عبد الله كوران.. الشاعر الأستاذ الذي جدد في الشعر الكردي
: إعداد- سماح عادل
“عبد الله كوران” شاعر عراقي، هو “عبد الله سليمان” ولد في “حلبجة” عام 1904، درس في مدرسة العلم ب “كركوك” عام 1921 إلا أنه تركها بعد مقتل أخيه الأكبر، وعاد إلى مدينته للاعتناء بوالدته فامتهن التعليم بين 1925- 1937 في مدارس ابتدائية في “حلبجة” وهو “رامان”.
حياته..
أثناء الحرب العالمية الثانية عمل لدى إذاعة الحلفاء، والتي كانت تبث من “يافا” بفلسطين برامج باللغة الكردية تتصدى للدعاية الفاشية، ونشط سياسيا وناضل من أجل الديموقراطية والسلم في ظل الحكم الملكي العراقي، ألقي القبض عليه عام 1951 لأول مرة مع عديد من المعارضين، وظل سجينا حتى أكتوبر 1952، ثم عمل محررا لصحيفة زين “الحياة” بين 1952- 1954 ثم أعيد اعتقاله في خريف 1954 وحكم عليه بالسجن لمدة سنة إضافية قضاها في “بدرة” في سبتمبر.
في 1956 أطلق سراحه ليعتقل مرة أخرى بعد شهرين من ذلك، واستمر سجنه هذه المرة حتى أغسطس 1958 أي بعد مرور شهر على تحول العراق إلى الحكم الجمهوري، أصبح أقرب إلى صورة البطل في أعين الشعب والسلطة فأرسل في وفود إلى الإتحاد السوفيتي والصين وكوريا الشمالية، وفي بداية 1959 تولى مهمة تحرير جريدة “الشفق” والتي تغير اسمها بعد ذلك إلى “البيان”، وفي خريف 1960 أصبح “عبد الله كوران” مدرساً للآداب واللغة الكردية في جامعة بغداد، وفي عام 1962 أصيب بالسرطان وأجريت له عملية جراحية متأخرة جداً، سافر إلى موسكو في إبريل من نفس العام لتلقي العلاج في مستشفى الكريملين، وبعد ذلك في مصحة ” بريجيج ” ثم أعيد إلى كردستان بعد ثلاثة أشهر، حيث توفي هناك في شهر أكتوبر من نفس العام.
رائد مجدد..
في مقالة بعنوان (الشاعر عبد الله كوران النجم الساطع والرائد المجدد في الشعر الكردي المعاصر) يقول “حواس محمود”: “الشاعر الكردي عبد الله كوران أحد الشعراء الذين يفتخر بهم الشعب الكردي، باعتباره النجم الساطع والينبوع الدافق والجبل الشامخ في الشعر الكردي المعاصر.. يعتبر كوران أستاذا لمدرسة الشعر الكردي الحديث، لقد ساهم بشكل جدي في تطور الشعر الكردي، وتغيير أوزانه وعروضه وإيقاعاته متلائما مع الظروف التاريخية والاقتصادية والاجتماعية لمجتمعه، لقد دشن كوران مدرسة جديدة في النصف الأول من القرن العشرين، ونبذ عملية التقليد والتكرار وأوصل الشعر إلى قمة الإبداع، وأحب الجمال وغنى له وتمحور شعره حول الجمال في جانبيه: المرأة والطبيعة.. لقد وصف كوران الطبيعة كثيرا وصوَر جمالها وروعتها ولكنه اعتبر جمال المرأة أفضل بكثير من جمال الطبيعة، ويجد كوران أن الجمال في الإنسان هو الروح والعمل الطيب، فالجسد سوف يفنى ويضمه القبر المظلم بين دفتيه، وهناك جمال واحد سيخلد عبر القرون.. وكان كوران دائماً مع الحدث، ويعد من أبرز الأدباء الذين انخرطوا في الممارسة الأدبية النضالية، ذلك أن الأدب النضالي انطلق مع انطلاق الشعب في ثورة 14 تموز، وقد سجل هذا الأدب البطولة الخارقة التي أبداها الشعب والجيش في الانتفاضة على السلطات الجائرة المنهارة في لحظات، قد صورت أعمال أدبية عديدة هذه البطولة، ويقف كوران في مقدمة من صورها في أعمال أدبية، فهذا الشاعر الذي كان يعيش في عقر الزنزانات منذ سنين وكان يعبَر بقصائده العديدة مثل “أنشودة الصامد” عن بسالة السجناء وصمودهم أمام التعذيب والألم، لكونهم “جنود أمناء لقضية عادلة” ويصوَر كوران منذ اليوم الأول للثورة مشاعره الذاتية، مشاعر السجين الذي كان ينتظر الموت في أية لحظة وهو في قبضة النظام.. ويجسد كوران في قصيدته ” قصة الأخوة ” الأخوة الكردية العربية، وذلك بنفس شاعرية ملحمية، ويؤكد على تاريخية هذه الأخوة وحيويتها وأهميتها في العملية النضالية، كأساس متين لمقاومة الاحتكارات الاستعمارية والخطط الاستغلالية”.
