أحمد شيخو
بعد فقدان منطقة الشرق الأوسط استقلاليتها تدريجياً مع القرن الثاني عشر وتحويل نظام الهيمنة العالمية جغرافيتها من المنطقة باتجاه غرب أوروبا، نظراً لتوفر وعي الحقيقة في تلك المناطق، عانت ولا تزال تعاني مجتمعاتنا و شعوبنا من حالة التبعية في مجالات عديدة.
ن ثقافة الحياة وقيم المجتمع والأداء السياسي والإداري بدأ بالاغتراب عن المضامين الحضارية والإنسانية المشرقية التشاركية والانزلاق نحو تقليد الآخر واللحاق بركبه وبطريقة وطراز حياته.
وفي بدايات القرن العشرين، ومع انهيار الإمبراطورية العثمانية وتدخل الاستعمار الغربي المباشر وتقسيمهم المنطقة ومجتمعاتها وشعوبها إلى دويلات قومية (علمانية وإسلامية)، كانت لديها القضية الأكثر سلبية في تاريخ المنطقة وبمثابة الضربة القاصمة لكافة الشعوب والتكوينات الاجتماعية في المنطقة وثقافاتهم التكاملية وتقاليدهم الديمقراطية ووحدتهم الطوعية، لأن القوموية والدولة القومية منتوج سلطوي وأداة رأسمالية، تم تطبيقه في المنطقة والعالم لأهداف الهيمنة الرأسمالية الغربية ونهبها ومصالحها، دون النظر لإرادة المجتمعات وشعوب المنطقة وأولوياتهم ومصالحهم، وعندها أصبحت الأداة (الدولة القومية) المرتكزة لأمة الدولة النمطية الأحادية ذات اللون الواحد وسلطاتها الاستبدادية القمعية هي التي تسعى ومن ورائها راعيتها الرأسمالية العالمية لتحقيق حالة الاندماج القسري بالإكراه وبالعنف المفرط والإبادات لكل المكونات أو الألوان والثقافات الأصلية التي تختلف عن لون وثقافة أمة الدولة القومية، وهنا كانت للشعوب والثقافات كلمتها ووقفتها التي رفضت الأنصهار والذوبان القسري ضمن بوتقة الدولة القومية وأمتها، مما فتح المجال للعديد من الصراعات وحالات الاقتتال والحروب التي شنتها الدولة القومية تحت الشعارات والرايات الأحادية التي تم إضفاء طابع القدسية عليها.
وبالمقابل كان هناك عدد من الانطلاقات المجتمعية الديمقراطية التي تجاوزت المقاربات التقليدية للسلطات القومية الحاكمة، بطرحها الصياغات الديمقراطية والتحالفية الشعبية والمجتمعية للنضال والحلول، ولكنها كانت تحارب دائماً يتم فرض الحصار عليها، لأن النظام العالمي الليبرالي يسيطر في الغالب على السلطات والمعارضين لها معاً في بلدان الشرق الأوسط والعالم، لتكون السيادة والهيمنة لها وأن لا تفتح المجال لقوى مجتمعية تطرح تحالفات ديمقراطية بين شعوب المنطقة لا تراه هي في صالحها وصالح نفوذها وهيمنتها لأنها تقود بشعار ومنهجية فرق تسد.
وهكذا ظلت الإبادات وحالات التطهير العرقي والتغيير الديموغرافي هي السائدة لدى سلطات الدول القومية وحتى لدى كافة القوى وأصحاب الميول القومية في دول الشرق الأوسط، وأصبح حلم الدولة القومية هي الترجمة الفعلية السلطوية والأكاديمية المضللة لمفهوم حق تقرير المصير، وكأن التاريخ الذي غالباً عاشته مجتمعاتنا وشعوبنا في مسار التدفق التاريخي من العيش المشترك والتكامل والاستقرار، ليس مساراً طبيعياً وأنه تخلف، وكأن حالة الدمج بالإبادة والقتل لتحقيق التجانس هو التقدم والمجتمع الحديث المبتغى الذي يتم الترويج له، ولكن الحقيقة عكس ذلك، وما تم بنائه في القرنين الأخيرين في العالم من التقسيم الإجباري وتشكيل الدويلات الوظيفية والثقافات الاستشراقية والعقليات الدولتية المرافقة لذلك هي حالة انحراف وتشويه وقتل للحياة الحرة وجعل المنطقة وشعوبها وعبر الدول القومية الموجودة أدوات لخدمة الخارج وللنظام العالمي المهيمن.
