عنوان الكتاب: طائفية تنظيم الدولة الإسلامية: الجذور الإيديولوجية والسياق السياسي
اسم الكاتب: حسن حسن
مكان الإصدار: US
مؤسسة النشر: مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط
تأريخ الإصدار:2016
تسعى مختلف القوى في أرجاء منطقة الشرق الأوسط إلى دحر تنظيم الدولة الإسلامية الذي استولى على أراضٍ في العراق وسورية في العام2014 . لكن بغضّ النظر عن أداء هذا التنظيم الجهادي على المستوى العسكري، لاتزال إيديولوجيته تطرح تحدّياً على المدى الطويل. فهي متعدّدة الوجوه ولايمكن أن تُعزى إلى فرد واحد أو حركة أو حقبة واحدة. وبالتالي، يُعدّ فهمُها أمراً ضرورياً لإلحاق الهزيمة بالتنظيم.
إيديولوجيا هجينة
يقدّم تنظيم الدولة الإسلامية نفسه باعتباره ممثّل الإسلام الحقيقي الذي اعتنقته الأجيال الأولى من المسلمين (السلفية)، وهو يستند خصوصاً إلى تيّار متزمّت من السلفية يُعرف بالوهابية.
لكن من الإفراط في التبسيط توجيه اللوم إلى إيديولوجيا بعينها باعتبارها مسؤولة عن تطرّف تنظيم الدولة الإسلامية، ذلك أن تطرّفه نتاج تهجين بين السلفية العقائدية وبين تيارات إسلامية أخرى.
يعتمد تنظيم الدولة الإسلامية على كتابات جهادية لمنظّرين يدعمون موقفه، وأخرى لرجال دين لايؤيدون التنظيم رسمياً. ويتبنّى رجال الدين هؤلاء مجموعة من الأفكار التي تنحرف كثيراً عن إسلام التيار السائد، كما أن العديد منهم ورثة مباشرون للصحوة الإسلامية، وهي حركة فكرية دينية انطلقت بصورة جدّية في سبعينيات القرن الماضي.
مزجت حركة الصحوة بين المفاهيم السلفية وبين أفكار ثورية مستوحاة من الإسلام السياسي بالمعنى الواسع، إلا أنها كانت أساساً تيارات متأثّرة بجماعة الإخوان المسلمين. وقد أدّى هذا التزاوج إلى حدوث انقسامات أنتجت تيارات دينية جديدة لايمكن التنبؤ باتّجاهاتها.
أفسحت السلفية المُنقادة سياسياً المجال لظهور تيار التكفير السياسي. وتحمل هذه الإيديولوجيا راية الخلافة والجهاد والثورة على الحاكم.
يشكل تنظيم الدولة الإسلامية جزءاً من المدارس والأفكار التكفيرية التي خرجت من رحم تنظيم القاعدة، غير أن الجمود الإيديولوجي للدولة الإسلامية يبدو بارزاً. لذا، يؤدّي رفضه الانصياع إلى خلق ثقافة تكفيرية داخل التيار التكفيري نفسه.
الإيديولوجيا في الممارسة
يروّج تنظيم الدولة لإيديولوجيا سياسية، ولرؤية تصنّف وتكفّر نظرياً سائر المسلمين.
يبرع التنظيم في تنمية واستغلال الانقسامات الطائفية الحاصلة في الشرق الأوسط. ويستخدم الكراهية الطائفية والمفاهيم الدينية لتجنيد أعضاء جدد وتبرير أفعاله، أو لتعزيز التعاطف معه وتحييد القوى التي تنبذه. وقد أثبت التنظيم أنه قوي على وجه الخصوص في المزايدة على تنظيم القاعدة في مايتعلّق بتجنيد أعضاء جدد.
يستخدم التنظيم مؤلّفات رجال الدين لتبرير تكفير المملكة العربية السعودية والحكام المسلمين في أرجاء الشرق الأوسط، ولدعم رفض المؤسّسات والقوى الرسمية.
يقدّم رجال الدين مبرّرات للوحشية التي يمارسها تنظيم الدولة الإسلامية، ولا سيما ضدّ المسلمين الآخرين. كما يورِد التنظيم قصصاً تعود إلى بدايات التاريخ الإسلامي لتبرير ممارساته الوحشية أمام المجنّدين الجدد.
