#دلاور زنكي#
النهضة، من أين تبدأ النهضة؟ هل النهضة هي ثورة شاملة أم نهضة تاريخية؟ يبدو أن لمفهوم النهضة إشكاليات كثيرة، نبدأ من كلمة البعث أو الاحياء أو الولادة. النهضة في اللغة والأدب الكرديين:النهضة كلمة لاتينية
Renaissance من كلمةMotamot بمعنى الولادة والاحياء. التجديد والتأسيس من جديد Renaissance في القرن الخامس عشر والسادس عشر في ايطاليا، وانتشرت النهضة كمفهوم في جميع أوروبا، يمكننا أن نقول إن النهضة حدثت في العالم القديم في القرون الماضية البعيدة وتبدلت كمفهوم تفاعلي في القرون الحديثة في كل الأساليب والأشكال وجوانب الحياة، طويت صفحة تاريخية قديمة، وافتتحت صفحة جديدة، حيث قدمت آفاقاً جديدة للإنسانية، أحدثت تطورات نحو الحرية والديمقراطية.
يتألف العالم القديم من طبقات اجتماعية يسودها نظام سيطرة زعماء العشائر، ورجال الدين الذين يملكون كل شيء في العالم. لقد غيرت النهضة هذا الوضع القائم من أساسه، وغيرت المجتمع واللغة والرؤية الإنسانية للعالم والعلاقات القائمة بين الظالم والمظلوم، إذاً بهذا الشكل نجد أن النهضة هي ثورة لا مثيل لها تجاه العالم القديم الذي كان مرتبطاً بقيود تكبله، فالإنسان نتاج مكان وظرف معين، وعلى أثر ذلك حدثت الثورة.
أحدثت الثورة شرخاً في الإنسان حيث قربته من الإنسانية وغيرت في بنية التفكير واللغة والعلاقات والعادات والقوانين السائدة وفنون المجتمع، فالنهضة هي ثورة على العادات والروح القومية.
لم يكن الإنسان حراً في العالم القديم فقد كان مرتبطاً بكل هذه القيود البالية لكن النهضة وجهته نحو الأنسنة، تتحدث الكتب عن انسيكوبيد، فالثورة التي أحدثتها النهضة في تجديد الإنسان وشخصيته لا مثيل لها. لقد تحول كتاب (الأمير ) لميكافيلي إلى عقيدة تبحث في سياسة الدولة الحديثة، وأسس أفكاره على الشخصيات والأوضاع الجديدة، وكان من رواد النهضة أمثال كولومبوس، كوبرنيكوس، لاثر، كالفن، ابلاس، مونتفون، شكسبير، سرفانتس.. وآخرون. وضعوا أسساً جديدة للعالم، فالصعوبة تكمن عندما يصرح الإنسان أن النهضة كانت ثورة تغيير، تمخض العالم القديم الذي كاد أن يقدم ثورة غير متوقعة. النهضة الإنسانية ومعرفة الذات، ونهضة الكتب على المستوى النظري. على أن النهضة غيرت معالم العالم والمجتمع تدريجياً، وتم ذلك بفضل الإنسانية والكتب أي بمعنى آخر اندماج الجانب النظري مع الجانب العملي، وفتحت أمام العالم والإنسانية آفاقاً كثيرة وحررت الإنسان والمجتمع من ربقة النظام العشائري والعائلي والملوك والأمراء والعداواة الداخلية وقدمت للإنسانية عالماً سرمدياً؛ ومزقت قميص الجهل والفساد والحسد واستبدلته بقميص جديد أكثر حداثة في المجتمعات والإنسان، واقتربت المجتمعات الإنسانية من بعضها، ونشرت الكتب وأنارت روح الإنسانية فالعالم أصبح قرية صغيرة. فتحت النهضة الطريق أمام العلم والأدب والفن، وجددت الأحاسيس والفكر واللغة وروح الإنسان، وحولت الأدب الشفهي القديم إلى الكتابي المدوّن، وقدمت أدباً كتابياً للمجتمع وتبوأت طبقة العمال ورجال المعرفة مراكز ووضعت المعايير الجديدة…
من ضروريات العصر الذي نعيش فيه أن يلتفت الأكراد إلى أنفسهم، وقد كانت النهضة ثورة تجديد وتحديث على المجتمع الرجعي القديم. و فتح العلماء والمستشرقون والأدباء آفاقاً مضيئة أمام الانسان.