ولكن كيف يمكننا أن نجد الحلول المناسبة، بعد هذه المصائب والكوارث والتقسيمات وحالات الدمج القسرية، كيف يمكننا معالجة قضايا المجتمعات والشعوب الأصيلة التي تريد العيش بهويتها وثقافتها المرفوضة من العقليات والسلطات القومية التي فرضها عليها، كيف نستطيع تأمين مساحة الحرية والديمقراطية لجميع أبناء الوطن الواحد والدويلات المصطنعة هذه، وهل نستطيع أن نربط بين القضايا الوطنية وقضايا الشعوب وقضية التحول الديمقراطي، ومن المهم أن يشعر كل الموجودين تحت سقف الدولة القومية أن مصالحهم وخلاصهم أيضاً هو في بناء نظم ديمقراطية تتجاوز الأبعاد القومية والمفاهيم الإقصائية وعبر حل القضايا الوطنية وتأمين حقوق كافة المكونات الإثنية والدينية في إدارة نفسها ضمن نظام لا مركزي ديمقراطي تحفظ للدولة والشعوب الموجودة بداخلها سيادتها وكرامتها.
نعتقد وحسب قرائتنا، أن هناك ثلاث طرق أو خيارات لحل القضايا الوطنية لمختلف المجتمعات والشعوب والخصوصيات الثقافية واللغوية الذين تم التجاوز على حقوقهم، ونؤمن أن الخيارين الأول والثاني، ليس إلا تكرار للعقلية الدولتية وثقافة الاستبداد والقمع والإبادة وخدمة النظام الرأسمالي العالمي، لأنهما تخلقان مزيداً من الصراعات والحروب بين أبناء المنطقة وبذلك تتعمق الأزمات والقضايا أكثر وفق المعادلات الصفرية السلطوية والممارسات التي يتبنونها والسعي للانفصال والتقسيم كهدف أسمى ونهائي، في حين أن الطريق أو الخيار الثالث هو طريق الحل الديمقراطي والوحدة الديمقراطية بين المجتمعات والشعوب، يمكننا القول أيضاً إن الخيار الأول والثاني ذات عقلية سلطوية بينما الخيار الثالث يتنبى ذهنية تشاركية وديمقراطية والاعتراف المتبادل بين المختلفين.
وكمثال، إذا نظرنا إلى العلاقة بين الشعب الكردي وشعوب المنطقة والدول الموجودة المفروضة عليهم وتعايشهم التاريخي، نظرة علمية ثاقبة، نجد أن حالة التكامل والوحدة الديمقراطية هي الحل الأنسب، وأن الظروف والإمكانيات مناسبة لذلك تماماً، كما نعتقد أن الحلول الديمقراطية الأنسب لتحقيق حالة الاستقرار والأمان وحل مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وإذا استعرضنا الخيارات الثلاثة، فسنجد:
1- الطريق أو الخيار الأول (الانفصال والتقسيم): إن خيار الدولة المنفصلة أو التقسيم كان ولا يزال في غير صالح مجتمعاتنا وشعوبنا وهو سبيل خارجي للهيمنة وداخلي للاستبداد والقمع، ويفتقر إلى الأسس المادية، فمثلاً يمكننا القول إنه خياراً لا يحقق الحل المناسب للشعب الكردي ومصالحه، فحتى لو كانت هناك مطالبات بذلك من البعض، فإن القيمة العملية له ضعيفة، وحتى لو ظهرت كيانات على أرض الواقع فلن يحظ باعتراف من الجيران ولا على المستوى الدولي، كما أن أية دولة تريد المحافظة على استقلالها تحتاج إلى عوامل عديدة غير متوفرة، حتى لو توفرت المساندة الخارجية.
