حقيقة المرأة وسياسة الإبادة
الهام أحمد
سياسة الصهر والإبادة متممتان لبعضهما البعض، فإذا كان الصهر يعني الانحلال ضمن بوتقة الثقافات الأخرى بأساليب الترهيب والترغيب، فإن الإبادة تعني الاستهداف الفيزيولوجي للجماعات والقوميات والعقائد وارتكاب المجازر بحقها. فلو ألقينا نظرة خاطفة للتاريخ وبحثنا في صفحاته عن تلك الممارسات نرى بأن الأنظمة الاستبدادية المتسلطة قامت بممارسة كافة أنواع الصهر والإبادة في مواجهة الثقافات المختلفة في تلك البلاد. أكبر المجازر التي ارتكبت في التاريخ كانت بحق الأرمن الذين تم تمريرهم بمجازر راح ضحيتها مئات الآلاف من الناس على يد الألوية الحميدية التي تشكلت بيد التركاياتية البيضاء، والآشوريين الذين تعرضوا لعملية الصهر والإبادة معاً على يد العديد من القوى السلطوية، واليهود، حيث تم فرض سياسة الصهر القومي عليهم كمجموعة وتم إجبارهم على الترحيل من بلادهم مثل سبي اليهود من اورشليم إلى بلاد العراق وبعدها تم ترحيلهم من بلاد اوروبا إلى بلاد أخرى، حيث تركوا للجوع والبرد وتم قتلهم وإبادتهم جماعات جماعات، كل ذلك في سبيل ترويضهم وضمهم إلى القومية السادية في السلطة. لكن تعامل اليهود مع هذه السياسة كان بأسلوب الدونمة، حيث اعتنقوا الدين المسيحي والاسلامي في سبيل حماية دينهم وقوميتهم تحت ستار تلك الاديان. إلا أن الابادة كانت بالشكل الفيزيولوجي الذي يهدف للقضاء عليهم كوجود كلي، لهذا تم حرقهم وغيرها من أساليب الابادة.
هذا وكما نرى مثال سياسة الصهر والابادة بحق الشعب الكردي أيضاً. ففي القرن التاسع عشر ارتكبت أفظع الجرائم بحق الشعب الكردي، فكانت مجزرة حلبجة من صنيع النظام البعثي الشوفيني بتعاون من المجموعات الكردية، الأنفال أيضاً هي إبادة للشعب الكردي، حيث تم دفن العوائل بشكل جماعي في التراب وهم على قيد الحياة. وكل العصيانات الكردية التي قامت انتهت بالفشل نتيجة فقدانها للاستراتيجية والرؤية الصحيحة لحل القضية، ونتيجة فشل الانتفاضة تعرض الشعب لأبشع المجازر من قبل النظام التركي. حملات الإعدام بحق القواد والمناصرين أتت معها بفاجعة عظمى. خير مثال على ذلك انتفاضة شيخ سعيد. ورضا بهلوي والقاضي محمد وغيرهم من قواد الانتفاضات الكردية، بعد الفشل كانت المجزرة الكبرى ترتكب عندها. حيث تم جمع الأطفال اليتامى في مراكز خاصة لتمرير عملية الصهر القومي بحقهم، لهذا نشأ جيل كردي في العروق لكنه تركي أكثر من الاتراك أنفسهم بعد عملية الصهر الثقافي القومي.
