عنوان الكتاب: التدخل التركي في شمال سوريا: استراتيجية واحدة وسياسات متباينة
اسم الكاتب: خير الله الحلو
تأريخ الأصدار: 2020
اعتمدت تركيا على القوة العسكرية لتحقيق هدفها الاستراتيجي المتمثل في تطويق نشاط وحدات حماية الشعب الكردية، والتي تنظر إليها بوصفها الفرع السوري ل#حزب العمال الكردستاني# . وشنّت تركيا ثلاث عمليات عسكرية بين 2016 و2019 في ريف حلب الشمالي وعفرين وريف الرقة الشمالي وغرب الحسكة.
وبينما بقي الهدف الاستراتيجي واحداً خلال تلك العمليات، إلا أن السياسة التركية تجاه تلك المناطق تباينت على عدة مستويات. فعلى المستوى الأمني، فقد أظهرت القوات التركية قسوة شديدة للغاية في منطقة عفرين (غصن الزيتون)، في حين كانت لينة في منطقة ريف حلب الشمالي (درع الفرات)، مع تباين واضح في سياستها بين مدينتي تل أبيض ورأس العين رغم وقوعهما في منطقة عمليات واحدة (نبع السلام). كما أطلقت تركيا يد الفصائل الموالية لها ضد السكان الأكراد، ولا سيما في عفرين، في حين أبدت الفصائل درجة انضباط أعلى في بقية المناطق. كذلك ميّزت السياسة التركية بين المناطق على المستوى الخدمي مثل الإمداد بالكهرباء وصيانة شبكات الطرق. كما مارست تركيا عمليات استهدفت تغيير التركيبة السكانية لمنطقة عفرين خصوصاً، حيث أسكنت عائلات النازحين والمقاتلين الموالين لها في منازل الأكراد المهجّرين، ونقلت النازحين التركمان من حمص واللاذقية إلى المناطق المتاخمة للحدود السورية-التركية.
ويعود هذا التباين في السياسات إلى هاجس الأمن القومي التركي المتصاعد، والذي يتمحور حول تفكيك مشروع الإدارة الذاتية الكردية وتأمين شريط حدودي بعمق 5 كم داخل الأراضي السورية، ومن هنا تحظى المدن والتجمعات الواقعة على هذا الشريط بأهمية كبيرة وأولوية الحصول على الخدمات بهدف ترغيب السوريين بالإقامة فيها. أما تشابهات السياسة التركية عبر مناطق النفوذ الثلاث فشملت التمركز في معسكرات كبيرة محدودة ونقاط حراسة متقدمة لمواجهة مقاتلي وحدات حماية الشعب. كذلك تم اتباع التقسيم الإداري التركي نفسه في المناطق الثلاث على حساب أشكال الحكم والقوانين التي عملت بها الحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة، ليجري تقديم الخدمات عبر المؤسسات التركية نفسها وإن بمعايير وحسابات مختلفة. ويعود هذا التشابه إلى رغبة أنقرة بضبط المنطقة أمنياً وإدارياً عبر نموذج مألوف ومنع الحكومة المؤقتة من لعب دور يتجاوز المصالح التركية.[1]