في باشور كردستان (إقليم كردستان العراق) مثلاً هناك عجز عن إقامة اقتصاد كردي خاص، وهذا الأمر نابع من البنية الداخلية القبائلية والعشائرية والعائلية الحاكمة، ولهذه الأسباب فإن خيار الدولة المستقلة لا يتجاوز مستوى مقولة أيديولوجية بالنسبة للكرد، وشعارات يرفعها أصحاب النهج القوموي المتواطئ لإخفاء عمالتهم وتبعيتهم للدول المحتلة لكردستان ومن ورائهم ولدغدغة مشاعر البسطاء والسذج كما يفعله حزب الديمقراطي الكردستاني ومن هم في فلكه. ولكن الممارسة العملية والتاريخية تدل على أن ميول الوحدة والتكامل والتحول الديمقراطي هي الصحيحة، والتي تمتلك فرصة النجاح، ولكن جوهر الموضوع الذي يجب الوقوف حوله هو كيفية ونمط هذه الوحدة وصيغتها وهيكليتها.
2- الخيار الثاني هو (الفيدرالية أو الحكم الذاتي): تاريخياً وعندما لم تكن الديمقراطية كنظام متوفرة والبنية القبلية كانت قوية في بنية الدولة، كانت الأسس الإثنية والقبلية تأخذ شكلاً من الحكم الذاتي، وهذه البنية كانت بعيدة عن أية ميزة قومية أو شعبية. وما تم تطبيقه في العهد العثماني البائد هو الحكم الذاتي المعتمد على الأسس القبلية بشكل رئيسي، وحتى التمردات والانتفاضات كانت تحدث عندما تتعرض هياكل وأشكال البنية القبلية للخطر.
ولهذا لا نستطيع إطلاق تسمية حركة قومية معتمدة على إرادة الشعب الحرة لتلك الانتفاضات والتمردات، فالبنية الاجتماعية والذهنية الموجودة لم تكن مناسبة لتلك الصفة في تلك المرحلة. فأيديولوجية الأسرة الحاكمة والمنفعة القبلية كانت تأتي قبل أي شيء آخر. وبهذا المعنى فإن التحدث عن الحكم الذاتي، وحتى الفيدرالية مرتبطة ببنية المجتمع المتخلف وهي لن تعط الفرصة لتطور القيم والمكاسب الديمقراطية بشكل واسع، بل ستساهم في تنمية وتصاعد بقايا البنية القبلية والعشائرية التناحرية، والممارسة العملية لدى كرد إقليم كردستان دليل على ذلك. بالإضافة إلى أن الفيدرالية والحكم الذاتي هما الشكلان الأقرب لتحقيق العمالة والتواطؤ والانحياز إلى جانب من يريد الاستخدام، ونظراً لعدم توفر الديمقراطية، فإن تلك الأرضية مناسبة للتمرد والانتفاض مما يفتح المجال أمام الإبادة والقتال المستمر والتناقضات، وليس فتح المجال أمام الحلول.
وبالنسبة للكرد في تركيا، فإن الوضع الكردي يضم اختلافات وفروقات مهمة، والتداخل الكردي التركي في مناطق كثيرة ووضع تلك المناطق، ووجود الكرد في المناطق الغربية لتركيا بأعداد كبيرة، مما يضعف الأسس المادية لطروحات الحكم الذاتي، ولا يمكن تطبيق الفيدرالية على ملايين الكرد المقيمين في كل من إسطنبول وأنقرة وأزمير وأضنة وغيرها.