إن تطور النهضة مرتبط بتطور المجتمع الذي نعيش فيه إضافة إلى الوضع القائم بين الأكراد فتكون النهضة حاجة ماسة للأكراد لكن لكل فترة زمنية رجالها ومفاهيمها النهضوية وخصوصية البلد والمجتمع، مثلاً أحدثت النهضة الألمانية وأثارت انتباه الأمير جلادت بدرخان وجذبته لإحياء اللغة الكردية والأدب الكردي. كانت ألمانيا مؤلفة من عدد من الإمارات غير موحدة، لم تكن دولة قومية، وبفضل النهضة حققت وحدتها بدأت باللغة، أسست وحدة اللغة والأدب والشعر والفكر القومي ثم وحدة الوطن حتى تبوأت صدارة العالم يمكننا أن نقول تبدأ النهضة في وحدة اللغة والثقافة والفكر ثم الوطن، أعتقد أن هذا يناسب الوضع الكردي الحالي.
تمر ظروف سياسية على كردستان وتجعلها في ظلام ليل دامس وخاصة الوضع في الأجزاء الثلاث من كردستان (ايران، عراق، تركيا) وعلى الرغم من ذلك تتقدم باتجاه التغير واحداث الجديد، فالمقاومة التي نسمعها أو نشاهدها في تركيا حسب الوضع الجديد والتفرقة والعداوة أكثر من السابق وعلى ضوء هذا يجب أن نتسلح بنهضة جديدة وفُرضت علينا الحرب والثورة وانتشارها في كافة المجالات الفكرية والأدبية والمعرفية، لقد استيقظ الأكراد من سباتهم الطويل ولذلك فهم يطالبون بحقوقهم. ويندحر كل شيء في تركيا، يفر الناس من الظلم والوحشية، وتستباح البلاد و تسيل الدماء ومن المستحيل أن نناقش النهضة في هذا الموضوع.
لقد تطور الوعي الكردي في تركيا حسب حركية المجتمع وحسب الأعمال الأدبية والثقافية والفنية، لقد قدم الكثير من الشباب والفتيات أرواحهم رخيصة من أجل الأكراد من أجل احياء الحياة الكردية. تصدر في تركيا جريدة كردية أسبوعية ويتم تطوير اللغة الكردية وتحل العادات والأصول والأدب الكتابي محل العادات القديمة والأدب الشفهي والتاريخ القديم وحلت التقنية العلمية محل القديمة. ويتكلم غالبية الأكراد اللغة التركية، ولا يمكن أن نقول ان هناك حركة وحياة فلسفية وعلمية وفنية وثقافية كردية. لقد حولت الكلاسيكيات الكردية إلى الأحرف اللاتينية، وكتب الفلكلور الكردي، لكن أين الإنسانية والمجتمع والحياة الكردية؟ أين الوحدة والعمل المشترك الكردي؟ أين الحركة العلمية والثقافية وإحياء حركة النهضة الكردية ؟.
ربما نجد في المستقبل القريب نهضة كردية، والذين يناقشون النهضة الكردية، يقدمون أشياء إلى اللغة، في اليوم الذي يكون فيه لغة الفكر هي لغة كردية ستحدث وحدة اللغة والأدب الكردي. عندما يصل عدد الكتب الكردية إلى عشرات الآلاف، ويصل عدد الكتاب ورجاله والمثقفين إلى الآلاف، وتؤسس المطابع الكردية والأكاديميات والمعاهد والمؤسسات الثقافية، عندئذ تزدهر النهضة الكردية والنهضة اليوم ضرورة ماسة لكل الشعوب وخاصة للشعب الكردي. من المعلوم أن النهضة السياسية والاجتماعية الكردية تؤثر في النهضة الثقافية وطبقة المثقفين الأكراد.
