العقل الكردي -نقد العقل العملي-
نعمت شريف
الحوار المتمدن-العدد: 7736
المحور: القضية الكردية
مراجعة: نعمت شريف
المؤلف: صبري سليفانيي
الكتاب في: 496 صفحة
اللغة: الكردية الكرمانجية
الطبعة الاولى، دهوك، اقليم كردستان 2016
العقل الكردي كتاب مميز بحق ان لم يكن الاول من نوعه في المكتبة الكردية المعاصرة وخاصة باللهجة الكرمانجية الشمالية (البهدينانية-منطقة زاخو)، (وسيكون لنا قول في مكان آخر عن الكتابة باللهجات المحلية وتكريد الكلمات الاجنبية). ان ما يميز هذا الكتاب صفتان اولهما موضوعه (الفلسفة) حيث قلما يتطرق اليها الكتاب والقراء على حد سواء، ويكاد ينحصر في الاوساط الاكاديمية، وهذا بحد ذاته يحد من عدد القراء والمهتمين به، رغم انه موضوع حيوي يأتي في مقدمة المواضيع التي تدفع ليس الفكر فحسب وانما اللغة المعبرة عنه الى الامام. ولهذا يحتاج الفيلسوف الى لغة على قدر من التطور، يختلف عن لغة الادب القصصي والشعري، ليستطيع ايصال افكاره الى قرائه، وهذا ايضا ما يشير اليه المفكرالكردي الاخر محسن عثمان في مقدمته لهذا الكتاب القيم. وثانيهما التدرج من عموميات الفلسفة وجذورها الاوربية واستنباط ما يتلاءم مع الفكرالكردي ومقارنتهما بما يوضح موقف العقل الكردي واظهار مواقع الضعف واسبابه بالمقارنة والشرح الكافيين بسلاسة مشوقة للقارئ الاكاديمي وغير الاكاديمي. ولعل هذه المراجعة وغيرها تشوق الاخرين وخاصة من غير الاكاديميين للقراءة والتأمل في مفاهيمها العميقة، وما احوجنا لذلك اليوم في هذه الظروف التي تضعنا على عتبة تغيركبير اذا احسنّا استغلالها للحاق بركب الامم.
يقع الكتاب في 496 صفحة من القطع الكبيرومقسم الى 18 فصلا مع مقدمة قيمة، ولذلك لابد من القول ان مراجعة كهذه لا يمكن ان تلم بجميع ما ورد فيها وان ما نذكره هنا ليست سوى ملاحظات سريعة للاشارة الى بعض الافكار المهمة لا غير، ولا يسعنا هنا الّا ان نشجع القارئ الكريم للرجوع الى الكتاب باكمله للوقوف على ماورد فيه كعلامة مضيئة على طريق الفكر والثقافة الكردية في هذه المرحلة من تاريخ شعب طالما عانى الامرين على مدى عقود لا بل قرون من الاضطهاد والتشظي. نأسف ان نعلم قراءنا باللغة العربية اننا لم نعثر على ترجمة للكتاب بالعربية.
