عنوان الكتاب: المشاريع العمليه لبناء الإدارة الذاتية
اسم الكاتب: 1. مظلوم عبدي، 2. #بولات جان#
مكان الأصدار: #ٲلسلیمانیە#
المطبعة: سلێمانی
مؤسسة النشر: #غەزەلنووس#
تأريخ الأصدار: 2020
كل الحقائق التاريخية والوقائع التي نعيشها في يومنا الراهن تشير بشكل جلي على أن مشروع الدولة القوموية المركزية القائمة على اللغة الواحدة والثقافة الواحدة واللون الواحد والذي ينكر ويحاول إبادة كل الألوان والأطياف الأخرى لا يمكنها أن تحل قضايا شعوب المنطقة، بل على العكس من ذلك فهي تزيدها تعقيداً وتؤدي إلى ظهور أزمات جديدة. من هذا المنطلق إذا تناولنا تاريخ سوريا:
تم رسم خريطة سوريا الحالية بموجب الاتفاقيات الدولية بين القوى الاستعمارية ( انكلترا – فرنسا ) كاتفاقية سايكس – بيكو 1916 وكونفرانس القاهرة في 1920 ولوزان في 1924 … الخ من المعاهدات والاتفاقيات المجحفة بحق الشعوب وفق المصالح الأنانية للدول الاستعمارية المهيمنة في الشرق الأوسط خلال تلك المرحلة، وقد تم تقسيم الأراضي الواقعة تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية إلى مناطق للنفوذ الاستعماري، ووفقاً لهذا التقسيم الاستعماري قسموا كردستان إلى أربعة أجزاء، كما قسموا البلاد العربية إلى دول قومية تابعة لحكومات الانتداب. بموجب ذلك وقعت سوريا ولبنان والقسم الغربي من كردستان تحت سيطرة الاستعمار ( الانتداب الفرنسي ) بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، حيث أرادت فرنسا أن تؤسس دولة قوموية عربية تابعة لها في سوريا، لأن ذهنية الاستعمار الغربي تستند إلى مشروع الدولة القومية الواحدة والمهيمنة حسب مصالح القوى والطبقات والقوميات والثقافات الحاكمة التي لا تقبل الثقافات واللغات والمجموعات الاجتماعية الأخرى ولا تعترف بها، ومن إحدى ضرورات هذا المشروع القائم على الإنكار والإبادة والمذابح الدموية هو مناهضة الديمقراطية ومحاولة صهر كل الثقافات واللغات والألوان والقوميات والمذاهب في بوتقة ثقافة واحدة شوفينية ودوغمائية وفاشية الطابع.
إن مشروع الدولة القومية ظهر لأول مرة في أوروبا على قاعدة إجهاض الثورات الشعبية الديمقراطية وسيطرة البرجوازية ( لص البيت والسماسرة والتجار الأغنياء ) على مكتسبات هذه الثورات الشعبية في هولندا أولاً، وبعد ذلك في انكلترا وفرنسا. هذا المشروع كان مشروعاً للثورة المضادة ولإفراغ الشحنة الثورية من محتواها في القارة الأوروبية، ولم تكن مشروعاً ” تقدمياً ” أو ” شعبياً ” في يوم من الأيام كما كان يُعتقد. وقد تسبب هذا المشروع في اندلاع حروب دموية اقليمية فيما بين الدول الأوروبية (الحربين العالميتين الأولى والثانية) التي أسفرت عن مقتل الملايين من الأبرياء وأسفرت عن خرابٍ ودمارٍ كبيرين في تاريخ البشرية شبيهة بمجازر هيروشيما و ناغازاكي و حلبجة. أما بالنسبة إلى الشرق الأوسط فإن هذا المشروع المستند إلى الدولة القوموية وذهنية الاستبداد والهيمنة لم تنسجم مع طبيعة المنطقة وتاريخها وميراثها وثقافتها وتنوعها وانسجامها التاريخي، بحيث خلقت هذه الذهنية المعادية لمصالح الشعوب وأخوتها التاريخية العداوة بين ثقافات المنطقة وشعوبها ومعتقداتها حسب مقتضيات سياسة ” فرق تسد ” الاستعمارية، كما أنتجت مؤسسات قوموية عنصرية غريبة ومعادية لثقافة التعايش السلمي بين المكونات المتعددة وثقافة الديمقراطية الاجتماعية التي تطورت في المنطقة منذ ما قبل أثنا عشرة ألف سنة في بداية الثورة الزراعية القروية (قبل ظهور الدولة )، وباختصار برهن التاريخ عبر الأيام بأن ذهنية الاتحاد والترقي الحاكم في تركيا وذهنية البعث والناصرية المهيمنة في الوطن العربي والصهيونية في إسرائيل والإسلامية الإيرانية في إيران، لم تنسجم مع حقيقة وطبيعة المنطقة وتاريخ شعوبها؛ لأنها تمثل المشروع الاستعماري القائم على الدولة القوموية الشوفينية والدموية، وها نحن نرى في يومنا الراهن كيف أفلس هذا المشروع في مثال العراق وما يجري الآن في كل أنحاء الشرق الأوسط وهذا دليل قاطع على إفلاس مشروع الدولة القوموية المستندة إلى الثقافة واللغة الواحدة والقومية الواحدة، لأن الشرق الأوسط ذو طابع متنوع لا يقبل الأحادية القوموية والاتحاد القسري، طبيعة المنطقة قابلة للوحدة والإتحاد بشكل طبيعي على قاعدة التنوع والتعدد والديمقراطية وليس العكس.[1]