=KTML_Bold=المجتمع المدني ..مفهوماً وواقعاً سياسياً!!=KTML_End=
#بير رستم#
الحوار المتمدن-العدد: 4987 – 2015-11-16
المحور: المجتمع المدني
ربما لم يلقى أي من المصطلحات الفكرية المفاهيمية، من إهتمام وقراءة وتأويل، كما تلقاه مفهوم ومصطلح المجتمع المدني وعلى الأخص في العقود الأخيرة .. ومن تلك التعريفات ما تبناه البنك الدولي كتعريف للمجتمع المدني والذي أعده عدد من المراكز البحثية الرائدة، حيث تقول: “يشير مصطلح المجتمع المدني إلى المجموعة واسعة النطاق من المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية التي لها وجودٌ في الحياة العامة وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو الآخرين، استناداً إلى اعتبارات أخلاقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خيرية. ومن ثم يشير مصطلح منظمات المجتمع المدني إلى مجموعة عريضة من المنظمات، تضم: الجماعات المجتمعية المحلية، والمنظمات غير الحكومية، والنقابات العمالية، وجماعات السكان الأصليين، والمنظمات الخيرية، والمنظمات الدينية، والنقابات المهنية، ومؤسسات العمل الخيري”. وهكذا فما يصطلح تعريفاً ب”المجتمع المدني” يشمل طيفاً واسعاً من المنظمات الأهلية المدنية _خارج منظومة الدولة_ والتي تغطي عموماً مختلف الفئات والطبقات والشرائح التي تكوّن بنية أي مجتمع بشري سكاني مدني.
وكذلك وبخصوص القضية نفسها، فإن الموسوعة الحرة (ويكيبيديا) تقدم تعريفاً للمجتمع المدني تقول فيه؛ “ثمة اجتهادات متنوعة في تعريف مفهوم المجتمع المدني تعبر عن تطور المفهوم والجدل حول طبيعته وأشكاله وأدواره. فالمعنى المشاع للمفهوم هو «المجتمع السياسي» الذي يحكمه القانون تحت سلطة الدولة. لكن المعنى الأكثر شيوعاً هو تمييز المجتمع المدني عن الدولة، بوصفه مجالاً لعمل الجمعيات التطوعية والاتحادات مثل النوادي الرياضية وجمعيات رجال الأعمال وجماعات الرفق بالحيوان، وجمعيات حقوق الإنسان، واتحادات العمال وغيرها. أي أن المجتمع المدني يتكون مما أطلق عليه إدموند بيرك الأسرة الكبيرة”. وتضيف “في المقام الأول يهتم المرء بسبل عمله ومعيشته، ليكفي حاجته وحاجة أفراد أسرته بالغذاء والسكن وغير ذلك من لوازم الحياة. ولكن يوجد بجانب ذلك أشخاص كثيرون يهتمون بالمجتمع الذي يعيشون فيه، ويكونون على استعداد للتطوع وإفادة الآخرين. أي أن المجتمع المدني ينمو بمقدار استعداد أفراده على العطاء بدون مقابل لإفادة الجماعة. هذا يعتبر من «الإيثار العام». وفي المجتمعات الديموقراطية تشجع على ذلك النشاط الحكومات” وهنا تكون المعيارية في ديمقراطية أي حكومة.