يتتبع الكاتب في الفصل الاول جذور الفلسفات الغربية ومدارسها الرئيسية وكأنه يكتب الفصل الاول لطلاب الفلسفة او ما يسمى في الغرب الفلسفة 101 وهذا يلائم ايضا القراء بشكل عام الذين لا خلفية لهم في الفلسفة. ثم ينتقل في الفصل الثاني الى الخلفية الفكرية للشرق الاوسط من خلال الثراث الديني والفلسفي ومنها يستنبط بعض المفاهيم المهمة التي يستخدمها الكاتب لتبيان طبيعة الانظمة الشرق اوسطية ومنها يتناول بعض ميزات حكومة الاقليم، ومنها مفهوم النقد وغيابه حيث يقول في الصفحة 87 ان غياب النقد لا يخلق الحواروالمناقشة، وغياب الحوار يدفع الى ظهوربعض الوسائل العنيفة والتالي ظهور العنف. ان ظهور شخصية يرى لونين فقط، اسود وابيض، ومن الناس يرى فقط نفسه ومن يعارضه، ولا يرى صديقا، وهذا يمثل روح الهوية الشرق اوسطية التي تصبح سجينة لمعتقدات جامدة تحت تأثير وضغط الدين والثقافة، وهذا بدوره يشكل ارضية لخلق شخصية اصولية ومتطرفة. ومنها يعرج على مفهوم العقد النفسية حيث يعرفها بانها حالة نفسية لا يعرف مصدرها، ولكنها مبنية على على الافكار والمواقف والاحداث السابقة، وجميعها تشكل قوة دافعة للمرء ليتخذ بعض المواقف الغريبة او المتعارضة. ومن ميزاتها انها لا تعتمد على الحقائق ولكن تعتمد على الاسماء والاشخاص وايمانها بهم اكثر من ايمانهم بالمبادئ، كالايمان برئيس حزب اكثر من الايمان بمبادئه، وتقوم بنقل مشاكلها الى الخارج باسقاطها على الاخرين. ويعتقد الكاتب بانه يمكن لعلماء النفس معالجتها، ولكنه يغفل ان الذين في مواقع السلطة لا يخضعون للعلاج النفسي ولا يتقبلونها البتة لانها تعتبر جزءا من مركب النقص الذي يشعر به الشرقيون تجاه الصحة والعلاج النفسيين بخلاف اهتمامهم الكبير بالصحة البدنية حيث يعتبره الشرقيون نقيصة من نقائص الشخصية. ثم ينتقل في الصفحة 93 ليطبق هاتين الفكرتين على المجتمع الكردي فيقول النقد كمفهوم فلسفي، وكلغة واداء يستطيع ان يخدم المجتمع، ولكن المجتمع الكردي باخلاقه وتربيته يستطيع ادارة هذه المفاهيم، وليس غريبا ان نقول انه لم يبق مفهوم او مكون الا ان وقع تحت هيمنة السلطة. وهنا يبدو وكأن الكاتب يستثني المجتمع الكردي من القاعدة التي وضعها لنفسه (النقد ووظيفته في المجتمع) ربما تفاديا لاشكالات اخرى. وياتي دورالاغترابية (نتيجة العقدة النفسية) ويعزو ذلك الى ان التجربة الشخصية الخاطئة مع الحقيقة وجوهرها تدفعه للاغتراب عن الواقع، وهكذا يبدأ الخطأ بالقراءة الخاطئة للاحداث وادارتها. وكلازمة لهذه، وفي غياب العلماء والمثقفين في المجتمع الكردي (ربما يقصد المجتمع الكردي الاكبر وليس في العراق فقط) لذلك يتجه الكرد الى رجال الدين بشكل عام، ولذلك نرى الشائع هو قال الامام او اسأل الشيخ او الملا. ويقارن بلا شك وضع المجتمع الكردي الراهن بفترة ما قبل النهضة في اوروبا والصراع بين الدين والعقل (او العلم).
وفي الصفحة (108) ينتهي الى القول ان السلوك والاحداث تقود الدين الى مفهوم تاريخي ومادي وعندئذ تصبح وظيفة الدين محل شك. لقد اصبح التحليل الخطأ للنص الديني وسيلة للجهلة للاعتقاد بان دينا افضل من دين، وهذا تقييم خطأ وخطرعلى التسامح.....ربما ان المشكلة ليست في الدين، ولكن لا يستطيع بعض رجال الدين اكتشاف المعاني ووجهات النظر في النص الديني، للوصول في النهاية الى الهدف الرئيسي من النص. ان تخفيف نبرة معالجة التصادم مع الدين، ربما تفاديا للتكفيروالتصادم ليس مع رجال الدين فحسب بل مع المجتمع الذي لا يزال يتمسك بتلابيب الدين. وهذه المساومة ليست تفاديا للتصادم فحسب بل انها من طبع الاصلاحيين ورغم انه على خلاف مع الكثيرين من الفلاسفة الغربيين الذين اعلنوا انحيازهم التام للعقل والعلم امام الدين وغيبياته، حتى ان بعضهم ضحوا بحيواتهم من اجل التغيير. هذا ليس دعوة لذلك السلوك الصارم، ولكن لتبيان الفروق لاغير فلكل مجتمع وزمان وداعية ظروفه ومتطلباته. ويصل في تحليله الى ان ربط مشاكل السلطة بالسماء ليس في صالح الشعب، ولكن في صالح السلطة نفسها. الحق والحساب في الدنيا غير ذلك في الاخرة. هكذا يشير العقل بالاخرة للسلطة، فيقول ، لماذا لا يقول ..... وانا أسأل: ايهما في صالح الشعب، ان تذهب السلطة الى جهنم او الى المحكمة؟ ( صفحة 115).