تختلف النهضة من بلد إلى آخر حسب الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والأدبية لكل بلد وقد يتأخر بلد عن الآخر أو جزء من كردستان عن الأجزاء الأخرى حسب الاستقرار السياسي وواقع الأنظمة في كل جزء، أو قد يسبق جزء الأجزاء الأخرى، لكن على الرغم من ذلك نجد أن النهضة الكردية بدأت تقريباً في مطلع الثلاثينات في أجزاء كردستان، وقبل ذلك كانت هناك مرحلة المخاض والثورات والانتفاضات وبدايات الحركة المجتمعية في كافة المجالات وهذا لا يعني أن الانتفاضات والثورات توقفت بعد هذه المرحلة بل غيرت من تقنياتها وأساليبها، ونظرتها إلى المجتمع والأعداء، أي تغيرت العلاقات وجرى تغيير في بنية العقل الكردي مثلاً حاول المثقفون الأكراد في كردستان العراق أن يحدثوا ثورة نهضوية في الفكر والأدب والسياسة والمجتمع وكافة مجالات الحياة، بعد أن ظهرت اكتشافات جديدة في علم الآثار وتغيرت المفاهيم في السياسة والثقافة والتاريخ، فانقطعت العلاقات مع الأفكار الكلاسيكية القديمة فمثلاً في مجال التاريخ نسفت مقولة التوراة التي تقول إن التاريخ هو تاريخ التوراة، وكذلك جرى تجديد في الحركة الأدبية على يد الكاتب عبدالله كوران والشيخ نوري شيخ صالح مع بعض من مفكري تلك الفترة أمثال بيره ميرد الذي ساهم في الحركة الفكرية الكردية كما كان له دور في حركة التحرر الوطني الكردي، واشتراكه في الجمعيات الوطنية والثورة الكردية بزعامة محمود الحفيد ثم أصدر جريدة (زيان) في 1926م وكذلك المفكر الكردي رفيق حلمي الذي ترك لنا آثاراً عظيمة في تاريخ الثقافة الكردية.
لقد ربط المثقفون الأكراد المرحلة الكلاسيكية وضمان مرورها بالمرحلة الحديثة بمعناها الصحيح. يعود الأدب الكردي الحديث بجذوره إلى المثقفين الأكراد في اسطنبول وكانت الدعوة الأولى للفكر النهضوي بعد صدور أول جريدة كردية في عام 1898 م بعنوان (كردستان).
كما كان للمؤرخ الكردي المعروف محمد أمين زكي دور هام في رفد الحضارة الكردية وربطها بالحضارة العالمية ولا يمكن أن نغفل دور المفكر والعلامة توفيق وهبي في مجال نشر اللغة الكردية وأبجديتها والقواميس.
وقد صدر عدد كبير من الجرائد والمجلات والكتب في تلك المرحلة ونذكر منها، مجلة كلاويز بين عامي 1939-1949م التي كانت تصل إلى سوريا وتوزع في كافة أجزاء كردستان ثم مجلة (زين) عام 1942م إضافة إلى الكتب التاريخية والفولكلورية والأدبية والثقافية ومن إلتف حول هذه المجلات والمنابر العلمية، محمد أمين زكي، توفيق وهبي، علاء الدين سجادي وغيرهم ممن ساهموا في تطوير النهضة، ومن الرواد الأوائل في تلك المرحلة الأولى إضافة إلى الشاعر بيره ميرد وعبدالله كوران كان هناك الشيخ نوري شيخ صالح، وكاميران مكري، وأحمد هردي وجميل صائب وكاكا فتاح الذي استلم جريدة زيان بعد وفاة بيره ميرد. وقد استمرت هذه الفترة حتى نهاية الخمسينات، ويعتبر بحق من الرواد الأوائل الذين ساهموا وشاركوا بشكل فعال في النهضة الكردية في جميع المجالات. وجاء الجيل الثاني الذي كان متمماً للجيل الأول للنهضة. وقد أصدر شيركوه بيكس بياناً بعنوان ( المرصد Ruwange ) يحدد فيه تجديد الأدب حسب المرحلة التي يعيش فيها مع بعض زملائه أمثال لطيف هلمت، وأنور شاكلي، ومؤيد الطيب، وسعد الله بروش، وغيرهم، أما في مجال القصة فقد كان مصطفى صالح كريم، طاهر صالح سعيد، حسين عارف، جلال ميرزا، كاك بوطاني وأحلام منصور وآزاد عبدالواحد الذي كان يعمل في مجال النقد أيضاً.