فعمليتي الصهر والابادة عمليتان متممتان لبعضهما البعض، الجيل الذي ينقذ نفسه من الابادة يتعرض للصهر، بحيث يتم تحويله لعميل خدوم للدولة ضد ملته القومية، لهذا نرى أمثلة ذلك كثيرة جداً في يومنا الراهن، حيث إنكار الذات هي أحد نتائج سياسة الصهر، لأن النظام يفهم الجميع أن الانسانية والتطور والحضارة تكمن في الانتساب للهوية القومية السلطوية لتلك البلاد. فجملة «كم أنا سعيد لأني تركي، واطلاق شعار أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة » لهي أحد أساليب الصهر القومي، الكردي الذي يشعر بأن لا قيمة لقوميته وثقافته ولغته الكردية، حتى يعتبرها تخلفاً أن اعترف بأنه كردي أو تحدث لغته الأم أو دافع عن قوميته. من أساليب الصهر القومي للنظام الرأسمالي القوموي، هو أن يعتبر الرأسمالية قمة التطور واللغة الانكليزية لغة عالمية متطورة متداولة بين كافة القوى العالمية، والذي لا يعرفها يعتبر متخلفاً باقياً من القرون الوسطى، لهذا ولكي يبدو الانسان حضارياً لا بد أن ينكر هويته القومية أولاً ويتجرد منها ومن ثم يساهم في تطوير وتشريع هوية الدولة القومية والتشبث بها إما طوعاً أو تهديداً يتلقاه من النظام الحاكم ومؤسساته القوموية السلطوية. هذا ما تم معايشته على أرض الواقع بصورته العارية، حيث عانى الكرد من سياسة الصهر هذه لعشرات السنين تحت نير النظام البعثي الحاكم. تم حرمانه من الجنسية السورية بالكامل وتم الاستيلاء على كامل ممتلكاتهم وتسليمها لعوائل ذات أصول عربية وتم تغيير ديموغرافية المنطقة بالكامل ضمن مشروع الحزام الأمني العربي الذي طبق في أعوام الستينيات من قبل النظام البعثي. هذا وكما حولت الأحزاب الكردية إلى احزاب تابعة ذيلية ملحقة بالنظام الحاكم، حدث هذا بسياسة الترهيب أولاً ومن ثم سياسة الترغيب، فالذي قاوم في البداية وحاول الحصول على الحقوق الكردية زج به في السجون وتم تمريره من تحقيقات بأساليب التهديد بهدف ابعاده عن نهج المقاومة ومن ثم تحويله إلى عميل خنوع لا يمكنه التعبير عن ذاته إلا عن طريق الاعتماد على الغير والتبعية له، لهذا نرى أغلبية الأحزاب تابعة لا إرادة لها في اتخاذ القرار وغير قادرة على تحمل المسؤولية الوطنية. لهذا وعندما تكون غير قادرة على تقديم الخدمة للوطنية فهي تقف في الصف المضاد للحقوق الوطنية باسم حقوق القومية والهوية وتعادي أي مشروع يخدم حرية الشعب والديمقراطية، باعتباره اقتنع بأن لا يمكنه الوصول للحقوق دون الحصول على السلطة والسلطة بذاتها ستكون إما ضمن إطار النائب أو كرسي وزير، فالحصول على هذه المناصب يعني بالنسبة له أن الكرد حصلوا على حريتهم لأنه يرى الهوية الكردية في شخصه وليس في حرية المجتمع وتحقيق مكاسب للشعب الكردي.
ما حصل في الثورة السورية صورة واضحة عن هذه الحقيقة. الكرد الذين تسابقوا للانضمام لاجتماع جنيف كانوا يهدفون للحصول على بعض الكراسي في الحكومة الجديدة، ولمجرد حضورهم في الاجتماع يعتبرونه مكسباً عظيماً للشعب الكردي علماً بأنه لم يتم ذكر اسم الكرد في الاجتماع. بطبيعة الحال أن حضور تلك الشخصيات في الاجتماع يعني تأييد سياسة الانكار والتوقيع على الاتفاق وتوثيق ذلك في التاريخ لتبدأ مرحلة إنكار وإبادة مرة أخرى. لكن هذه المرة لم تكن الظروف كما السابق حيث هناك الكرد الذين أسسوا نظامهم على أرض الواقع وفرضوا ذلك حتى على اجتماع جنيف. والظروف الدولية أيضا تغيرت ولم يعد بالإمكان على تلك الدول أن تفرض الابادة على شعبنا كما السابق نسبة لوجود قوة محصنة بالجماهير لا يمكن انكارهم وإبادتهم بالأساليب الكلاسيكية القديمة، لكنهم حاولوا بشتى الوسائل والطرق كي يبيدوا الشعب الكردي، الدول الإقليمية المدعومة من قبل القوى الخارجية التي لا تؤيد حل القضية الكردية في الداخل السوري وترغب في ابقائها كحجرة عثرة وحجة للتدخل عن طريقها في المنطقة بشكل دائم.
