=KTML_Bold=التهميش التعليمي التركي ضد اللغة الكردية في #عفرين# =KTML_End=
د. علي أبو الخير
=KTML_Bold=مقدمة=KTML_End=
هوية أي أمة تعتمد على تاريخها وثقافتها ولغتها التي تنفرد بها، يوجد ذلك عند الأمم والشعوب كلها، ولذلك فقد حرصت المنظمات الدولية على تأكيد البعد عن فرض ثقافة، أو لغة على الدولة، التي تقع تحت طائلة الاحتلال، فلا تفرض الدولة الاستعمارية أي قيود على مناهج التعليم في الدولة، التي تحتلها، ولكن رأينا ثقافات ولغات دول تختفي وتسود لغة المستعمر، كما هو الحال في دول إفريقية وآسيوية حيث تسود اللغتان الإنجليزية والفرنسية.
ونلاحظ أن الشعب الكردي ينفرد عن الجميع، فهو وحتى اليوم متمسك بهويته، وثقافته ولغته، حافظ على الإرث الثقافي له عبر تاريخه الممتد، هذا في الوقت الذي تحاول فيه الدولة التركية منذ زمن العثمانيين حتى اليوم تتريك الشعب الكردي، ومع ذلك لم تنجح.
وعندما اندلعت الثورة في سوريا، انتهزتها تركيا لتفرض سيطرتها واحتلالها لمناطق كردية في شمال وشرق سوريا، ثمّ بدأت شن هجمات احتلالية لاحتلال عفرين بداية عام 2018، وذلك بعد فشل المفاوضات بين موسكو ووحدات حماية الشعب، ورفض الأخيرة الانسحاب من المنطقة، وتسليمها للجيش السوري، فما كان من روسيا إلا أن سحبت قاعدتها الصغيرة بالقرب من كفر جنة في اتجاه منطقة تل رفعت، في 19-01- 2018، الأمر الذي عُدَّ ضوءاً أخضر من روسيا لتركيا لشنّ هجومها، وبالفعل تم الهجوم والسيطرة التركية على مدينة عفرين، ثمّ أعلنت تركيا السيطرة على منطقة عفرين بشكل كامل، بعد شهرين من المقاومة والقتال العنيف.
أدّى تفاهم روسيا وتركيا حول عفرين إلى انهيار مناطق خفض التصعيد، التي ضمنتها تركيا في مسار مدينة “آستانا” بشكل كامل، فقد تزامن بدء عملية ما سُميت ب “غصن الزيتون”، التي أطلقتها تركيا في عفرين، مع عملية اقتطاع واسعٍ لمنطقة الغوطة الشرقية المشمولة في اتفاق خفض التصعيد.
وقام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتنفيذ ما فعله الكيان الصهيوني، عندما نفذ بناء جدارٍ عازلٍ عند قطاع غزة الفلسطيني المحتل، فقام أردوغان بتشييد السور العنصري، الصهيوني الفكرة في مدينة عفرين، وهو إجراء عنصري بغيض لا مثيل له، على الأقل بين أبناء الدين الواحد.
=KTML_Bold=التتريك التعليمي في عفرين=KTML_End=
اليوم، وبعد سيطرة تركيا والمجموعات المرتزقة التابعة لها على عفرين وبناء الجدار العنصري، يواجه السكان المحليون إهمالاً متعمداً في مجال التعليم والتربية وخصوصاً من ناحية التدريس باللغة الأم لأبناء المنطقة من الكرد.
ويعاني الطلاب الكرد في عفرين وريفها صعوبةً في فهم المناهج الدراسية، المعتمَدة حالياً من قبل “الحكومة التركية”، خصوصاً من ليست لديهم أي معرفة مسبقة باللغة العربية نطقاً وكتابة، وبعد أن اعتادوا على الدراسة بالكردية كلغة للمناهج، كما خصصت أربع حصص للغة التركية، ومثلها للغة الكردية، ولاحقاً، تمّ تقليص نصاب اللغة الكردية إلى حصتين فقط، وأحياناً إلى حصة واحدة، وألغيت تماماً في بعض المدارس بحجة عدّم وجود كوادر لتدريسها.
=KTML_Bold=تهميش #اللغة الكردية#=KTML_End=
في الوقت نفسه، فُرضت اللغة التركية على الكرد السوريين والنازحين السوريين العرب، الوافدين إلى المنطقة من مناطق سورية أخرى، وبدأ الحديث في كتب اللغة التركية عن رموز وشخصيات قومية تركية وأخرى دينية غريبة عن البيئة المجتمعية السوريّة والكردية، ليس فقط في سوريا، بل أيضا في تركيا، والعراق، وإيران، وهو ما حدث كثيرا ضد الشعب الكردي.
وكان من اللافت أيضاً، افتتاح سلطات الاحتلال التركي “كلية التربية” في مركز مدينة عفرين، أُتبعت ب ”جامعة غازي عنتاب” التركية بمرسوم رئاسي تركي وقّعه أردوغان، وفقاً للمادة 30 الإضافية من قانون تنظيم مؤسسات التعليم العالي رقم 2809، والمادة 39 الإضافية من قانون التعليم العالي رقم 2547 إلا أن كلية التربية لم تفتتح قسماً للأدب الكردي كي ترفد المدارس بأساتذة أكاديميين، وهو إجراء عنصري جديد منغلق العقل والروح والدين.
وحالياً، تعدّ الكردية لغة ثانوية في المناهج التعليمية بعد العربية، والتركية، والإنجليزية، من جهة عدد الحصص، ومعاملتها كمادة غير مؤثرة في المعدل العام للدرجات، بسبب عدّها لغة اختيارية في امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية.
والمفارقة المثيرة هي تفوق اللغة التركية (داخل الأراضي السورية) وتقدمها من حيث الأهمية، وعدد الحصص ونوعية المدرسين، فضلاً عن المكانة العلمية وأهميتها في التحصيل العلمي، على الكردية لغة السكان الأصليين.
إنّ سياسة تهميش اللغة الكردية في عفرين، ولّدت لدى المجتمع المحلّي الكردي الشعور بالظلم نتيجة حرمانهم من لغتهم الأم، وأعاد إلى أذهانهم عقوداً من التمييز، عدا عن مواجهة الطلبة الكرد حالياً تمييزاً بحقهم نتيجة استخدامهم اللغة الكردية في أحاديثهم الشخصية اليومية بين بعضهم، وقد مورس هذا التمييز عليهم من قبل كوادر المعلمين وأبناء المجتمع الضيف على السواء.
ولكن يبقى السؤال مطروحا، هل هذا التميز والتهميش للشعب الكردي في عفرين وغير عفرين هو نهاية المطاف؟ لقد قلنا في بداية المقال إن الشعب الكردي حافظ عبر آلاف من السنين على تراثه الفكري والحضاري والتاريخي، وساهم الكرد في ثقافات الشعوب الأخرى، وتميزوا بتمسكهم بلغتهم، كما أسهموا بعد اعتناقهم الإسلام في المسيرة الحضارية للأمة الإسلامية، ومن هنا يبقى الأمل والتفاؤل في مسيرة الكرد في كل البلاد…[1]