ويواصل: “نشر كوران الشعر في أغلب الصحف الكردية التي صدرت من عام 1930 وحتى مماته عام 1962، وفي عام 1950 نشر له ديوان “الجنة والذاكرة” و”الدموع والفن” وظهرت له دواوين عديدة بعد رحيله ونشرت قصائده الكاملة في عام 1980، ويمكن القول بأنَ شعر كوران ينقسم إلى ثلاث مراحل أساسية من حيث الشكل والمضمون: كان في البداية شاعرا كلاسيكيا، ثم تحول إلى الشعر الرومانسي فأصبح شاعرا رومانسيا تمحور شعره في المرحلة الرومانسية حول المرأة والطبيعة، والمرحلة الثالثة من نتاج كوران الشعري هي مرحلة الواقعية، حيث أنه ارتبط من خلال أشعاره بقضايا النضال الوطني الديموقراطي، قضايا الكفاح من أجل الحرية والأمن والسلام، وكان الصوت المجسد لطموحات وآمال الجماهير العريضة وسائر الوطنيين والثوريين آنذاك، لقد كتب في هذه المرحلة “سجن الضحاك” وفيها تناول أسطورة كاوا الحداد الذي كان قائد الانتفاضة الكردية ضد الطاغية الضحاك.. قرأ كوران لشعراء الانجليز ويمكن أن نجد تأثير الرومانسيين في شعره ككيتس وبايرون وشيللي، ولكننا لا نجد تأثير ت.س إيليوت في شعره كما يدعيه بعضهم، وهكذا نجد أن الشاعر كوران تميز بخصائص متعددة: بشعره الغزير الغني بالمضامين المتنوعة، وكذلك بكونه الرائد المجدد في الشعر الكردي بما يتلاءم مع المرحلة التاريخية، وبكونه الثوري الذي ناضل والتصق بهموم شعبه، ولقد كان الشاعر الرومانسي، والسجين والمناضل ونصير السلم، والمكافح من أجل قضايا الشعب العادلة، إنه بحق الظاهرة النادرة في الشعر الكردي”.
الواقعية..
وفي مقالة بعنوان (عبد الله كوران شاعر الجمال والإنسان.. و قضية شعب) يقول “جمعة الجباري”: “شرعت الواقعية بعد الحرب العالمية الثانية تتعاظم وتقوى في الأدب الكوردي، وأخذت عناصر الواقعية الاشتراكية تتطور وتزدهر فيه بشكل سريع.. وفي عشرينيات القرن المنصرم بدأت إبداعات كوران الشعرية، بالظهور، متفوقاً بها على أقرانه، سالكاً لنفسه بها مدرسة خاصة به، عرفت بعده ب (مدرسة كوران الشعرية) وعده النقاد حينها (بالشاعر الأستاذ).وهو بجهوده هذه يعد رائد مرحلة أدبية بعد رواد ثلاثة آخرين سبقوه، وكان لكل واحد منهم عصب السبق لمرحلة أدبية معينة، وهم (ملاي جزيري1407-1481)، (احمد خاني 1670-1706)، (حاج قادر كويي 1816-1892).. بدأ عبد الله كوران شاعراً يرى في الجمال متعة ورسالة في درب الحضارة معاً، فأنشد للجمال قصائده الأولى، وإن عرف كوران ردحاً بأنه شاعر الجمال، أو بالأحرى شاعر المرأة والطبيعة، فإنه لم يعزل ذلك الجمال عن قضية الإنسان والشعب يوماً”.[1]