فمثل هذا التوزع السكاني يحدث في كثير من بقاع العالم وبدلاً من الحلول السلطوية يتم اللجوء إلى مفاهيم الديمقراطية في اللغة والثقافة والإدارة، حيث هو الحل الأمثل لمثل هذه الحالات، فالسكان المنحدرون من أصول إثنية كثيرة ومختلفة ويسكنون في مدينة واحدة أو منطقة واحدة بكثافة، وتأسيس الديمقراطية كمؤسسات هو الحل الحضاري المعاصر لهذه الأوضاع، علما بأنه يمكن تحقيق منافع أكثر وتطور أكبر من خلال الإدارات الذاتية بشكل أفضل من المنتظر من الحكم الذاتي، وبشكل أكثر ديمقراطية والتوزع الديموغرافي للكرد والأتراك لا يتناسب مع كيان سياسي منفصل أو طراز من الفيدرالية بل المؤسسات الديمقراطية الراسخة يحقق الحل الأمثل من حيث المساواة والحرية وبإزالة العقبات عن طريق هذه الممارسة تتحقق الوحدة والتقارب وتتحقق الحلول التي تصبح مصدراً للقوة فالانصهار الطبيعي والبنية الاقتصادية والانسياب الاجتماعي المستمر منذ قرون قد حدث بشكل كثيف ومتداخل لدرجة أن الموقف المطالب بالحكم الذاتي وإطاره يبقى ضيقاً أمام الأرضية المادية الملموسة ويفرض الخناق على ما هو موجود.
والكرد في سوريا، ومناطقهم ذات الغالبية الكردية متباعدة فيما بينهم، وهناك تداخل بين الكرد والعرب والمكونات الأخرى، بالإضافة إلى تواجد الكرد في الداخل السوري والساحل والجنوب والعاصمة دمشق بأعداد كبيرة، ولذلك لا يمكن أن تكون الفيدرالية أو الحكم الذاتي الحل. وبالمثل يمكننا أن نشير للكرد في إيران والتداخل الحاصل بينهم وبين الشعوب الموجودة في إيران، إضافة لتواجد الكرد في خرسان بشرق إيران وأماكن كثيرة داخل إيران.
ولكن حتى تكون قراءتنا شاملة وواقعية، يجب القول إنه في المراحل الانتقالية والمرحلية يمكن استخدام نموذج الحكم الذاتي أوالفيدرالي ولكن الهدف هو الحل الديمقراطي والوحدة الديمقراطية.
3- الخيار الثالث( الحل الديمقراطي): وهو الخيار الذي لم يتم دراسته والتعبير والنقاش حوله بالشكل الكافي، ونستطيع القول إنه السبيل الذي أدى إلى حل كثير من القضايا على النطاق العالمي، وعدم حدوث ذلك يشكل سوء حظ كبير بالنسبة لدول المنطقة والتنوع الموجود فيها، بل هذا الوضع نتيجة لعدم حدوث تطور صادق جاد على الديمقراطية هنا، بينما الواقع يشير إلى أن هذا هو الموقف الأسلم نحو حل القضايا الوطنية كالقضية الكردية وغيرها، فالبحث عن الحلول في القواعد الديمقراطية والممارسة العملية الغنية يمكن أن يسفر عن حلول مثالية لهذه القضايا.
والمثال السويسري وغيره أمثلة وأدلة جيدة، حيث نرى التداخل الجغرافي، والثقافات واللغات والأديان المختلفة وبعد المراحل الطويلة من الصراع والتناحر نرى أنهم حددوا نقاط الفائدة المشتركة ووصلوا إلى الحل الديمقراطي، الذي شكل أعتى نظام ديمقراطي على مستوى أوروبا ويمكن رؤية أمثلة على ذلك في كثير من بقاع العالم بما في ذلك أماكن الاختلاف العرقي أيضاً مثل بلجيكا وكندا وجمهورية جنوب أفريقيا ونيوزيلاندا بل في الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، حيث الاختلاف في المناطق والثقافات والأديان واللغات والاعتراف بها أرضية للمنفعة المشتركة من خلال البنية الديمقراطية القوية للدولة، والتنوع يمنح مزيداً من القوة والغنى. لا شك أن التجربة الطويلة من الاشتباكات التاريخية كان لها دوراً لا يقل عن دور النضال الديمقراطي في ترسيخ هذا الواقع، والذين لا ينجحون في تطبيق هذه القاعدة يخسرون كثيراً.
