نوروز .. في التاريخ والمعنى والدلالات؟! (الحلقة الثالثة)
#بير رستم#
الحوار المتمدن-العدد: 5117 - 2016-30-29
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
نوروز؛ الحكاية التاريخية.
إننا توقفنا في الحلقتين الماضيتين على كل من الواقع التاريخي والسياسي لشعبنا وحالة القمع والاضطهاد ولأحقاب تاريخية طويلة جعل من الشخصية الكوردية، شخصية مقهورة منهزمة ذيلية في أكثر الأحيان وبصفة عامة _مع بعض التمردات القبلية أو لرموز دينية_ وبالتالي الرضوخ للواقع وترك الآخرين يتلاعب بمصيره ومصير تاريخه وثقافته مع إنتشار الأمية في الواقع المجتمعي الكوردي عموماً وذلك بحكم السياسات الإستعمارية للدول الغاصبة لكوردستان، بحيث جعل الآخرين يشوهون الكثير من الحقائق التاريخية والجغرافية في واقع كوردستان ومنها مسألة عيد نوروز والذي عرضنا في الحلقة الثانية من هذا البحث _ولو بعجالة_ الجذر التاريخي لهذا العيد الزراعي عند الشعوب والأقوام الأخرى .. وإننا سنحاول في هذه الحلقة عرض الحكاية التاريخية وتعدد الروايات والأساطير التي تقف على سرد أسطور نوروز.
تقول موسوعة ويكيبيديا بخصوص الجذر الحكائي الأسطوري لنوروز ما يلي: “تعود جذور نوروز جزئيا إلى التقاليد الدينية من الزرادشتية (أو المجوسية) حيث كانت الممارسات الزرادشتية تهيمن على كثير من تاريخ بلاد فارس القديمة (تركزت في ما يعرف الآن إيران). ويعتقد ان نوروز قد اخترعها زرادشت نفسه، على الرغم من أنه لا يوجد تاريخ واضح المنشأ. نوروز هو أيضا يوم مقدس بالنسبة لاديان اخرى مثل الإسماعيليين والعلويين وأتباع الدين البهائي” وتضيف الموسوعة؛ “ومن طقوس نوروز لدى الكورد هي التزيين باللباس الكوردي التقليدي من رجال ونساء كبار وصغار والاحتفال به والخروج من البيوت إلى الطبيعة وتحضير الاطعمة التقليدية، ولدى الفرس من الاعمال المحبوب عملها في نوروز والتي تعتبر من الطقوس الجميلة هي وضع سُفرة أو مائدة تتضمن 7 اشياء تبدأ بحرف السين (هفت سين) مثل: سير _ثوم، سكه (عمله نقدية)، سنجر (فاكهه مجففه)، سبزي (خضره)، سبيكه (سبيكه من الذهب)، ساهون (حلويات)، سماق، إضافة إلى مرآة وقرآن وسمك أحمر وفاكهة ومكسرات”.
أما بخصوص الجذور والملحمة فإن الموسوع تقول: ((يذكر الفردوسي في ملحمة الشاهنامة أنه في بدء الخليقة كان هناك ملك اسمه جيومرث، حباه الله بعناية فائقة أقام في الجبال. وبسببه انتشرت الحضارة في الأرض، إلخ. وتستمر الملحمة بذكر إبن جيومرث وأحفاده حتى تأتي على ذكر جمشيد الذي حمل الجن مركبته إلى جميع أطراف الأرض وكان ذلك في يوم أصبح عرفاً مقدساً عند الفرس وهو يوم نوروز أي اليوم الجديد. لكن يبدو أن أصل العيد هو الاحتفال بالحصاد، وربما كان ذلك بسبب اعتماد بلاد إيران وما جاورها على الأمطار التي لم تكن مضمونة، إما بسبب الجفاف أو بسبب الفيضانات. ومعنى الاسم هو “اليوم الجديد”، ويدل على بداية جديدة للسنة هي أول ايام السنة)).
