الكورد الفيلية عنوان معاناة الأمة الكوردية الجريحة
محمد مندلاوي
قبل أن نتحدث عن الجرائم النكراء التي قامت بها زمرة العروبيون في بغداد ضد شريحة الكورد الفيلية المسالمة، اسمح لنا عزيزي القارئ اللبيب أن نقف قليلاً على أصل وفصل هذه الشريحة الكوردية العريقة، التي دفعت على مر التاريخ ضريبة انتماءها القومي الكوردي والوطني الكوردستاني بالمال والبنون.
القاصي والداني يعلم علم اليقين أن هذه الشريحة الكوردية الأصيلة ولدت في العصور الغابرة مع ولادة صخور وتراب وطنها كوردستان، الذي كان مترامي الأطراف، أي أوسع مساحة مما هو عليه اليوم؟. عزيزي المتابع، مما لا شك فيه، أنك تعرف جيداً أن شريحة الكوردية الفيلية باستثناء الشرائح الكوردية الأخرى لا تذكر اسمها إلا بسابقة اسم أمتها الكوردية هكذا: الكورد الفيلية. التي أسس أحد أبناءها في نهاية العصور الوسطى المتأخرة دولة كوردية سميت بالدولة الكوردية. إن المؤسس لهذه الدولة كان (ذو الفقار خان) وذلك بين أعوام 1524 – 1530م. من الذين ذكروا هذه الدولة الكوردية في العراق عدداً من المؤرخين العرب، منهم: المؤرخ العربي (علي ظريف ألأعظمي). كذلك الدكتور (صالح محمد العابد) (حضارة العراق). ذكرها أيضاً الدكتور (عماد عبد السلام) (حركة ذو الفقار الاستقلالية). ومن الذين ذكروا هذه الدولة الفتية أيضاً المؤرخ العراقي (عبد الرزاق الحسني) قائلاً: إن الأمير (ذو الفقار) أمير كلهر استولى على أغلب المدن العراقية وأعلن استقلاله فيها. كما تطرق إلى هذه الدولة الكوردية (طه الراوي) في كتابه بغداد مدينة السلام وقال: استقل ببغداد قائد اسمه (ذو الفقار) وساس أهلها سياسة حسنة. وذكر هذه الدولة الكوردية أيضاً المؤرخ (محمود الدرة) وغيره من المؤرخين العرب وغير العرب.
كي لا ننسى، أن وجود الكورد الفيلية في بغداد ذاتها قديم جداً ويصعب تحديده بالأرقام، لأنهم هم الذين بنو مدينة بغداد قبل 4000 عام وأسموه بغدا- بغداد أي: عطية الإله بَغ، واسمه باللغة الكوردية على صيغة اسم خوداداد، مهرداد، ئيزداد إلخ. عزيزي القارئ، رغم تنفيذ كل السياسات العنصرية المقيتة ضدهم – الكورد الفيلية- لا زالت أحيائهم شامخة في بغداد وتتحدى عوادي الزمن، كالحي المسمى بعقد الأكراد (عگد الأكراد). وكان لهم حي آخر باسم “تبة كورد” (تەپە كورد) كان قرب منطقة الفضل كان من سكنته عائلة رئيس وزراء العراق السابق في العهد الملكي نوري السعيد؟. وكان لهم حي آخر باسم عقد المندلاوية. وتكية المندلاوي في شارع الكفاح في وسط بغداد. ثم أن الفيلية أطلقوا اسم “الگاوریە” على منطقة على نهر دجلة قرب الكرادة. وأسس الكورد الفيليون سوق شورجة بفرعيه التي تقع بين شارعي الرشيد والكفاح. وقبل بناء هذه الأحياء بنا الساسانيون الكورد قبل الإسلام حياً في المدائن (طاق كسرى) باسم “كورد آباد” أي: معمورة الأكراد. ذكر هذا الحي المؤرخ الشهير (ياقوت الحموي) 1178- 1229م في كتابه الذي يعتمد كمصدر التاريخي موثوق به ألا وهو (معجم البلدان) الذي ألفه بين أعوام 1220- 1224م.