إن مستوى تطور وسائل الالتقاء والعلاقات والعمل المشترك وكشف الحقائق وتسجيل البيانات والمعلومات والذكاء الصناعي، بات يدلنا على الصيغة والحل الأنسب التشاركي والتفاعلي، علاوة على قوة النجاح في هذه الممارسات التكاملية والتعاونية والديمقراطية وإلا فإن المعاناة والآلام وما يحدث في دول المنطقة تدل على المستوى الذي يمكن أن تصل إليه الأمور وأكثر مع استخدام النظام الرأسمالي العالمي والسلطات الاستبدادية لكافة الوسائل وتقنيات التحكم والحرب الحديثة.
علينا جميعاً تحمل مسؤولياتنا كشعوب ومجتمعات وقوى ديمقراطية وأشخاص أكاديميين ومثقفين وإعلاميين وكذلك دول نحو حل مناسب وعلمي جاد، فإيصال قضايانا المؤلمة ومنها القضية الكردية التي تتسبب في الآلام وسفك الدماء بشكل يومي تحتاج إلى دعم ومساندة الحل بدلاً من إلقاء الاتهام على هذا الطرف أو ذاك أو دفن الرأس في الرمل أو الصمت عنها أو عقد الصفقات حولها كموقف الناتو مؤخراً مع رغبته في ضم السويد وموافقة دولة الاحتلال التركية. وذلك هو الموقف الأخلاقي والسياسي والانساني المطلوب، فنحن نمر في مرحلة تاريخية صعبة في دول الشرق الأوسط، تتطلب التمسك بسلاح الحل الديمقراطي، وجوهر ذلك الحل هو الإرادة والإدارة الذاتية للشعوب والمجتمعات المختلفة في إطار من التكامل الثقافي والمؤسساتي المجتمعي في نظام لامركزي ديمقراطي.
إن حركة حرية كردستان وفي سياق النضال الديمقراطي الكردستاني وبعد مراجعة شاملة ومحاولة البحث عن الحلول للقضية الكردية وقضايا شعوب المنطقة بالوسائل الديمقراطية تدريجياً والسير على هذا المسار والسبل الأخرى التي ستفتح وقبول هذا الطرح بشكل إيجابي سببه المهم هو إمكانية تطبيقه عملياً، فهدم الدول الموجودة لن يجلب أية فائدة لأحد والانفصال عنها عديم الجدوى، ولهذا فمن الأفضل تطوير البنية الديمقراطية في هذه الدول، والنتيجة التاريخية أن الوحدة الديمقراطية مع الجمهوريات الديمقراطية لأجل حل هذه القضية وغيره هي الأصح، أي أن الحل الذي يعتمد على الوحدة الديمقراطية هو المستقبل لحل القضية الكردية وهو الاستقرار والوحدة لتركيا وإيران وسوريا والعراق ولكامل المنطقة.
إن كل قضية تحظى بقوة وحاضنة اجتماعية مهمة وتحافظ على حيويتها بالمقاومة والفكر والبناء المجتمعي الديمقراطي المتجدد، لن تموت، فحتى لو تم قمعها دون إيجاد الحلول المناسبة، فإن هذه القوة سترد بشكل أو بآخر كلما توفرت لها الفرصة المناسبة، والقمع لا يفيد سوى في قتل الزمن، لتقضي هذه القضية على القوى النشطة في أية مرحلة ولكن لا يمكن القضاء على القضية وإنهائها، فالقضايا الجادة ذات المضمون التاريخي لا يمكن أن تزول إلا بتحقيق الوفاق بين القوة التي تمثلها على المصالح وبين النظام، أو بتجاوز هذه القوة من خلال وضع نظام جديد مناسب. وبدون ذلك تتحول مثل هذه القضايا إلى مصدر يلحق الضرر والخسائر بالنظام بشكل مستمر، ولكن عند إيجاد الحل المناسب تتحول هذه القوة إلى موقف إيجابي يمد النظام بالقوة. وهناك أمثلة كثيرة عن المجتمعات والشعوب التي عانت من مثل هذه القضايا وتوصلت إلى الحلول بالسبل العلمية والديمقراطية وحل هذه القضايا المصيرية التي تواجهنا بنفس السبل العلمية والديمقراطية هي قضية الجميع وليس فقط الشعوب والمجتمعات التي تبحث عن الحلول.[1]