عنوان الكتاب: استراتيجيات البقاء لدى “هيئة تحرير الشام”: ثلاثية الإدارة والعسكرة والخطاب
اسم الكاتب(ة): د. عزام القصير
مؤسسة النشر: مركز حرمون للدراسات المعاصرة
تأريخ الإصدار: 2023
– تسعى هيئة تحرير الشام لضمان بقائها وإدامة سيطرتها، عبر اعتماد استراتيجية ثلاثية تجمع بين محاولات تحصيل شرعية محلية، ومقبولية إقليمية ودولية، وبناء قوة عسكرية.
– هناك توجّه نحو مزيد من المركزية الإدارية، وهو ما يساعد الهيئة في ضبط الساحة المحلية وتوزيع الصلاحيات والامتيازات وشراء الولاءات، لخلق فئة مجتمعية لها مصلحة ببقاء الهيئة.
والمركزية أيضًا هي نقطة تمايز عن حالة الإدارة في مناطق “الجيش الوطني”، ولذلك أهميّة دعائية يمكن للهيئة توظيفها عند الطلب، وهو ما تعكسه بالفعل تصريحات قادتها وسعيهم لإظهار “حكومة الإنقاذ” كجهة مدنيّة فاعلة، تقود تجربة حوكمة قابلة للتصدير.
– يسعى قادة الهيئة عبر خطابهم ونهجهم البراغماتي لإقناع مؤيديهم ومناهضيهم معًا، بأن الهيئة هي أفضل الخيارات المتاحة، وأنها الوحيدة القادرة عمليًا على ضبط الوضع المحلي وتسيير شؤون السكان، إضافة إلى كونها مرنة ولديها قراءة واقعية للوضع السياسي وممكناته.
– من ناحية الخطاب المحلي، يُلاحَظ تكرار الثيمات التالية: أولًا، الهيئة تحمي السكان المحليين من هجوم وانتقام النظام. ثانيًا، الهيئة ضحت بالأموال والأنفس لتحرير المنطقة وإقامة مشروع ثوري متكامل. ثالثًا، الهيئة اليوم هي الطرف المعارض الوحيد القادر على ضبط الأمن وتأمين احتياجات السكان.
رابعًا، الهيئة هي الطرف المعارض صاحب الرؤية السياسية الأكثر نضجًا وواقعية. خامسًا، الهيئة هي الطرف الأقلّ فسادًا والأكثر التزامًا بالشريعة والأكثر حرصًا على “المشروع السنّي”.
– لتعميم الخطاب محليًا، توظّف الهيئة جهازًا دعائيًا يعتمد على شبكة من القنوات والمراسلين النشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، يتلقفون تصريحات قادة الهيئة ويعيدون تدويرها مع الإضاءة على “الأمن والاستقرار” و”نضج الرؤية” و”تلبية الاحتياجات” و”نجاح النموذج”.
– خارجيًا، اتجهت بروباغندا الهيئة ورسائلها بالتحديد نحوتركيا والدول الغربية، في تحوّل خطابي واضح تضمّن تلطيف اللهجة وتبني الدبلوماسية ولغة السياسة الواقعية والمصالح، لإيصال رسالتين: أولًا، نفي صفة الإرهاب والسعي للتملص من “قيود التصنيف”؛ وثانيًا، تأكيد رغبة الهيئة في أن تصبح شريكًا محليًا معترفًا بنفوذه.
أما من ناحية الأدوات، فقد نجحت الهيئة حتى الآن في توظيف رغبة الصحفيين الأجانب في الحصول على سبق صحفي لتمرير رسائل إلى الخارج، ولإيصال صورة مصاغة بعناية عن الأوضاع في مناطق سيطرة الهيئة وعن تحولاتها.
– من الناحية الأمنية والعسكرية، تسعى الهيئة لإثبات قدرتها على ضبط الأمن في مناطقها، عبر توسيع قوة واختصاص جهاز المخابرات المسمى “جهاز الأمن العام”، ونشر “الأمنيين” في كل زوايا المجتمع.
ومن ناحية الاستراتيجية العسكرية، يسعى الجولاني لتحجيم حلفاء تركيا الآخرين المتجمعين تحت مظلة “الجيش الوطني”، لإبقاء الهيئة الطرف المتماسك الوحيد على جبهة المعارضة المسلحة.
– في علاقتها المعقدة مع فصائل “الجيش الوطني”، تعتمد الهيئة حاليًا خطاب “توحيد الفصائل” مدخلًا للهيمنة. فشعارات “نبذ الفرقة” و”وحدة الصف” و”توحيد الفصائل” تطفو للسطح، كلما رغبت جماعة الجولاني في التمدد وابتلاع فصائل أخرى.
وقد بدا ذلك واضحًا في خطابات قادة الهيئة في الأسابيع الماضية، بما يؤكد مساعي التوسع، واحتمال التمدد شمالًا.
– سيبقى مناخ الفوضى الأمنية السائد في مناطق “غصن الزيتون” و”درع الفرات” بوابةً مُشرّعة لتدخل منها الهيئة وتتمدد وتلعب دور بيضة القبان، عسكريًا وأمنيًا.
يُضاف إلى ذلك أن “الجيش الوطني” منقسم على ذاته، وفصائله مستعدة لقتال بعضها بعضًا، وأن للهيئة دورًا أساسيًا في إدارة العلاقات البينية ضمن معسكر “الجيش الوطني”.
– بالتزامن مع ذلك، تسعى الهيئة لمدّ أذرعها الإدارية إلى تلك المناطق، مستغلة الفوضى وشيوع مناخ عدم الاستقرار، الذي تفاقم في أعقاب كارثة الزلزال، ومع تزايد الشكاوى من قِبل السكان الأكراد القاطنين في مناطق جنديرس وعفرين، من جراء ممارسات بعض فصائل “الجيش الوطني”.
– يتّضح من دراسة تجربة هيئة تحرير الشام أنّ “الشرعنة” الخطابية الأيديولوجية غير كافية على المدى الطويل، فمع تراجع وتيرة المعارك وتقدّم الزمن، تُستنفَد القدرة على الحشد الأيديولوجي والهوياتي، وهو ما يدفع غالبًا نحو البحث عن مصادر “شرعنة” إضافية مرتبطة بالسياق المحيط والتصدي للاحتياجات والمطالب المحلية الناشئة.
وتلبية تلك المستلزمات الموضوعية تدفع الهيئة أخيرًا إلى التركيز على “حشد الموارد”، والذي يُترجم بمحاولاتها التوسّع بحثًا عن زيادة مواردها وتوسيع نطاق عمل مؤسساتها الإدارية وأجهزتها الأمنية.[1]