وتضيف الموسوعة بخصوص الجذر الأسطوري لعيد نوروز لدى الكورد ما يلي: “إنّ النسخةَ الكرديةَ للنيروز هي أسطورةُ (كاوى) الحداد الذي تشبه قصته القصّةِ في أسطورة الشاهنامة.. بأنّه في قديم الزمان كان هناك ملكُ اشوري شريّرُ سَمّى (الضحاك). كان الملك ومملكته قد لُعِنا بسبب شرِّه حيث أن الشمس رَفضتْ إلشْروق وكان من المستحيلَ نَمُو أيّ غذاء. وكذلك فإن الملك (الضحاك) كَانَ عِنْدَهُ لعنةُ إضافيةُ وهي إمتِلاك أفعيين رَبطتا بأكتافِه وعندما تكون الأفاعي جائعة كَانَ يشعر بألمِ عظيمِ، والشيء الوحيد الذي يَرضي جوعَ الأفاعي كَانتْ أدمغةَ الأطفالِ، لذا كُلّ يوم يقتل اثنان من أطفالِ القُرى المحليّةِ وتقدم أدمغتهم إلى الأفاعي. (كاوى) كَانَ الحدادَ المحليَّ قد كُرِهَ الملكَ.. عندما وصلته كلمةً ان طفلَه الأخيرَ وهي بنت، سوف تقتل جاءَ بخطة لانقاذها، بدلاً مِنْ أنْ يَضحّي ببنتِه”.
وتستكمل الأسطورة كما يلي؛ “ضَحّى (كاوة الحداد) بخروفِ وأعطىَ دماغَ الخِروفَ إلى الملكِ وإن الاختلاف لَمْ يُلاحظْ وعندما سمع الاخرون عن خدعة (كاوى) عَمِلوا جميعاً نفس الشئ، في الليل يُرسلونَ أطفالَهم إلى الجبالِ مَع (كاوى) الذين سَيَكُونونَ بامان. الأطفال ازدهروا في الجبالِ و(كاوى) خَلق جيشاً مِنْ الأطفالِ لإنْهاء عهدِ الملكِ الشريّرِ وعندما أصبحت اعدادهم عظيمة بما فيه الكفاية، نَزلوا مِنْ الجبالِ واقتحموا القلعةَ. وإن (كاوى) بنفسه كان قد اختارَ الضربةَ القاتلةَ إلى الملكِ الشريّر(ِالضحاك) ولإيصال الأخبارِ إلى اناسِ بلاد ما بين النهرينِ بَنى مشعلا كبيرا أضاءَ السماءَ وطهّرَ الهواءَ من شر عهدِ (الضحاك).. ذلك الصباح بَدأَت الشمسُ بإلشروق ثانيةً والأراضي بَدأَ بالنَمُو مرةً أخرى. هذه هي البِداية “ليوم جديد” أَو نيروز (نهوروز) كما يتهجى في اللغةِ الكرديةِ”.
بينما يقول الكاتب محمد العواودة في مقالة له بعنوان؛ (“عيد النيروز “: الأسطورة والتاريخ والموقف الإسلامي) منشورة في موقع الراصد بخصوص الجذور التاريخية الحكائية لنوروز التالي: “الأسطورة الفارسية تقول: أن ملكا كان اسمه “جمشيد بن طهمورث” احد ملوك إيران القدماء، وقد سخر للملك جمشيد من الملك ما لم يكن لأحد من قبله، فتنقل بمركبة في أطراف الأرض، ووضع الجن تحت إمرته، وطار إلى كل الممالك على سرير مرصع بالجواهر حمله الجن في أول يوم من السنة وقت حلول الشمس في برج الحمل، فسر سرورا عظيما، وانتشى بأقداح الخمر الصوفي الإلهي، فعرف ذلك اليوم ب” النوروز”، ليبقى عرفا مقدسا لدى شعوب إيران”.