أما النهضة الأدبية التي تطورت في ثمانيات القرن الماضي والتي كانت استمرارية لرجال النهضة الأوائل، فقد كانت المجموعة من المثقفين يعملون في مجال الأدب عامة وينادون بالحداثة الأدبية والتحديث ومن الشعراء أنور مصيفي وصباح رنجدر وقادر ابراهيم مينه. ومن القصاصين والروائيين جبار جمال غريب، وفيصل دهاتي وشيرزاد حسن وبختيار علي. ومن جهة أخرى، كان هناك مجموعة أخرى تعمل بجد دؤوب منهم كريم دشتي، هاشم سراج، عبدالمطلب عبدالله، صلاح جلال، والدكتور فرهاد بيربال، والدكتور كمال معروف مصطفى.
وازدادت هجرة المثقفين الأكراد في بداية الثمانينات الى أوروبا، وهذا منحهم فرصة التلاقح والتزاوج الثقافي وفتحت أمامهم آفاقاً واسعة وفكراً متنوراً، وظهرت نتائجه في انتفاضة 1991 م، وعودة المثقفين الوطنيين الأكراد إلى الوطن بعد انشاء حكومة أقليم كردستان البرلمانية، وصدور عدد كبير من المجلات والكتب والجرائد والمنشورات بكافة أنواعها، وقد تعجز مؤسسة حكومية رسمية عن إصدار تلك الكمية الهائلة.
هذا وقد ظهرت بوادر النهضة الكردية في كردستان ايران وخاصة أثناء قيام جمهورية كردستان (مهاباد) في المجال السياسي والثقافي والأدبي. فقد كان الشاعر هزار وهيمن ودلدار من شعراء الجمهورية إضافة إلى عرض اوبرا (الأم كردستان) التي كانت تعتبر نقطة البداية أو الانعطاف التاريخي في حياة النهضة الفكرية والفنية الكردية .
وأما النهضة الفكرية التي حدثت بين أكراد سوريا في ثلاثينات القرن العشرين كان من أهم أعلامها المفكر والعلامة جلادت عالي بدرخان عندما أصدر ألف باء بالأحرف اللاتينية وصدرت مجلة “هاوار” بتلك الأحرف للمرة الأولى فاجتمع حوله مجموعة من المثقفين والوطنيين الأكراد ومن هؤلاء الذين نشروا الوعي القومي أمثال: جكرخوين وقدري جان وعثمان صبري والدكتور نورالدين ظاظا والدكتور كاميران بدرخان وأحمد نامي وحسن هشيار…والخ. لقد تحمل هؤلاء الرواد الأوائل للنهضة الكردية أعباء كثيرة في سبيل تطوير اللغة وتحرير الإنسان الكردي من النظام العشائري والطائفي القديم،وتوعية الجيل الجديد توعية وطنية قومية نهضوية في الوقت الذي كانت تسود فيه العلاقات القديمة من الاستغلال والظلم والجهل والأمراض المتفشية في المجتمع الكردي. وكان لرواد النهضة علاقات مع المثقفين والنهضويين الأكراد في كردستان العراق وتركيا وأرمينيا أمثال موسى عنتر الذي بقي في داخل كردستان تركيا وعمل في كافة المجلات الثقافية والسياسية لتحرير الأكراد، وكذلك محمد أمين زكي الذي قرأ التاريخ الكردي قراءة جديدة، وعلاء الدين سجادي وتوفيق وهبي وكوران وغيرهم كثيرون، إلى أن امتدت حدود هذه العلاقات وشملت الحركة الثقافية والأدبية وخاصة في مجال الفولكلور الكردي إلى الاتحاد السوفياتي سابقاً، مع المفكر النهضوي الذي وضع الف باء اللغة الكردية عرب شمو الذي كتب أول رواية كردية (الراعي الكردي) ويعتبر مؤسس الرواية الكردية الحديثة، ومن ثم البروفيسور قنات كردو وغيرهم .[1]