وفي باب العقل والهوية يتتبع الكاتب هوية الكورد منذ زمن السومريين وانتشار الكورد من جبال زاكروس والى عصرنا الحاضر وما تعرض له من محاولات الابادة حتى ينتهي الى القول بالرغم من استخدام الدول جميع الوسائل والطرق من سياسية وعسكرية ضد الكورد الى حد الانفال والابادة الجماعية، والان لم يبق امامهم سوى السياسة والتدخلات، ولهذا من المنطقي ان لا يستبعد في اي وقت ان يطلبوا التفاوض مع الكورد والافضل ان يستعد الكورد لذلك. (ص 150-160) وفي الصفحة 181 يقول طالما لم نستطع تحرير انفسنا على مر السنين، فلا بد ان يكون لنا قراءة جدية لنضالنا ووسائلنا وطرقنا والا سنبقى متأخرين الى الابد. ويوضح ان الدولة لنا عملية تاريخية، وانها حق والحق يحتاج الى صاحب بنفس القدر الذي يحتاج صاحب الحق الى حقه. ان الدولة المبنية على قانون العقل هي الافضل ولكن القانون العقلي ايضا تدار فقط من قبل الفلاسفة والعلماء، كما يقول افلاطون وسقراط. (ص 226) ويفهم من هذا ان الدولة لا بد ان تكون مبينة على اساس القانون الذي يضعه العلماء والمفكرون، ولابد للحكومة ان تحكم بموجبها. ومرة اخرى يقف الكاتب قبل الوصول الى اصدار الحكم على حكومة الاقليم. ولكن نستشف رأيه الى حد ما عندما يتكلم عن اعتماد القاضي محمد على رؤساء العشائر ورجال الدين وعدم سن القوانين الضرورية. فهل هذا ينطبق على الوضع الحالي بالاضافة الى الفساد والاعتماد على رؤساء العشائر وبعضهم من الذين تعاونوا مع النظام البائد.
ومن آثار الاحتلال يشيرالكاتب الى الاثار الثقافية والفكرية واللغوية التي تركت بصمتها على الشخصية الكردية كما حدث مع الشعب الجزائري في ظل الاحتلال الفرنسي رغم محدوديته بالمقارنة مع احتلال كردستان وخاصة في شمال كردستان، فيقول: بلغ تأثير محتلي كردستان علينا مبلغا الى درجة اننا لا نستطيع حتى اذا تحررنا منهم واسسنا دولتنا ان نفترق عنهم لوجودهم فينا بلغتهم وفكرهم. ان فكرهم ولغتهم يمثلان ركنين في بناء الشخصية الكردية، واذا لم يكن هناك ستراتيجية قومية فلا يستبعد ان يبقوا زمنا طويلا. (ص239) ومن هذا المنطلق ربما لا يشعر الانسان الكردي بتمام الحرية كغيره من شعوب العالم لاسباب تتحكم في ذاته وعقله الباطني، ومن هذه الاسباب: تقيسم كردستان وطول فترة الاحتلال حتى توطدت فينا صفة الاستسلام او ما يسمى بالعجز المكتسب(1) (اي اختلال في الكفاءة الذاتية) في علم النفس السريري. والنظام الاجتماعي القبلي، حيث كان يفرض طاعة رئس القبيلة، وكذلك الفكر الديني الذي يستخدمه رجال الدين في فرض طاعتهم بربطها بالسماء(2). ومن المظاهر المرتبطة بالعجز المكتسب المظاهرالمرضية كالكآبة والعنف العائلي. ورغم ما عرف به الشعب الكردي بطبيعتهم الجبلية القاسية بحبهم للحرية والانطلاق رغم ما تكبلهم من قيود اجتماعية وسياسية، يقول بعضهم عن بعض ان الكردي يصارع القريب ويتجاوب مع الغريب كناية عن الصراعات العشائرية وفي العصر الحاضرعن صراعات الاحزاب.
