اعداد : الدكتور #محمد علي الصويركي# - كاتب ومؤرخ كردي من الأردن
آل جنبلاط.
يعد آل جنبلاط من العائلات المشهورة التي استقرت في جبل لبنان، وهم أكراد الأصل، يسكنون اليوم في قضاء الشوف بجبل لبنان، وتعد بلدة (المختارة) قاعدتهم، وقد لعبوا دوراً سياسياً حافلا في شمالي الشام وجبل لبنان أيام الدولة العثمانية، ودوراً مماثلاً في تاريخ لبنان الحديث، وعرفوا بحسن السياسة، والكرم والجود، والاهتمام بالعمران، والعدل والعلم، واحترامهم لمختلف الطوائف، وسمحوا للمسيحيين بإقامة الكنائس في منطقتهم.
أما كلمة (جانبلاط) فهي كلمة كردية محرفة من كلمة (جان بولارد) وتعني (الروح الفولاذية) لقبوا بها لشدة بأسهم، وفرط شجاعتهم، وحسن سياستهم، وقد حرفت مع الاستعمال إلى كلمة (جنبلاط) الحالية.
تنتسب هذه الأسرة إلى الأمير (جان بولارد) بن قاسم بك بن أحمد بك بن جمال بك بن عرب بك بن مندك الأيوبي الكردي، المنحدر من عشائر الأيوبيين الأكراد، وكان يعرف (بابن عربي)، وتولى إمارة (معرة النعمان وحلب وكلس) في شمالي الشام أيام الدولة العثمانية، وفي طفولته ذهب مع والده إلى استانبول، وهناك دخل مدرسة السراي السلطاني (اندرون همايون)، والتحق بعدها بالسلك العسكري في زمن السلطان سليمان القانوني، واشترك معه في حملته على بلغراد ومولدادا وجزيرة رودس، فاشتهر بشجاعته وجسارته، مما حببه إلى السلطان سليمان القانوني، فطلب (جان بولارد) منه إعادة ملك أبيه له، فلبى طلبه، وأعادت الدولة العثمانية ملكه بفرمان سلطاني، ساس مقاطعته (حلب وكلس) بكل جَدٍ وثبات، حتى غدى (أمير الأمراء)، وعاش قرابة التسعين عاماً، توفى سنة 980ﮪ/1572م، وهو يعتبر الجد الأكبر والمؤسس لأسرة جان بولارد (جنبلاط) النبيلة في شمالي الشام وجبل لبنان، ويذكر الأمير البدليسي في كتابه (الشرفنامة) أنه ترك نحو سبعين ولداً .
حاول أمراْ آل جنبلاط في مطلع القرن السابع عشر الميلادي الاستقلال بإمارتهم في حلب وكلس شمالي الشام عن الدولة العثمانية، فقاموا بثورات متتالية ضد السلطنة، كان من أبرزها ثورة الأمير (حسين باشا جانبولارد) والي حلب، الذي قتله الصدر الأعظم العثماني حين عودته من محاربة الصفويين؛ لأنه تباطأ في نصرته، وعندما علم الأمير علي جانبولارد بمقتله ثأر ضد الدولة العثمانية، وسار إلى طرابلس الشام واستولى عليها، وأخذت تلك البلاد حكماً مستقلاً، لكن الدولة العثمانية لم تتركه، فسيرت إليه جيشاً جراراً؛ لكنه استطاع الوقوف ضده، وكسر شوكته عام 1607م، ولم يجد هذا الأمير إلا أن يسلم نفسه للسلطان الذي عفا عنه، وعينه والياً على (طمشوار) بالنمسا، وفي نهاية الأمر دبر السلطان العثماني أمر مقتله.
استمر أمراء آل جنبلاط بالثورة ضد الدولة العثمانية، فقام ابن أخيه علي باشا بالثورة، لكن ثورات آل جنبلاط انتهت بالفشل.
بدأت أول سلالتهم في جبل لبنان عام 1630م، عندما نزلها جانبولاد بن سعيد وابنه رباح بدعوة من الأمير فخر الدين المعني الثاني لما كان بينهما من ود وصداقة، وقد رحب به أكابر جبل لبنان، ودعوه إلى الإقامة في بلادهم، فأقام في مزرعة الشوف، واعتمد عليه الأمير فخر الدين الثاني في مهمات أموره.
بعد ذلك تزوج المدعو علي بن رباح جانبولاط ابنة الشيخ قبلان القاضي التنوخي كبير مشايخ الشوف وذلك لارتفاع نسبه، وعلو مقامه، ولما توفي القاضي التنوخي بلا عقب عام 1712م، اتفق أكابر الشوف على أن يكون صهره (علي جانبولاط) في مرتبة الشيخ قبلان رئيساً عليهم، ومن ذلك الحين اعتنق آل جنبلاط المذهب الدرزي بعد أن كانوا على المذهب السني، وقام الأمير حيدر الشهابي بتولية الأمير علي جنبولاط مقاطعات الشوف، فسلك هذا الأمير منهج العدل والرحمة في حكمه، ونشر الأمن، وساد العدل، واستمال الناس إليه، وكثر أعوانه من كل الطوائف والملل، وكان محباً للعلم والعلماء، وكريماً حليماً فاضلاً، فصار شيخ المشايخ، أدركته الوفاة في بعذران عام 1776م، بعد أن ترك ستة أبناء، وهم: (يونس، نجم، محمود، حسين، قاسم، جانبلاط).
خلفه في الحكم ابنه الأمير قاسم جانبلاط، وكان مهيباً وديعاً عادلاً، لكنه توفى عام 1791م، بعد أن ترك من الأبناء: (حسن، بشير، إسماعيل).
وخلفه في الحكم ابنه الشيخ بشير بن قاسم جنبلاط وأصبح من زعماء الإقطاع في عهد الأمير بشير الثاني الشهابي، ويعزى إليه بناء قصر المختارة، وإصلاح الطرق، وإقامة المعابد، ونشر الأمن والعدل بين الرعية، حتى لقب بشيخ المشايخ، انتهت حياته بالقتل على يد عبد الله باشا والي عكا عام 1825م .
وفي تاريخ لبنان الحديث اشتهر آل جنبلاط في ميادين السياسة، وكان منهم السيدة نظيرة جنبلاط عقيلة المرحوم فؤاد جنبلاط التي ترملت عام 1922م، فخلفت زوجها على مسرح الحياة السياسة اللبنانية، وكان لها دور فاعل فيه، توفيت في بيروت عام 1951م.
خلفها على المسرح السياسي ابنها الأستاذ كمال بك جنبلاط الذي يعد من كبار ساسة ومفكري لبنان الحديث، فكان له حضور سياسي فاعل في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، وترك لنا العديد من المؤلفات السياسية والفكرية، وقد اغتيل خلال الحرب الأهلية اللبنانية عام 1977م.
خلفه في الزعامة السياسة ابنه الأستاذ وليد بك جنبلاط، الذي شغل عدة مناصب وزارية وبرلمانية في الحكومة اللبنانية، ويعد اليوم من أبرز أقطاب الساسة المعاصرين على الساحة اللبنانية.
(في الصورة كمال جنبلاط مع الملا مصطفى البارزاني).[1]