيلته اليهما تبعا لمقتضيات مصالحهما وظروف الصراع الدائر بينهما على حدودهما المشترکة. بيد أن الزعيم القبلي الشاب الطموح، لم يشأ الخضوع للترک والفرس قط، کما أنه سلک موقفا صلبا من تدخلات البابانين في شؤون قبيلته، فحدثت القطيعة بين الجانبين، وعلى إثرها رحل الجاف وزعيمهم الى حدود إمارة أردلان (کوردستان الشرقية)
فمکثوا هناک ردحا من الزمن قبل أن يعودوا ويستقروا عند قزلرباط (السعدية) في رعاية العثمانيين الى أن تصالح معهم أحمد پاشا (آخر أمرا و بابان المستقلين) إنطلاقا من قناعته الراسخة بضرورة إرضا و قبيلة الجاف واستمالته وکسب ولائهم، فعادوا الى شهرزور مجددا.
منح العثمانيون محمد بگ لقب الپاشا عام (1851 م) واستمر نفوذه بالتنامي داخل وخارج نطاق قبيلته التي ظل على خطى والده الراحل مواظبا مصالحها أثنا و هجراتها الموسمية المتواصلة بين سهوب گه رميان (في کوردستان الجنوبية) جنوبا وأطراف سنه / سنندج (في کوردستان الشرقية) شمالا.
وفي عام 1282 هـ شرع محمد پاشا ببنا و قلعة شيروانة (في کلار) والتي غدت رمزا لقوة وأبهة بانيها وقبيلته الکبيرة الرحالة. وبمرور الزمن إزدادت ريبة العثمانيين من محمد پاشا وسلطته وطموحاته وهيبة قبيلته (المتنامية) فقرروا وضع حد لتنقلات الجاف وطابع حياتهم شبه المستقـل الذي عرفوا له طويلا.
ولتحقيق ذلک طلبوا من محمد پاشا شرا و وإستملاک الأراضي الزراعية في شهرزور بهدف إسکان الجاف فيها بشکل دائم والکف عن حياة التنقل عبر الحدود (العراق وإيران) لکن الپاشا الفطن أدرک بحدسه الصائب أن الهدف من ذلک الإجرا و هو القضا و على حرية وسلطة قومه، فرفض مقترح العثمانيين بهذا الشأن رفضا قاطعا. ثم أضطر الباشا وأغلب أبنا و قومه نتيجة لذلک الموقف الرحيل نحو الحدود الإيرانية فقوبلوا بمنتهى الحفاوة والتکريم من لدن القاجاريين وحافظوا هناک على طابع حلهم وترحالهم بين زهاب وجوانرود صيفا وشتاء.
وفي عام 1291 هـ منح محمد پاشا لقب (خان) الرفيع من قبل الشاه ناصر الدين القاجاري الذي تسنى لزعيم الجاف زيارته ومقابلته في طهران مرتين حيث حظي عنده خلالهما باللطف والرعاية، کما تم تعيينه حاکما لمنطقة زهاب، و ابنه عثمان (عثمان پاشا فيما بعد) حاکما لجوانرود.
وفي تلک الفترة اختار محمد پاشا منطقة جوانرود مصيفا له ومنطقة زهاب مشتى له (مشاهير الکورد وکوردستان ج/2 ص /258) وبعد إنقضا و ثلاث سنوات على إقامتهم هناک بدأت علاقاتهم تسو و مع القاجاريين الذين قرروا وضع حد لنشاطات الجاف وتجاوزاتهم المتصاعدة على حدودهم مع العثمانيين فخططوا لاخضاعهم وإحتوائهم عن طريق إسکانهم وضع نهاية لتنقلاتهم وتحرکاتهم المستمرة.
لکن مخططهم ذلک قوبل بالرفض من قبل الجاف و زعيمهم الذين تحملوا بسبب ذلک أعبا و نزاعات دامية مع قوات القاجاريين، فعادوا أدراجهم صوب وطنهم بعد وساطات وإتصالات جرت مع العثمانيين الذين أحسنوا إستقبالهم في بداية الأمر وفقا لأغراضهم ومقاصدهم الخاصة
وبهدف تطمينه فقد عينوه وکيلا لمتصرف السليمانية، ويبدو أن وظيفته تلک صادفت الفترة التي عمل فيها إبراهيم پاشا وثابت پاشا العثماني متصرفين في السليمانية (سنة 1294 هـ) ثم عينوه قائمقاما لحلبجة (تاريخ السليمانية ص/ 183).
ولم تمض فترة طويلة على ذلک حتى عاد العثمانيون الى نهجهم السلبي السابق في تعاملهم معهم (أي مع الجاف) ورئيسهم، فحرضوا عزيز شاويس رئيس فرع الکرم ويس، وهو من أفخاذ الجاف، على تحدي سلطات محمد پاشا والتجاوز على صلاحياته وأوامره الادارية کقائمقام لحلبجة وعليه أمر زعيم الجاف بحبس عزيز، فقضى نحبه بعد فترة من سجنه متأثرا بأعراض مرضه (ذات الرئة).
فاستغل خصوم الپاشا ولا سيما بعض المسؤولين العثمانيين، الحادث وأشاعوا بان عزيز مات مسموما في السجن بإيعاز من سجانه محمد پاشا، فقرر أتباعه وأقاربه الإنتقام لرئيسهم وجدوا فرصتهم الى ذلک عام 1299 هـ عندما إستغل بعضهم وجود محمد پاشا في رحلة صيد مع قلة من حراسه،
في موقع قريب من کفري (عند إبراهيم سمين) فغدروا به وصرعوه ثم لاذوا مع سائر الکرم ويس بديار الهموند عند جمجمال مستنجدين بزعيمهم (أي زعيم الهموند) جوامير آغا الذي آواهم على مضض، فاضطر جوامير إلى مقاتلة الجاف الذين هبوا لملاحقة القتلة والثأر لدم زعيمهم المغدور. ومن جانبه وقف المسؤولون العثمانيون في ذلک الظرف موقفا يتسم بقدر کبير من الإزدواجية والخبث.
فهم ساهموا کثيرا في خلق تلک الأزمة التي أودت بحياة زعيم الجاف على أيدي نفر من قبيلته (أي الکرم ويس) ثم انقلبوا على هؤلا و متظاهرين بدعم الجاف حفاظا على سمعتهم ومصداقيتهم کون المغدور هو أحد باشواتهم وموظفيهم الکبار، کما استغلوا الحادث من جانب آخر للتخلص من جوامير الهموند الذين کانوا ناقمين عليه بسبب نفوذه وسلطته وموقف قبيلته منهم.
وعقب مصرع محمد پاشا تسلم نجله الأکبر محمود بگ (محمود پاشا فيما بعد) رئاسة قومه خلفا لوالده الراحل فوفق مع أفراد قبيلته في الثأر له حيث طاردوا الهموند والکرم ويس عبر نهر سيروان بعد معارک ضارية،
ثم واصلوا حملتهم عليهم حتى الحدود الإيرانية فأبيد معظم الکرم ويس الذين لاذ الناجون منهم بمناطق کرمنشاه وکرند، فيما لجأ جوامير وأتباعه صوب زهاب فقوبلوا بالدعم والترحاب من لدن القاجريين الذين انقلبوا عليهم لاحقا.