وتضيف الموسوعة؛ “يشير مصطلح المجتمع المدني إلى كل أنواع الأنشطة التطوعية التي تنظمها الجماعة حول مصالح وقيم وأهداف مشتركة. وتشمل هذه الأنشطة المتنوعة الغاية التي ينخرط فيها المجتمع المدني تقديم الخدمات، أو دعم التعليم المستقل، أو التأثير على السياسات العامة. ففي إطار هذا النشاط الأخير مثلا، يجوز أن يجتمع مواطنون خارج دائرة العمل الحكومي لنشر المعلومات حول السياسات، أو ممارسة الضغوط بشأنها، أو تعزيزها (معاقبة صانعي السياسات أو مكافأتهم)”. وبخصوص تكوينها تقول هي الأخرى؛ “يضم المجتمع المدني مجموعة واسعة النطاق من المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية التي لها وجودٌ في الحياة العامة وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو الآخرين، استناداً إلى اعتبارات أخلاقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خيرية. ومن ثم يشير مصطلح منظمات المجتمع المدني إلى جمعيات ينشئها أشخاص تعمل لنصرة قضية مشتركة. وهي تشمل المنظمات غير الحكومية، والنقابات العمالية، وجماعات السكان الأصليين، والمنظمات الخيرية، والمنظمات الدينية، والنقابات المهنية، ومؤسسات العمل الخيري. أما الميزة المشتركة التي تجمع بين منظمات المجتمع المدني كافة، على شدة تنوعها، فهي تتمثل باستقلالها عن الحكومة والقطاع الخاص أقله من حيث المبدأ. ولعل هذا الطابع الاستقلالي هو ما يسمح لهذه المنظمات بأن تعمل على الأرض وتضطلع بدور هام في أي نظام ديمقراطي”.
وهكذا فإننا نلاحظ بأن المساحة التي تشغلها منظمات المجتمع المدني _وجوداً ونشاطاً_ هي تغطي مجمل مناحي الحياة وتشارك الدولة، وإن كانت بطريقة غير مباشرة، في عملية إدارة شؤون البلد والمجتمع وقضايا التنمية الوطنية، بل “يُعتبر نمو المجتمع المدني أحد أكثر الاتجاهات أهمية في مجال التنمية الدولية” كما يقول البنك الدولي، وقد أزداد الإهتمام الدولي بها في العقود الأخيرة والتي شهدت ولادة الآلاف من الهيئات والمنظات التي تهتم بقضايا الإنسان والحقوق المدنية والعدالة الإجتماعية وفي ذلك يقول الموقع السابق “البنك الدولي” بأن؛ “شهدت سنوات العقد المنصرم توسعاً مذهلاً في حجم ونطاق وقدرات المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم، مدعوماً بعملية العولمة واتساع نطاق نظم الحكم الديمقراطية، والاتصالات السلكية واللاسلكية، والتكامل الاقتصادي. ووفقاً لحولية المنظمات الدولية، فقد زاد عدد المنظمات غير الحكومية الدولية من 6000 عام 1990 إلى ما يزيد على 50 ألفاً عام 2006. وأصبح لمنظمات المجتمع المدني دور بارز في تقديم المساعدات الإنمائية علي مستوى العالم؛ حيث يشير تقرير منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي إلى أن هذه المنظمات قدمت مساعدات تقدر بحوالي 15 مليار دولار أمريكي من المساعدات الدولية حتى عام 2006”.
إذاً فقد تحولت هذه المنظومة المدنية إلى أداة فاعلة في حياة المجتمعات الحديثة والتي تمارس إلى جانب الهيئات والمنظومات الحكومية نشاطها وعملها والتي يمكن أن تتصادم أو تشكل رديفاً لما تقوم بها الحكومات من جهد ونشاط تنموي ونهضوي في البلد، حيث شكل العلاقة بين الحكومة _أي حكومة وطنية_ ومنظمات المجتمع المدني هي التي تحدد شكل النظام في البلد ومستوى الحريات المدنية والديمقراطية؛ ففي الدولة المستبدة التوتاليتارية تجد العلاقة تتسم بالتشنج وردات الفعل العصيبة من قبل تلك الحكومات تجاه أي نشاط مدني ديمقراطي لمنظومات المجتمع المدني وتلاحق نشطائها وتصل الأمور أحياناً _بل في أغلب الأحيان_ للإعتقال السياسي لأولئك النشطاء والكوادر الفعالة في المجتمع، بينما نشاهد العكس في الدول والمجتمعات الديمقراطية حيث تقوم الحكومة برعاية وتشجيع النشاط المدني الديمقراطي لهذه المنظومات الإجتماعية الأهلية والمدنية وتعتبره _أي الحكومات الديمقراطية_ جزءً من النشاط المجتمعي العام والذي يساعد الحكومة على القيام بواجباتها تجاه المواطنين في الدولة والمجتمع.