خصص الكاتب فصلين للعقل والدين ويتطرق باسهاب الى فكرتي التجديد والاصلاح في الشرق الاوسط وتأثير اوروبا على المجتمعات الشرق اوسطية ويضمنها المؤسسات الدينية كالازهر ومن ثم يتوصل الى انه لايستطيع جزء من المجتمع الكردستاني ان يصبح ذو عقل وفلسفة خاصة ومستقلة لانه يترك مصيره للعقل النقلي (ص 308). ويواصل بحثه بالقول التعامل مع الديالكتيك كفيل لان يأخذ كل ذي حق حقه، ولكن بالمقابل لا يصل الفرد الى قناعة كاملة....وقبل النهضة في اوروبا كان للدين علاقة بالسياسة، وكانت الكنيسة قد اصبحت مصدرا للارادة السياسية، ولكن الان في الشرق الاوسط ليس للدين علاقة بالسياسة فحسب بل اصبح الدين هو السياسة(ص 310).نستشف من هذا ان الكاتب رغم ميله للفلسفات المادية غير مقتنع بها تماما كما هو الحال في عدم ايمانه بالتغييرالجذري بل يسلك طريق الاصلاح للوصول الى مبتغاه في احداث التغييرات الاجتماعية. وهذا ربما يفسر قوله في الصفحة 333 لا يسمح المجتمع للفرد استعمال عقله الفردي، ولكنه يملي عليه استعمال العقل النقلي، لذلك يحاول الفرد ان ينسجم معه لانه يفكر ان الانسجام افضل من الاغترابية وخاصة الاغترابية الفكرية وهذا بحد ذاته مرض يئن منه جزء كبير من المجتمع الكردي.
وفي الفصلين التاليين يتعرض الكاتب بشئ من التفصيل الى مفهومي الطبيعة والمادة وتحفيز العقل لفهمهما حيث يقول على سبيل المثال: بعد انتهاء صلاة الجماعة فقط في ذلك الوقت، وكل مصل يذهب الى سبيله وهذا طبيعي، ولكن من غير الطبيعي ان يتفرق كل عنصر(الروح، العقل، الفكر، النفس) في سبيله وكل مصل يذهب الى سبيله (انقطاع الذوات=انقطاع العناصر). ان الوحدة الداخلية للفرد الكردي لم يتحقق بعد ليستطيع ان يؤمن بها موضوعيا. الحضور اوعدم الحضورفي زمان ومكان ومناسبة (صلاة، اجتماع، او موعد...الخ) هو لقاء الجسد (المادة) فقط. عندما يلتقي اثنان، فهما قريبان جسدا، ولكن فكرا فكل واحد في مكان اخر. (ص346) وفي الصفحة 357 يناقش الكاتب مفهومي الامر الالهي والارادة الالهية ويربطهما على غرارما فعل الدكتور صادق جلال العظم في كتابه نقد الفكر الديني(3) في باب مأساة ابليس ويوسع مفهوم ابليس ليشمل مثلا الدكتاتور او من يشبهه في السلوك اللانساني. فعلى سبيل المثال: يستخدم الدكتاتورالدين كذريعة للتسلط او كما فعل داعش، ويستخدم في ذلك رجال الدين كما كان ذلك في اوروبا قبل عصر النهضة، ولا يزال سائدا في الشرق الاوسط. فأذ قلنا انها مشيئة الله، فهذا يبرئ الدكتاتور من جرائمه يوم الحساب، ودفاعه انه كان يقوم بمهمة الهية وفي هذا حاله حال الشيطان عند الدكتور صادق العظم الذي يشير ان جميع آيات القران التي يرد فيها لعن الشيطان محدودة مثلا ب الى يوم الدين، او حتى يوم الدين ...الخ اي تنتهي مهمته الالهية بقدوم يوم الحساب ويعود الى رحمة الله بريئا لانه كان يعمل ضمن مشيئته وارادته، وما كان عدم سجوده لادم الا عصيانا لامر الهي وليس خروجا على ارادة الله لان هذا غير ممكن لانه يأتي على الضد من صفات الله الحسنى، ومنها صفات العادل، والجبروت (بمعنى القوة والهيمنة) على الكون. فالله سبحانه وتعالي لايمكن ان يكون غير عادل، ولا حدود لقوته وجبروته. ولكن اذا لم يكن الشيطان او الدكتاتور يقوم بمهمة الهية فتسقط الذريعة باكملها.
