موجز تاريخ الكورد في مدينة الرقة
#علي شيخو برازي#*
الرقة مدينة ذات تاريخ عريق رغم اختلاف الموقع قليلاً، يعود تاريخها إلى الألف السادس قبل الميلاد، وكانت حسب مراحل التاريخ: توتول – بيت آدين – كالينيكوس 242- 244 ق. م أسسها سلوفس الأول، كالينيكوم – نيكفوريوم – ليونتوبوليس – الرقة – وأسماء أخرى مثل: الرقة البيضاء – الرافقة – الرقة السوداء – الرقة السمراء – رقة واسط – والرقتان .
لكنها تبقى ذلك المركز الحضاري الذي احتل الضفة الشمالية لنهر الفرات العظيم، وقد صمدت رغم كل ما حلّ بها من خراب في مسيرتها عبر التاريخ.
أولاً – توتول:
في البداية كانت توتول، التي تقع حوالي 3 كم في الشمال الشرقي من مدينة الرقة الحالية، ويعود تاريخها إلى الألف الرابع قبل الميلاد، يُقال أن كلمة توتول تعني (المطلة)، وبعد ذلك حسب ما جيء في التاريخ: أنها تعرضت لهجوم كبير عام 1350 ق.م عند ظهور الآشوريين، وهي فترة مليئة بالصراعات حول منطقة الجزيرة السورية حتى أعالي الفرات، حيث تفوّقت المملكة الآشورية في نهاية الأمر، ثم ظهرت مدن وممالك أكثر أهمية من توتول، وهذا ما جعلها تفقد أهميتها تدريجياً منذ منتصف الألف الثاني ق.م، ثم كانت مركزاً حدودياً بين الحثيين والآشوريين، ولم يشير التاريخ إلى أسماء حكّامها، غير اسم ملك واحد وهو: ياخلو كوليم، في إحدى كتابات رقم مملكة ماري على نهر الفرات، رغم ورود اسمها كثيراً في التاريخ، لكن بكل الأحوال فهي كانت تحت حكم الهوريين والميتانيين فترة غي قصيرة من الزمن، ثم كانت تحت الحكم الساساني الكوردي حتى انهيار الإمبراطورية الساسانية في القرن السابع الميلادي.
ثانيا – الإمبراطورية البيزنطية كانت الخليفة الشرعية لِلإمبراطورية الرومانية في ممالكها الشرقيَّة، فأصبحت الرقة في عهدها مركزاً عسكرياً محصناً بالأسوار.
وفي عهد الإمبراطور الروماني جوليان، كانت الرقة تعدُّ مدينة حدودية مع الفرس بقيادة الساسانيين.
تعرضت المدينة لهزة أرضية، فجددها الإمبراطور ليون الثاني في عام 474م، وأسماها باسمه (ليونتوبوليس).
ثالثا – كالينيكوس:
في عام 542م سقطت المدينة بيد كسرى أنوشروان ملك الساسانيين، وهو الإمبراطور الساساني الذي عمد إلى توطين حلفائه من قبيلة مضر العربية فيها، ما جعل كل منطقة الجزيرة تُعرف بديار مضر، وكانت الرقة (كالينيكوس) عاصمة منطقة الجزيرة.
قبل استيلاء الساسانيين عليها، في عام 529 م جعلها الإمبراطور جستينيان الثاني مركزاً تجارياً، عندما قرر حصر التجارة في المدن الحدودية مع الساسانيين بمدينة نصيبين وكالينيكوس (الرقة).
عندما استولى كسرى الأول ملك الساسانيين على المدينة، كانت أسوارها شبه منهارة، فخرّب أسوارها ودمرها.
كانت الحروب تتوالى بين الروم والساسانيين، وهذا ما جعلها مهملة في ذاك الزمن، لكن جستينيان أنهضها من خرابها بعد أن ترك نوشيروان هذه المدن لصالح الروم وفق اتفاق على دفع الضرائب لنوشيروان، وشيّد فيها أسواراً منيعة قوية، حيث كانت تارةً تحت حكم الروم وتارة تحت حكم الساسانيين.
وأخذت الرقة التي كان يغلب عليها الاسم القديم (كالينيكوس) دوراً هاماً في هذه الحروب، وقد كان ذلك بعد أن عقد جستينيان معاهدة مع الإمبراطور الساساني، تعهد الأول بمقتضاها بدفع جزية كبيرة مقابل إيقاف الحروب على الحدود، وهكذا تمكّن جستينيان من أن يأمن الجانب الساساني لفترة من الزمن، وأصبحت له حرية كبيرة لكي يمارس مشاريعه لإعادة بناء الإمبراطورية.
