إمارة بابان (1649- 1851) (القسم الأول)
د. مهدي كاكه يي
الأسرة البابانية الحاكمة كانت أسرة عريقة، أشارت إليها دائرة المعارف البريطانية في موسوعتها لِسنة 1950 (الإنسكلوبيديا) في مادة (الكورد Kurd)، بأن تأريخ الأسرة البابانية الحاكمة يعود إلى ما قبل سنة 401 قبل الميلاد. يؤكد على ذلك الأستاذ عبد القادر رستم الباباني في كتابه المعنون (تاريخ وجغرافية كردستان- سير الأكراد)، الصادر باللغة الفارسية، و يذكر أيضاً في هذا الكتاب بأن هذه الأسرة إشتهرت في كوردستان في أيام الحكم الكياني والأشكاني وأن عشيرة الأسرة البابانية كانت من أكثر العشائر الكوردية عدداً وعُدةّ في ذلك الوقت و كما أنهم إهتموا بالصناع الماهرين وأرباب الحرف والمهن والفنون الذين برزوا في منطقة السليمانية1.
مصادر تأريخية عديدة تذكر بأن كورد شهرزور كانوا ذوي سلطة ونفوذ على بلادهم، وكانوا أقوياء بحيث أنهم تمكنوا من الإستيلاء على الحدود القريبة من همدان وكرماشان أيام حكم (أردشير بابكان) الذي إمتد من سنة 226 ميلادية إلى سنة 241 ميلادية2، 3.
يذكر (مأمون بك) بأن البابانيين أصحاب إمارة بابان الكوردية ويرجع مصدر إسمهم الى كلمة (باوه) ومن ثم تحولت هذه الكلمة الى (بەبه)4. قوله هذا يشير الى أنّ أمراء بابان كانوا يعتنقون الدين اليارساني. يقول الأستاذ (محمد جميل روژبياني)، أن لفظة (ببئي) متطورة من(بابائي)، وهو اللقب الروحي الخاص بالقديسين اليارسانيين ويذكر الأستاذ (روژبياني) بأنه سأل العلامة (توفيق وهبي) عن منشأ لقب (بابان) فأجابه بأنهم يرجعون في الأصل إلى مؤسس إمارة أردلان (بابا أردلان). هكذا فأنّ المؤرخ واللغوي الكوردستاني العلامة توفيق وهبي يؤكد على أن إسم البابانيين الذين أسسوا إمارة (بابان) الكوردستانية، متأتٍ من كلمة (باوه) التي هي إسم لطبقة دينية يارسانية ومن ثم تحولت هذه الكلمة الى (بەبە BEBE)، وبذلك يقول بأن أمراء بابان كانوا من أتباع الدين اليارساني5. يضيف العلامة توفيق وهبي بأن البابانيين ينحدرون من باوه أردلان، مؤسس الدولة الأردلانية. كانت اللهجة الگورانیة هي اللهجة الرسمية لإمارة بابان في فترة معينة من تأريخها. كما يذكر العلامة توفيق وهبي في بحثه المعنون (جبل پیرەمەگرون PÎREMEGRÛN) والذي يوجد على قمّته ضريح بنفس الإسم، بأن ذلك االضريح يعود لشخصية دينية يارسانية بإسم (پير ئەنبەر گدروون)، إلا أن هذا الإسم تحوّر بمرور الزمن الى (پیرەمەگرون)6. هذا الضريح هو لِشخصية يارسانية قد تكون عاشت خلال إنتشار الدين اليزداني في زمن الهوريين أو قبله في عهد السومريين أو قد تعود الى أيام حُكم الأردلانيين أو البابانيين. لِتحديد عمر الضريح وفترة حياة صاحبه، يجب القيام بحفريات أثرية للضريح وللمنطقة المحيطة به.
كما يذكر التأريخ بأن الطوفان السومري حصل في هذه المنطقة قبل أكثر من 6000 سنة، حيث رست السفينة السومرية فوق قمة هذا الجبل7. هذه المصادر التأريخية قد تعزز ربط الضريح الموجود على قمة جبل (پیرەمەگرون) بالعهد السومري. من الجدير بالذكر أنّ هناك أربع طبقات دينية في الدين اليارساني وهي حسب تسلسل درجاتها من الأعلى الى الأدنى: پیر، باوە، مام، ئۆمی أي عامة الناس. هكذا فأنّ كل فرد منتمي للطبقة الدينية العليا في الدين اليارسي يُلقّب بِ(پیر) وعليه فهو أعلى لقب ديني في الدين اليارساني، حيث أنّ حاملي هذا اللقب ينتمون لِأعلى طبقة دينية التي هي أعلى مرجعية دينية يارسانية وأن هذه الطبقة تعادل طبقة الشيوخ في المذهب السُنّي وطبقة السادة لدى الشيعة. الفروع الأخرى للدين اليزداني مثل الإيزدية والهلاوية والدروز والشبك تشترك مع الدين اليارساني في وجود طبقة ال(پیر) لديها.
في الوقت الحاضر، ينتشر في كوردستان الكثير من المراقد العائدة لليارسانيين التي تعود الى عهود إعتناق الكورد للدين اليزداني قبل آلاف السنين والى عهد إمارة أردلان وبابان اللتَين كان حكامهما يارسانيين. من هذه المراقد هي (باوه مَحمي) في خانقين و(باوه گوڕگوڕ BAWE GUŔGUŔ) في كركوك و(باوه نور) في منطقة (گەرمیان GERMYAN) و (داوود دَدَ) في مدينة داقوق و (سيد برايم) في بغداد و (داوود كەوەسوار) في قصر شيرين و (باوه یادگار) في جبال داڵەهۆ DAŁEHO و(باوه گرزين) في مندلي ومرقد (شيخ باوه) الواقع بين مدينة جلولاء وكلار ومنطقة باوه شاسوار التي تقع في شمال شرقي مدينة كفري، حيث أنّ فيها مقبرة أثرية قديمة تُسمى بهذا الإسم لوجود أضرحة كبار رجال الدين اليارسانيين. هذه المزارات تدل على التأريخ السحيق للدين اليارساني في كوردستان و حُكم أتباعه لهذه البلاد.
المصادر
1. عبد القادر رستم الباباني (1871). تاريخ وجغرافية كردستان- سير الأكراد. (باللغة الفارسية).
2. جمال بابان (1993). بابان في التاريخ ومشاهير البابانيين.
3. حسين ناظم بك (2001). تأريخ الإمارة البابانية.
4. مأمون بن بيكه بك (1980). مذكرات مأمون بن بيكه بك. ترجمة محمد جميل روژبياني وشكور مصطفى، مطبعة المجمع العلمي العراقي، بغداد، صفحة 16.
5. توفيق وهبي بك (2006). الآثار الكاملة. إعداد: رفيق صالح، الجزء الاول. سليمانية.
6. المصدر السابق، صفحة 214.
7. فاضل عبد الواحد علي (1975). الطوفان في المراجع السماوية. صفحة 64.
[1]