اعتقد ان الفصلين الاخيرين عن الثقافة والكتابة والعقل والسياسة اهم فصلين في الكتاب على الاطلاق ولا بد لكل مهتم بالثقافة والسياسة ودورهما في المجتمع الكردي ان يقرأهما بامعان، ولو انني انصح بقراءة الكتاب باكمله. يقول الكاتب في الصفحة 371 فقدان الخصوصية وانعدام الهوية سبب رئيسي لان لا يستطيع الكاتب الكردي لحد الان ابراز وجوده في الهيكليات المؤسساتية بشكل صحي (ربما يقصد المنظمات المهنية اوالمحافل الحكومية) حيث ان للكتابة علاقة حيوية ومباشرة بالمجتمع. ويستمر في الصفحة 373 بالقول نحن بحاجة الى القراء لاننا نرى انفسنا فيهم ولكن اذا كان هو ايضا بحاجة الينا والي كتاباتنا، ورأى نفسه فيها، لم يكن لينسحب بكل سهولة من عالم القراءة كرد فعل ودفاع عن نفسه، ولم يكن لينهزم امام الكتابة. وهنا لا يسعنا الا ان نتفق مع الكاتب عن دور المثقفين والكتّاب الكرد بعد انتفاضة 1991، وبعد مرور اكثر من ثلاثين عاما لم يستطع المثقف والكاتب الكردي ان يتولى دورا قياديا في توعية الجماهيروتحشيدهم لمتطلبات المرحلة فحسب بل تراجع دوره بشكل ملحوظ من حيث التفاعل مع المجتمع وتوعيته وتعبئته للمرحلة القادمة. ولا حاجة لذكر الاسماء، ولكن ليعلم الذين يصهلون بقصائدهم ويحرثون منافعهم بكتاباتهم دون الالتفات الى معاناة الشعب فهم بحق كما يقول المثل الشعبي العربي كالاطرش بالزفة، ينأؤون بانفسهم عن معترك الحياة، ويحكمون على انفسهم بالموت وهم احياء. ...النخبة المسؤولة، صاحبة المبدأ والاخلاق، تستطيع بقوتها (العلم والمعرفة) ان تحدد بعض التوجهات لشعبها وترسم لهم خارطة طريق. (ص 390). وفي الصفحات 407 و410 يقول الفرد ليس حرا ليلجأ الى قوى الغيب اوالثقافة. وفي اغلب الاحيان يلجأ الى القوى الفاعلة، ولحد الان القوى الغيبية هي الفاعلة في الشرق، ولذلك فأن الثقافة لم تصبح قوة مستقلة ولعلها في بداية طور التكوين.....في السنوات الخمس والعشرين الماضية، في رأيي، كانت الثقافة نائمة في اذن الفيل ، لم تكن تعلم بما تأتي بها رياح الزمن، وبالتزامن مع التغيرات السياسية والاجتماعية التي حدثت في الشرق الاوسط لم نسمع صوت ثقافتنا حتى نعرف انه مستعد.