لذلك الحركات الكردية التي التجأت للسلاح كي تستخدمه في وجه شعبها لهو نتيجة سياسة الصهر القومي. أما بالنسبة للمرأة فإن سياسة الصهر لم تصل للحد الذي وصله الرجل، حيث يوجد فرق في تلاؤم وتعامل المرأة مع الوسط الخارجي، بحكم بقائها في إطار المنزل بقيت بعيدة عن أساليب الصهر تلك ذلك حتى فترة قبيل تجذر النظام الرأسمالي، بحكم تعامل المرأة مع المجتمع الريفي بقيت محافظة على الروح والثقافة القومية، لهذا اعتبرت المدرسة التي تخرج الاجيال، إلا أن انتشار النظام الرأسمالي وأساليبه التي تخدم الدولة القومية ذات القومية والثقافة الواحدة، تأثرت هي أيضاً بتلك السياسة، فكانت سبل صهر المرأة في بوتقة الثقافة الغريبة خاصة جداً. ولتلك الأساليب أمثلة كثيرة في كل من تركيا وايران وسوريا والعراق، حيث تبدأ هذه السياسة منذ عمر مبكرة للطفولة عن طريق تدريبهم في مراكز خاصة، وتعويدهن على ممارسة الجنس من الصغر، في المدارس التركية ظهرت فضيحة المدارس ذات السكن الداخلي حيث كان المدير أو المعلم يتحرش بالفتيات الكرد ويعودهن على ممارسة الجنس ليقول «فالتنشغل الفتيات بالجنس بدلاً من السياسة » وهكذا فالفتاة التي تتعود على هكذا ممارسات كيف لها أن تحافظ على ثقافتها وهويتها القومية، فهذه الممارسات لا تلائم المجتمع الكردي وتعاب الفتاة عليها، وكي تستطيع الاستمرار بحياتها لا بد أن تنفصل عن هويتها وتعمل كعميلة للنظام. أما الجانب الآخر من سياسة الصهر والابادة الممارس بحق المرأة هو تنظيم الفتيات ضمن مؤسسات النظام، فإيران شكلت إلى الآن ما يعادل جيشاً استخباراتياً من النساء الكرد بشكل خاص، حيث يتم تجويع المجتمع وايصاله لحد العوز وبيع الاخلاق في سبيل الحصول على لقمة العيش، تصبح المرأة وسيلة وفريسة لهذه السياسة، لكن العمل الاستخباراتي لا يضمن جمع المعلومات فقط إنما يعمل على زرع الفتنة والفساد والفحوش ضمن المجتمع الذي تنتمي له، وتتستر على عيوبها بخلق النزاعات بين العوائل الوطنية المناضلة وتضعف الثقة بنهج المقاومة والمقاومين. وفي سوريا أيضا عندما حاول النظام البعثي تحويل عوائل الشهداء والوطنيين إلى عملاء له عن طريق زجهم في السجون وتعذيبهم وعرض وفرض الاستسلام عليهم كي يتخلوا عن كافة القيم الوطنية وأغلى ما يملكون لديهم إلى أن يخونوا أولادهم الشهداء، لكن يبدو أن حقيقة الشهداء كانت أعظم وأقوى من كل حقيقة هي التي انتصرت وفرضت النهج الوطني على كل مواطن ومواطنة كي تسير على نهج المقاومة تقبل الفقر وتتحمل المصاعب لكنها تقهر كل ذلك بإرادة من الفولاذ بوعي وطني ينبع من روح المسؤولية والواجب تجاه مقدسات الوطن والامة الديمقراطية.
هذا ويبدو أن نهج القوموية الكردية وأصحاب هذا النهج يسلكون نفس السياسة في مواجهة الكرد الأحرار في سبيل فرض سيطرتهم على المجتمع، يتم تجميع النساء الكرد من غربي كردستان ووضعهم في مراكز خاصة ويتم تدريبهن على اسلوب جمع الاستخبارات والمعلومات عن المراكز والمؤسسات الوطنية واستهدافها فيما بعد، هذا ويتم تشغيل المرأة كعنصر في نشر الفحوش وتوريط الشباب بمثل هذه الأمراض لإبعادهم عن نهج المقاومة. كل هذا يقال عنها سياسة الحرب الخاصة التي تدخل ضمن إطار الصهر القومي والابادة العرقية.
فكل ما ذكرناه آنفا يمكن أن نتحاشاه عن طريق الاصرار على نشر ثقافة الامة الديمقراطية البعيدة عن روح التسلط والسلطة، التخلص من مفهوم الدولة الواحدة والقومية الواحدة هي المتسبب الأول والأخير في زرع الفتنة بين المجتمعات، وهي التي تفتح الأبواب أمام ارتكاب أفظع الجرائم بحق القوميات وباسم القومية أيضاً. لهذا لا بد من القيام بثورة ذهنية ثقافية تساهم في الارتقاء بالمجتمع إلى المستوى الذي يمكنه وحده الحد من كافة السياسات الاقصائية والانكارية التي يمارسها الانظمة الديكتاتورية القوموية.
كما أننا بحاجة لدستور ديمقراطي يضمن حقوق كل المكونات والتخلص من سلطة القومية الواحدة، بحيث يكون ذلك ضماناً للتوجه نحو بناء مجتمع ديمقراطي حر، وللمرأة الدور الأساسي في بناء هذا المجتمع، باعتبارها هي التي بإمكانها تحقق العدالة الاجتماعية قبل الرجل وأكثر منه، وباعتبارها المتضرر الأكبر من تلك السياسات فلا بد وأن تكون الأكثر حرصاً على تحقيق تلك العدالة لتحصل هي على حقوقها كاملة ضمن تحقيق المجتمع الديمقراطي الحر.[1]