ويضيف الكاتب “أما الأسطورة الكردية فتقول: أن ملكا كان اسمه “سرجون” الملقب بالضحاك، وكان ملكا ظالما، وكان يذبح كل يوم عددا من خيرة الشباب من أجل أن يشفى من مرضه عملا بنصيحة مستشاريه من الأطباء والحكماء، فقام رجل كان يعمل حدادا اسمه ” كاوا ” بثورة على الملك مع مجموعة من الشباب الأقوياء، وأضرموا النار على جبال ووديان كردستان ليعلنوا نهاية حكم الملك الظالم، وبدء يوم جديد من الحرية والتخلص من الاستبداد والعبودية، وهذا كان قد تصادف مع دخول الشمس في برج الحمل وحدوث الاعتدال الربيعي”.
بينما يقول الدكتور أحمد خليل وهو باحث تاريخي كوردي سوف نقف عنده مطولاً وذلك في دراسة له عن الموضوع بعنوان “عيد نُوروز والمؤامرة على الملك الميدي أَزْدَهاك” منشورة في عدد من المواقع الكوردية ومنها موقع كميا كورد حيث يقول: “ورد في تاريخ الفرس الأسطوري؛ أن بِيوَراسْپ اغتصب العرش من وريث شرعي يُدعى (فَريدُون)، وذات يوم ظهر إبليس لبِيوَراسْپ في زيّ طبّاخ ماهر، وقبّل كتفيه، فنبتت على كتفي بِيوَراسْپ حيّتان (تِنّينان= أژدِها Ejdiha)، وكانتا تؤلمانه، فظهر له إبليس في زِيّ طبيب، ونصحه بقتل شابّين كلّ يوم، وتغذيةِ الحيّتين بمخّيهما، وتضايق الفُرس من قتل أبنائهم، فثاروا على بِيوَراسْپ، وقاد الثورةَ الحدّاد گاوَه (گاوا)، وهو من أَصْبهان ( أَسْپان Espan، كانت مدينة ميدية)، وقُتل بِيوَراسْپ، وأعاد گاوا العرشَ إلى فَريدُون، واتّخذ الفرس ذلك اليوم عيداً باسم (نوروز)”.
ويضيف كذلك؛ “نعتقد أنه، في مرحلة لاحقة، دمج مؤرّخو الفرس بين شخصيتَي بِيوَراسپ الفارسي وأَزْدَهاك الميدي، ونسبوا قصّة الحيّتين إلى أَزْدَهاك، مستفيدين من الشبه اللفظي بين (أَزْدَهاك) و(أَژْدِها)، وفي الوقت نفسه نسبوا الثائر الميدي گَاوا إلى الفرس، وبتعبير آخر: إنهم عكسوا الأدوار، فجعلوا الملك الطاغيةَ ميدياً والثائرَ فارسياً، ودسّ المؤرّخون والأدباء الفرس هذه الرواية بصيغ متنوّعة في كتب التاريخ خلال القرون الثلاثة الأولى من العهد الإسلامي”.
وهكذا فإننا نلاحظ بأن الأسطورة قد تعرضت إلى الكثير من التحوير والتغيير، إن كان في المعنى والدلالات الرمزية أو حتى في الإنتماء العرقي الإثني وتغيير الشخصيات والأسماء وذلك بحسب الظروف السياسية والروايات التي كانت تخدم المقاصد السياسية للشعوب التي تسطر تلك الأساطير والحكايات .. وإننا سوف نقف في الحلقة القادمة على تلك القضايا والأسباب التي دعت إلى التحوير وتزوير التاريخ، بل تشويهه في أكثر الأحيان وكذلك إلى الرموز الأسطورية في الحكاية النوروزية وتقاطعاتها مع عدد من الأساطير المشابهة لدى الشعوب الأخرى.
مصادر البحث:
1- الموسوعة الحرة (ويكيبيديا) موضوع عن “نيروز”.
2- مقالة للكاتب محمد العواودة عن كتاب “عبد الكريم شاهين” في كتابه (عيد نوروز: الأصل التاريخي والأسطورة) منشور في موقع المرصد.
3- مقالة للدكتور أحمد خليل بعنوان؛ “عيد نُوروز والمؤامرة على الملك الميدي أَزْدَهاك” منشورة في موقع كميا كوردا.[1]