كان أهل الرقة من الروم، وكانت ديانتهم مسيحية قبل العهد الإسلامي، لكنها تابعة من حيث الحكم لبلاد الساسانيين. ولم يتوقّف الدعم العربي للساسانيين في هذه المنطقة، وإنما يسجّل التاريخ أن بني مضر حاربوا الرومان انتصاراً لحلفائهم الساسانيين وهزموا جيوشهم سنة 421م.
وفي عام 639 م استولى عليها سهيل بن عدي بجيشه بعد أن حاصرها لعدة أيام، وكان سهيل تحت إمرة عياض بن غنم قائد الجيوش العربية الإسلامية المتوجه إلى الجزيرة.
فقدت الرقة منزلتها في أواخر القرن الثالث الهجري في فترة خلافة المعتضد والمكتفي والمتقي، حيث كانت قد بدأت فيها ثورة ضد المأمون انتهت بإحراق دير العواميد وكذلك ظهور المشاكل بين أبناء خراسان الكورد، الذين تم جلبهم إلى الرقة إبان حكم المنصور وعرب الشام، ثم حدوث زلزال سنة 895 م.
فقد دُمِّرت الرقة 4 مرات عبر تاريخها المعروف، عدا تعرِّضها للزلازل: 1- على يد الساسانيين، 2- على يد الخوارج في الفترة الأموية، 3- على يد الخوارزميين، 4- على يد المغول.
رابعاً – الرقة الحديثة:
بعد الحكم الأيوبي، لم يتم إعمارها، ولم يسكن فيها أحد حتى أواخر الحكم العثماني كمدينة، أما كإيالة والتي أنشئت عام 1586 م، حصلت فيها تغيرات سكانية كثيرة، حيث أسكنت السلطات العثمانية الكثير من القبائل العربية والكوردية والتركمانية في هذه الإيالة.
ففي عام 1711م، بدأت بإسكان القبائل المللية الكوردية وعشيرة الشيخان الكوردية في إقليم الرقة. ثم أتت عشيرة البو الشعبان من العراق إلى سوريا في القرن الثاني عشر الهجري، وقد سكنت في البداية في منطقة نصيبين، ثم اتجهت غرباً إلى الرقة بعد وفاة جدهم شعبان، وسكنت في (جزرة بو حميدي) بدايةً ثم توسعوا غرباً في إيالة الرقة.
في عام 1791م، قام تمر باشا المللي بثورة على الدولة العثمانية، والذي كان يسيطر على أغلب مناطق الجزيرة الفراتية، بالإضافة إلى حلب ونواحيها، وبعد فشل ثورته بعشر سنوات عُيّن والياً على الرقة من عام 1800م إلى 1803م، بعد أن عفا عنه السلطان ومنحه لقب الوزارة.
خامسا – نواة مدينة الرقة الحالية:
إن تأسيس المخفر العثماني (قره قول) في أواخر القرن التاسع عشر، شَجّع المهاجرين الكورد والعرب إلى السكن بجواره داخل سور المدينة القديمة، ليحتموا به كونهم أتوا على شكل عوائل وليس عشائر، وقد كانوا المهاجرين من عدة جهات، فالكورد أتوا من (سروج، أورفا، بيراجيك) ومناطق أخرى، والعرب من منطقة العشارة شرقي دير الزور.
فسميت هذه العوائل الساكنة حول المخفر (القول) نسبةً إلى المخفر المذكو، وكانت بداية السكن عام 1860 تقريباً، وكوّنوا أول تجمع مدني على أنقاض المدينة القديمة بعد غزو المغول، أي بعد 600 عام.
وفي عام 1860م كان نواة مدينة الرقة، حيث سكنتها عوائل عدة، من عشائر الاتحاد المللي والاتحاد البرازية الكورديين، بالإضافة لعائلات عربية من العراق.
وبعد الربع الأول من القرن العشرين، سكنت الرقة عوائل كثيرة من: حلب، ديرالزور، تادف، السخنة، السفيرة، الأتارب، الباب وغيرها، بالإضافة إلى المهاجرين الأرمن الذين أتوا إلى هذه الديار بعد عام 1915م.
وهاجر الكورد من كوباني إلى الرقة بداية عام 1960م، ثم كانت الهجرة الكبرى أثناء بناء سد الفرات في موقع الطبقة، من عام 1970- 1980م، وأغلب هؤلاء سكنوا في منطقة شمال المدينة سميت فيما بعد ب حي الرميلة، وبلغ تعداد الكورد في الرقة من كورد كوباني وعفرين والجزيرة حوالي /70/ ألف نسمة، عدا الذين سكنوا الرقة في العهد العثماني كما أسلفنا.
وقد كانت السجلات المدنية الأولى في الرقة باسم: خانة الأكراد – خانة الحميدية – خانة الجراكسة – خانة المستجد نقيب.[1]