وفي العراق الذي هو بيت القصيد في موضوعنا، سنتحدث عن اضطهاد ومحاولات إبادة الكورد بصورة عامة واضطهاد وإبادة شريحة الكوردية الفيلية بصورة خاصة. إن أول اضطهاد تعرضت له هذه الشريحة المغضوب عليها من قبل حكام بغداد عندما أصدر الكيان العراقي المستحدث عام 1920 قانون الجنسية في عام 1924 لقد طُلب من أبناء هذه الشريحة الكوردية أحفاد السومريين أن تثبت عراقيتها من خلال دولة الاحتلال ألا وهي الدولة العثمانية الطورانية؟، أي: يجب عليهم إثبات عثمانيتهم أولاً حتى يصبحوا عراقيون فيما بعد في دفاتر النفوس!!، وألا يصنفون كإيرانيين!!. لو قارن المشرع العراقي – الإنجليزي آنذاك بين تاريخ وجود العثماني والإيراني في بلاد بين النهرين بلا أدنى شك عُلم حينها أن وجود إيران في بلاد الرافدين سبق الاحتلال العثماني بقرون عديدة، لكني أجزم أن السبب الرئيسي هنا لاضطهاد هذه الشريحة المسالمة بالإضافة إلى أنه عرقي – قومي كان جانبٌ منه بسبب الانتماء المذهبي؟. على أية حال، بعد أن رسخ ما سمي بنظام الحكم (الوطني) في العراق أقدامه في السلطة بدءً من ذلك المملوك المستورد من شبه جزيرة العرب، بدء رحلة العذاب الكوردي الفيلي على أيدي تلك الأنظمة العروبية المتعاقبة على دست السلطة في بغداد، حيث كان في كل مرة يحدث خلاف ما بين كل من إيران والعراق يقوم النظام العراقي الحاكم في بغداد بتفريغ حقده الدفين ضد أبناء شريحة الكورد الفيلية، تارة بالاستيلاء على ممتلكاتهم عنوة ودون وجه حق، وتارة يتم تهجيرهم إلى إيران بحجج واهية لا أساس لها من الصحة، وتارة أخرى يتم تصفية أبناءهم في المعتقلات العراقية بدم بارد، ومرة أخرى يُهَجروا من مدنهم في جنوب كوردستان إلى مدن عراقية في غربه وجنوبه ويتركوا في بيئة صحراوية بعيدة كل البعد عن بيئة مدنهم الخضراء في كوردستان، وتارة يستبعدوا من وظائفهم ليس لشيء سوا إنهم كورد ويعتزون بكورديتهم. وفيما يتعلق بامتلاكهم الوثائق العراقية تبين فيما بعد أن دفاتر النفوس (الجنسية) التي كانوا يحملونها منذ عشرات السنين مؤشر عليها برمز ما يدل على أن حاملها أجنبي – إيراني!!!.
للأسف الشديد أن هذه الشريحة الكوردية الأصيلة بعد مرور 23 سنة على تحرير العراق من براثن الحكم العروبي الدموي لا زال الكوردي الفيلي حفيد السومريين عندما يراجع دائرة الأحوال الشخصية شؤون النفوس في بغداد يجب عليه أن يراجع قسم الأجانب!!! بلا أدنى شك هذا ظلم وإجحاف كبيرين ضد أبناء هذه الشريحة الكوردية الأصيلة التي سبقت الجميع على هذه الأرض. وفيما يتعلق بالعمليات العسكرية الإجرامية ضد عموم الكورد، أن مدن الكورد الفيلية هي خط الدفاعي الأول عن عمق كوردستان، فلذا عندما قام النظام البعثي المجرم بعمليات الأنفال سيئة الصيت بدءها من جرميان (گەرمیان) حيث المدن والقرى الكورد الفيلية. وقبل عمليات الأنفال الإجرامية، أعني إبان الحرب العراقية الإيرانية كانت مدن الكورد الفيلية في كل من شرق وجنوب كوردستان مسرحاً وهدفاً للجيشين المتحاربين، وعلى أثر هذه الحرب العبثية دمرت مدن الكورد الفيلية تدميراً شاملاً كمندلي وزرباطية وجزئياً بدرة وجصان وخانقين إلخ وفي الجانب الآخر أعني شرق كوردستان دمرت مدن أركواز، ومهران ودهلران وعلي الصالح وإيلام وقصر شيرين وجيلان وسومار إلخ. هذه هي التي جنتها الأمة الكوردية بصورة عامة وشريحة الكورد الفيلية بصورة خاصة على أيدي أخوة العقيدة والدين؟!.
الذي نقوله في نهاية هذه المقالة، سيبقى الشعب الكوردي بكل شرائحها القومية والعقائدية في دائرة الخطر إذا لا تتكاتف وتقف وقفة رجل واحد في وجه الأعداء المتربصون بها.
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً … وإذا افترقن تكسرت أفرادا.[1]