يستهل الكاتب باب العقل والسياسة بصراحة لم نعهده في الفصول الاخرى ويصرح لنا كشعب نحن لم نقرأ تاريخنا الكفاية لان اي شعب يفهم تاريخه لا بد ان يستفيد من اخطائه، او على الاقل لا يعيد اخطاءه، ويستمربالقول ...ومما يؤسف له ان سياسيينا لم يستطيعوا مواكبة سياسة المجتمع الدولي المعاصر، ولكنهم يمارسون السياسة بعقلية القوة وليس بقوة العقل، والتي لا علاقة لها بالفكروالفلسفة والعلم...لو كان لنا فكر سياسي صحيح لاستطعنا فهم السياسة بشكل صحيح. السياسة كفكروفلسفة وعلم لم يتوطد بعد. وهذا لا يقلل من قيمتنا كانسان، ولكن يوثرعلى علاقاتنا كاقليم وشعب مع السياسة واللاعبين السياسيين. يثبت التاريخ على اننا لم نصبح لاعبا سياسيا، ولكن على المستوى السياسي نحن لا زلنا ورقة سياسة. (الصفحة 416) ويستمرالكاتب في سرد المدارس الفكرية وبضمنها الاسلامية في ادارة دفة الحكم واهدافها، ومن ثم يقارنها بممارسات الساسة الكرد سواءا في الاقليم او خارجه. وخير ما نختتم به هذه المراجعة السريعة هو قول الكاتب نفسه ...الغاية من السياسة هي الاستقرار، النمو والتطور، وخدمة الشعب. ولكن في عالمنا، الشعب دائما في حذروخوف من ان يأتي سياسي ويسبب لهم المشاكل لان الغاية مختلفة.....تختلف السياسة عن الانتماء الحزبي، يمكن للشخص ان ينتمي لحزب ما ولكن ذلك لا يعني انه سياسي، وهذا قد اختلط على العقل الكردي العملي. كما هو الحال في مسألة الثقافة، كأن يكون كل مثقف كاتبا اواعلاميا! واضح ان المعرفة شئ والتظاهر بها شئ آخر. لقد حان الوقت ان نبتعد عن التظاهر بالمعرفة بجميع حقولها وخاصة السياسة، ونتعلم بجد كي لا نتأخرعن الركب لاننا قد تأخرنا الكفاية.
وقبل ان اختتم هذه المراجعة، لا بد ان نذكرملاحظات سريعة عن هذا الكتاب من الناحية التقنية: قام الكاتب بمهارة بتنظيم افكاره الرئيسية بترقيم الفقرات الرئيسية لكل فكرة، ومن ثم استخدم الحواشي للتعريف بالفلاسفة والمفكرين الذين استفاد من افكارهم في بحثه القيم. وهذا يصب في ترتيب المحتوى ليسهل قراءته. واما ما تبقى فعلى دار النشر على ما اظن من محررين وتقنيين وفنانين وغيرهم. ان ما لفت انتباهي بشكل خاص هو خلو الكتاب من الفهارس لانها مهمة وبشكل خاص للقراء والباحثين وغيرهم لمساعدتهم للرجوع الى الافكار التي يرغبون في مراجعتها دون عناء وخاصة في كتاب بهذا الحجم. ومنها فهارس المحتويات، والاعلام، وغيرها.
نأمل ان نكون قد وفقنا في القاء قليل من الضوء على هذا الجهد القيم في خدمة المكتبة الكردية والشعب الكردي، وفي تشجيع المزيد من الشباب الواعي لقراءة هذا الكتاب القيم.
الملاحظات:
(1) يرتبط العجز المكتسب بمفهوم الكفاءة الذاتية. إيمان الفرد بقدرته الفطرية على تحقيق الأهداف. نظرية العجز المكتسب هي الرأي القائل بأن الاكتئاب السريري والأمراض العقلية ذات الصلة قد تنجم عن غياب حقيقي أو متصور للسيطرة على نتيجة الموقف
(2) في علم التحليل النفسي (الفرويدية) يتم تدجين تدفقات الطاقة الذاتية الدافعة باتجاة التحرر وربما الفوضوية بما يتطلب المجتمع مكون يسمى الانا وفي المصطلحات الاسلامية هذا يقابل الروح الذي يحدد ما يراه النفس البشرية الامارة بالسوء.
(3) الدكتور صادق جلال العظم، نقد الفكر الديني، الطبعة الثانية 1970، دار الطليعة، بيروت، لبنان.[1]