#بير رستم#
إن خروج الإخوة الآشوريين في سيدني “ضد الاحتلال الكردي لأرض آشور” وتحت شعار؛ “يسقط الأحتلال الكردي” يخلق لدينا عدد من الأسئلة الإشكالية وكذلك في عقل المشاهد للموقف السياسي عموماً؛ منها البحث عن حقيقة القضية وذلك قبل إعتبارها آخر نهفات (الثورة السورية) والعقلية العروبية؛ كون هؤلاء الآشوريين باتوا عروبيين أكثر من العرب ومسلمين أكثر من الإسلام وذلك على خطى العفلقي سابقاً ومؤخراً الكيلوي _نسبةً لميشيل كيلو_ ولذلك فإننا لا نستغرب عدم سماع أصوات هؤلاء (الغيارة على أمجاد آشور) ضد الإحتلال العروبي بشقي البعث؛ السوري والعراقي ولا حتى ضد التمدد الإسلامي الداعشي والإخواني في الموصل والرقة ووصولاً للحسكة وهم يحطمون كنائسهم وأيقوناتهم الدينية.
لكن وعندما ذهبت القوات الكوردية _البيشمركة أو وحدات حماية الشعب_ لنجدتهم وإنقاذ ما تبقى من بعض الفيسيفساء الديني والإثني، إن كان شرق دجلة أو غربها، فكان لا بد أن يخرج هؤلاء (النشامى) للدفاع عن أمجاد إمبراطورية الآباء والأجداد.. وأين؛ في بلاد تبعد آلاف الأميال عن ما عرفت يوماً بأراضي آشور والتي باتت جزء من التاريخ، كما الكثير من الإمبراطوريات التي أندثرت؛ حيث الحثيين والميتانيين والكلدانيين وفراعنة مصر والهنود الحمر بأمريكا.. طبعاً هذه ليست تقليلاً من أمجاد تلك الإمبراطوريات، لكن الواقع يقول: بأن ذاك أصبح جزء من التاريخ البشري، حيث وكما لا يمكن جعل أمريكا اليوم أرضاً للهنود الحمر، كذلك لا يمكن إعادة إمبراطورية آشور أو غيرها من الإمبراطوريات التاريخية في المنطقة وذلك لسبب جد موضوعي، ألا وهو غياب العنصر البشري؛ كون لا الهنود الحمر المتبقين ولا الإخوة الآشوريين قادرين على تشكيل إمارة وليست إمبراطورية.
لكن ورغم تلك الحقيقة المرة في واقع الآشوريين والهنود الحمر، نود أن نقف على حقيقة الطرح وقضية “الإحتلال الكوردي لآشور”، فإن كانوا يقصدون بها “الإحتلال التاريخي” الميدي لآشور بتحالفهم مع البابليين، كما تخبرنا بطون التاريخ؛ بأن “تمكن الحلف البابلي- الميدي- السكيثي دخول حران واحتلالها سنة 609 ق.م” وبالتالي إنهيار آشور، فعليهم أن يدركوا بأن تأسيسها _أي تأسيس الإمبراطرية الآشورية_ كانت على حساب الميتانيين حيث تقول لنا تلك المصادر التاريخية نفسها، بأن “آشور أوباليط الأول الملك الآشوري.. كان قد أطاح بإمبراطورية ميتاني وهزم الإمبراطورية الحثية خلال الإمبراطورية الآشورية الوسطى (1365 – 1020 قبل الميلاد)”. وهكذا؛ فإننا نجد بأن ذاك التاريخ السحيق قد شهد الكثير من الأحداث والصراعات وتمدد الإمبراطوريات وذلك على حساب إندثار بعضها الآخر.
لكن إن كانوا يحسبون بأن الكورد هم أحفاد الميديين _وهم كذلك_ وإن الميديين قد تسببوا في إنهيار إمبراطوريتهم وبالتالي يكون الكورد قد أحتلوا أراضيهم، فكان عليهم أن يدركوا كذلك، بأن الميتانيين والحثيين هم أيضاً يعتبرون من أسلاف الكورد وإن إمبراطوريتهم الآشورية قد تمددت على حساب أراضي هؤلاء؛ أي الأراضي الكوردية _وفق منطقهم التاريخي_ وهنا يعتبر هم المحتلين.. وبالتالي نخرج من المعادلة بأن الكورد “الميديين” قد أعادوا أراضي أسلافهم الكورد “الميتانيين الحثيين” ولا تمدد ولا إحتلال لأراضي آشور، إلا في إطار النزاعات والخلافات على الحدود والتمدد بحسب قوة هذه الإمبراطورية أو تلك والتي باتت جزءً من التاريخ لا يمكن إعادتها للواقع كحقيقة على الأرض، لكي يرفعوا شعار “يسقط الأحتلال الكردي”.
أما إن كانوا يقولون بأن (الإحتلال الكوردي لآشور) تعود للمراحل التاريخية المتأخرة، فأعتقد بأنها كذبة سمجة لا يصدقها أي مجنون، ناهيكم عن أي عاقل يصدقها حيث أن الواقع الكوردي المأساوي والممتد لقرون طويلة نتيجة الإحتلال العربي الإسلامي، منذ أربعة عشر قرناً لكوردستان، والكورد يعانون من التمدد العربي الإسلامي على حساب إنحسارهم وتمزقهم وضعفهم، وبالتالي فلا تمدد و(إحتلال كوردي) لأراضي الآخرين، بل الآخرين تمددوا وأحتلوا الأراضي الكوردستانية _وما زالت_ وهنا يمكننا أن نسأل هؤلاء الإخوة الآشوريين وكذلك بعض إخوتهم من العرب الشوفيين وهم يقولون: ب”الإحتلال الكوردي لأراضيم التاريخية”، سؤالاً يحيرنا وربما يحير الكثيرين، ألا وهو؛ كيف يمكن لشعب واقع تحت التجزئة والإحتلال _الكورد_ قاموا ب(إحتلال أراضيكم) حتى تخرجوا مظاهرة تطالبون فيها بإنهاء “الإحتلال الكوردي”.
وهكذا فإن القضية؛ (قضية إحتلال الكورد للأراضي الآشورية) ليست أكثر من لعبة سياسية سخيفة لبعض الآشوريين العروبيين على شاكلة العفلقي والكيلوي ونأمل من الإخوة الآشوريين وعلى الأخص تلك الشرائح المجتمعية والتي ما زالت في الداخل _نعني الذين ما زالوا يسكنون بلاد ما بين النهرين وليس البحرين، لا بل والمحيطات؛ في سيدني بإستراليا_ بأن لا ينجروا مع هكذا شعارات تريد إشعال المزيد من الحرائق والنعرات والحروب الإثنية العرقية بين مكونات المنطقة مع حفظ وتأمين حقوق هؤلاء الإخوة وذلك في إطار حكومات إدارية فيدرالية مناطقية وذلك بحسب واقعهم المجتمعي.. وبالتالي التعاطي مع قضيتهم كقضية مكون أساسي من مكونات المنطقة وكوردستان.[1]