مقدّمة
منذ أن اكتسح تنظيم الدولة الإسلامية مناطق شاسعة في شمال غرب العراق وشرق سورية صيف العام 2014، انطلقت مناقشات حول أصول إيديولوجيته الطائفية الموغِلة في التطرّف في المنطقة
تختلف الآراء حول الجذور الفكرية لعنف وصدامية تنظيم الدولة الإسلامية. إذ يقول البعض إن هذه الجذور تمتدّ إلى الأجيال الأولى من المسلمين.7 ويعزو آخرون صعود التنظيم ووحشيته إلى غزو العراق في العام 2003، ودور إيران المتنامي في دعم الميليشيات الشيعية في المنطقة. ويشير بعض المعلّقين عموماً إلى الإسلام السياسي باعتباره الحاضنة لتعصّب تنظيم الدولة الإسلامية،8 في حين يقلّصه البعض الآخر إلى مجرّد كيان تحرّك طائفيتَه الانتهازيةُ السياسية التي تؤجّجها القوى السياسية الإقليمية.9
الواقع أن إيديولوجيا تنظيم الدولة الإسلامية متعدّدة الأوجه، ولا يمكن أن تُعزى إلى شخص واحد أو حركة أو حقبة واحدة. والاعتماد على عناوين الكتب والمؤلفات التي يستخدمها التنظيم، يمكن أن يشوّه فهم إيديولوجيته، لا توضيحها. من المهم بدلاً من ذلك، أن ندرس عن كثب كيف يختار التنظيم أفكاره ويفهمها ويعلّمها.
لاتؤدّي السلفية والإسلام السياسي وحدهما إلى إنتاج عضو في التنظيم، أو يحفّزان على التطرّف.10 بل على العكس، لدى السلفية والإسلام السياسي ضمانات قد تمنع نوع التطرّف الذي يعتمده تنظيم الدولة الإسلامية. وبالمثل، لايدفع الغضب السياسي أو الأخلاقي وحده الناس للانضمام إلى التنظيم. فقد ازدهرت الدولة الإسلامية المُعلَنة ذاتيّاً في سياق من القمع السياسي وإخفاقات الحوكمة والتصدّعات الطائفية، غير أن هذا السياق السياسي نفسه يمكن أن يدفع الأفراد، وكثيراً ما يفعل، للانضمام إلى مجموعات متمرّدة ذات آراء معتدلة.
تستطلع هذه الورقة إيديولوجيا تنظيم الدولة وطائفيته في هذا السياق، بالاعتماد على مصادر أساسية وشهادات مباشرة من رجال دين وأعضاء في تنظيم الدولة في سورية والعراق. كما تناقش موضوعات أوسع لها صلة بفكر التنظيم بهدف شرح أصول رؤيته العنيفة والإقصائية. وإلى أن يتم تبديد وهم أن فكر التنظيم يُعزى بصورة مباشرة إلى السلفية، لن يتمكن العالم من فهم سرّ جاذبيته، أو إلحاق الهزيمة به.
الجذور الوهابية للتنظيم
يقدّم تنظيم الدولة الإسلامية نفسه كممثل حقيقي للإسلام كما مارسته الأجيال الأولى من المسلمين، المعروفة باسم السلفية. وتصف العديد من الحركات الإسلامية من مرحلة مابعد الاستعمار ومرحلة الحداثة نفسها بأنها سلفية، بما فيها الطبعة الرسمية من الإسلام التي تتبنّاها المملكة العربية السعودية المعروفة باسم الوهابية، والتي سُمّيت تيمّناً بمؤسّسها محمد بن عبد الوهاب، وهو رجل دين عاش في القرن الثامن عشر وساعد في تأسيس الدولة السعودية الأولى التي أقامها محمد بن سعود.
الوهابية هي الإرث الفكري لِعالم الدين الإسلامي الذي عاش في القرن الثالث عشر تقي الدين بن تيمية والمذهب الحنبلي، كما فسّرها وطبقها ابن عبد الوهاب وخلفاؤه. ترفض الوهابية، التي تتميز بالتقليدية والحرفية الشديدة، المفاهيم الخاصة بعلم الكلام مثل المقاصد (روح الشريعة)، وهو المبدأ الذي تتمسّك به العديد من المذاهب الإسلامية الأخرى؛ والكلام (الفلسفة الإسلامية)؛ والصوفية (الروحانية الإسلامية)؛ والعلل (دراسة المقاصد الدينية في القرآن والحديث). والمجاز (الاستعارة)..[1]