القضية الأخرى والتي تشكل نقطة فارقة بين كل من مجتمع الإستبداد والمدني الديمقراطي، هي قضية الإعلام؛ حيث في الدولة الإستبدادية تكون كل وسائل الإعلام خاضعة، بل تحت وصاية الدولة المركزية المستبدة، بينما في المجتمعات المدنية الديمقراطية يكون الإعلام حراً متعدداً وتشاركياً فاعلاً/متفاعلاً ويمارس بحق السلطة الرابعة؛ أي يتحول الإعلام المنبري التجيشي التبويقي والدعائي لسلطة الدولة و(الزعيم الخالد) إلى مراكز ومواقع ثقافية تفاعلية تشاركية ويقول الأستاذ “شمخي جبر” في مقالة له بعنوان “الشراكة بين المجتمع المدني والاعلام” ومنشورة في موقع الحوار المتمدن-العدد: 4946 حيث كتب؛ “الاعلام لم يعد ذاك الاعلام التقليدي (اذاعة، تلفزيون، صحافة) بل اصبحت وسائل الاتصال الحديثة اهم وسائل الاعلام وقنواته (النت وشبكاته وتطور تقنياته، فضلا عن تطور تقنيات اجهزة الموبايل) اذ لم تعد هذه الوسائل للاتصال فقط بل اصبحت وسائل نقل وبث للرسائل الاعلامية. فالمتلقي اصبح مرسالا ومتلقيا في آن معا، وظهرت ما تسمى(صحافة المواطن) (وهي معروفة أيضا بالصحافة العامة أو التشاركية، أو الديمقراطية أو صحافة الشارع صحافة شعبية)”. وهكذا فإن المجتمع المدني يلغي إحتكار الدولة للإعلام والمراكز الفكرية والثقافية، وبالتالي تحويل الإنسان والمجتمع من رهينة بيد الدولة إلى غاية ومركز إهتمام للدولة وبحاجاته ومتطلباته الحياتية.
لكن السؤال الأهم والذي يمكن أن يشغل بال كل من الباحث والقارئ بنفس الوقت هو؛ هل يمكننا الإدعاء بأن مجتمعاتنا الشرقية قابلة وقادرة على تقبل فكرة “المجتمع المدني” وهي تعيش حالة الفقر والإستبداد السياسي والعطالة الفكرية، وللإجابة على سؤالنا، ليس علينا إلا العودة إلى الواقع في مجتمعاتنا وغلقاء نظرة سريعة لما يجري على الأرض؛ حيث الحروب والنزاعات العرقية، الطائفية وحتى القبلية وللأسف .. وبالتالي وفي ظل مجتمعات بدائية متخلفة لا يمكن الحديث عن بناء مجتمعات مدنية ديمقراطية خاضعة لصناديق الإقتراع والإنتخابات، بل لا بد أن تسبقها مرحلة بناء الدولة والمجتمعات التوافقية التشاركية حيث يجبر الجميع على القبول بالمشاركة والتعددية المجتمعية والسياسية وذلك من لال فرض ذاك الواقع على كل الأطراف والمكونات داخل أي مجتمع ودولة ترافقها العملية التنموية وفي مختلف مناحي الحياة والتي ستكون المرحلة التمهيدية للدخول وبناء مجتمعات حرة ديمقراطية مدنية وذلك غرار التجربة الأوربية وإن كانت بطابعها ونكهتها الشرقية الخاصة، وبكل تأكيد فإن هذه العملية سوف تحتاج إلى سنوات وعقود للوصول إلى بناء ذاك المجتمع وإلى حين ذلك، فإن الشرق سوف يعاني المزيد من الحروب والكوارث والآلام .. وسيكون هناك الكثير من الدمار للأوطان والإنسان.
مصادر البحث:
_ موقع البنك الدولي.
_ الموسوعة الحرة (ويكيبيديا).
_ موقع الحوار المتمدن.
[1]