الكرد و مباد.ئ ويلسون.
عبدو سيدي
في 08-01- 1918 القى الرئيس الأمريكي آنذاك توماس وودرو ويلسون خطاباً أمام الكونغرس عرف لاحقاً بمبادئ ويلسون الأربعة عشر، والتي كان من المقرر الالتزام بها في مفاوضات السلام الدولية من أجل إنهاء الحرب العالمية ، وتشير التقارير أن هذا الخطاب كان بذرة لولادة (عصبة الأمم) والتي اصبحت ( الأمم المتحدة فيما بعد)، إلا أن ما شدني في ذاك الخطاب هو ما جاء في البند الثاني عشر الذي ينص على:
ضمان سيادة الأجزاء التركية من الدولة العثمانية، وإعطاء القوميات الأخرى غير التركية والخاضعة للدولة العثمانية حق تقرير المصير !.
لا اعلم تحديداً أهمية دور الكرد في هذا الحدث الضخم والمرعب (الحرب العالمية الأولى) ولماذا تم ذكرهم في هذا البند أمام العالم وتخصيص بند كامل من هكذا مشروع عالمي لأجل حرية الشعوب الواقعة ضمن تركيا والاهتمام الأمريكي بتقرير مصيرهم، بيد أنني ومن خلال البحث لم أجد أية خطوات ترحب بهكذا موضوع إلا أنّ أغلب التقارير والمواقف التي ظهرت بعد الخطاب، تؤكد تهميش القوى الكبرى لذاك الخطاب بما فيها البند (العجيب) وكان للفرنسيين والبريطانيين شكوك حول نجاح خطة الرئيس الامريكي (هذا ما ذكرته المصادر الأمريكية).
بعد خطاب ويلسون بأيام وفي جزئية هامة من نفس الموضوع القى رئيس وزراء بريطانيا آنذاك لويد جورج خطابًا يوضح أهداف بلاده من الحرب العالمية وكان مشابهًا إلى حد ما لخطاب ويلسون بما يخص السلام والأمن العالمي، وحول مسألة تركيا والشعوب القاطنة تحت سلطتها، تفادى جورج لويد مسألة حق تقرير المصير واكتفى بتقديم اقتراح تدفع أنقرة بعض التعويضات للمواطنين غير الأتراك في الدولة العثمانية. وبقي الموقف البريطاني غامضاً حول أسباب تلك التعويضات أو تسمية الشعوب المستحقة لتلك التعويضات.
بالعودة إلى النقطة الأساسية لم يحدد الرئيس ويلسون في خطابه الشعوب التي، المستحقة حق تقرير المصير، وأيضاً لم يضع أي خطة حول كيفية تحقيق ذلك البند (المفاجئ)، خاصة أن التواصل الأمريكي مع شعوب المنطقة وقتها لم يرتق بعد لمستوى الدفاع عنها ودعوة حق تقرير مصيرها، ذاك الحق الذي من شأنه تحريرالشعوب كافة التي لاقت أشد المظالم من تركيا العثمانية على مدار سنوات طويلة.
إن كل ما أمكنني من الحصول عليه أمام هذه الأفكار والأسئلة هو أنه من أجل وضع خريطة لمبادئ ويلسون، تشكلت لجنة سرية أميركية أكاديمية باسم (لجنة التحقيق) ومقرها الرئيسي في نيويورك. وتم إدراج اسم أكثر من 150 عالم في مجالات متنوعة، إلا أن أغلبهم لم يكن متخصصاً بشوؤن الشرق الأوسط بشكل كافٍ، كما لم يكن هناك وجود يذكر لكردستان والشعب الكردي في نقاشات تلك اللجنة حسب نتاج دراساتهم، يبدو أنهم كانوا بعيدين عن الكرد ثقافياً وجغرافياً وسياسياً.
من المعلوم أن تركيا العثمانية كانت تسيطر على ثلاث أجزاء من أراضي كردستان ( شمال العراق، شمال سوريا، جنوب تركيا) وفكرة التبني الأمريكي لمسألة حق تقرير المصير لشعوب المنطقة وفرضها على تركيا يشكل فرصة لتوحيد هذه الاقسام التي تجزأت في العصر الحديث على يد حلفاء ويلسون .
لا أريد أن أسمي البند الثاني عشر (ببند الفتنة) بين الشعوب رغم صدقية التسمية إلى حد كبير ، لكن يشير الوجه الحقيقي في ذاك البند أنه لم يتم تنفيذ أية خطوات بالمطلق بل تم تهميشها سواء من الجانب الغربي الاستعماري او الدولة التركية (الوليدة ) او حتى من الجانب الكردي الذي لم يكلف نفسه عناء الاستفسار والمتابعة لهذه النقطة التي جاءت كفرصة من الرئيس الأمريكي وبدعم الكونغرس.
من المعروف أن الغرب لا يبني سياسته على أساس العواطف، لكن من المحزن أنه وبعد مرور 106 عاماً على خطاب ويلسون وربما قبله، كان هناك إدراك غربي تام حول اضطهاد تركيا لشعوب المنطقة وحقوق تلك الشعوب، ورغم كل المظالم لم تتجرأ أميركا وبريطانيا يوماً التخلي عن تركيا لأي سبب ، ولم تبادر الدولتان باتخاذ خطوات عن حق تقرير المصير المزعوم، بيد أنهما أعادا الحديث عنه في ميثاق حلف شمال الاطلسي (ناتو) والذي اعدته أمريكا وبريطانيا عام 1941 واتفق الطرفان في ذاك الميثاق على عدم إحداث تغيرات اقليمية ضد رغبات الشعوب، وبقي ذلك الميثاق منسياً خاصة بعد انضمام تركيا لذاك الحلف عام 1952 .
يطرح الغرب مراراً فكرة تقرير المصير على أنه حق، وعلى العكس من ذلك يتم تهميش أو إعاقة ذاك الحق، كما حصل أيام الاستفتاء الذي أقيم في كردستان العراق في أيلول 2017، ورغم التغييرات القائمة في الشرق الأوسط والاهتمام الذي تتلقاها القوى الكردية سياسياً وعسكرياً منذ خطاب ويلسون وحتى الوقت الحالي فإن الميول الغربية تدور دون تحقيق ذاك الحق. و إن لم يتخل الكرد عن حق تقرير المصير، إلا أنّ مشاركة الكرد خريطة أربع دول ليست على وفاق مع القوى الغربية من شأنه إجهاض أي فكرة تمهد لحق تقرير المصير بدون غطاء وخطوات غربية جدية، عدا ذلك لا يرتجى من الواقع شيئاً حتى لو عاد ويلسون من قبره.
[1]