حجر أساس لبناء الجمهورية السورية في انتظار استكمال العمارة الجامعة
إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد:
8278
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
حجر أساس لبناء الجمهورية السورية
في انتظار استكمال العمارة الجامعة
إبراهيم اليوسف
الاتفاق الذي تم اليوم، في دمشق بين الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات قسد الجنرال مظلوم عبدي يمثل خطوة تاريخية غير مسبوقة في سوريا الحديثة، ويشكل حجر الأساس لمئوية جديدة. لمئويات، تحمل في طياتها تطلعات مختلفة للشعب السوري بمكوناته كافة، وعلى رأسها الكرد، الذين كانوا لعقود ضحية للسياسات الإقصائية والتهميش الممنهج، وآن لهم أن يعودوا إلى مسرح الحياة والتاريخ بعد هزيمة كل وسائل إذابتهم والإجهاز عليهم.
صحيح أننا قرأنا النقاط الأولى للبنود المتفق عليها، وثمة إشارات واضحة إلى الاعتراف بالمجتمع الكردي وتثبيت حقوقه في الدستور، من دون ذكر مصطلح: الشعب، وهو لايمثل ضمن هذه الحدود مطلب الكرد، وأعلنت ذلك في صفحتي على الفيس بوك، من دون حرج، مع تبياني في اللحظة ذاتها الجوانب الإيجابية للاتفاق في هذه المرحلة الخطيرة التي جعلتنا ونحن في المهاجر مشدودي القلوب والأروح إلى الأهل والوطن، خشية وقوع كارثة بين الكرد وشركائهم، إلا أن جرعة التفاؤل ستظل قائمة، على أمل أن يتم استكمال الاتفاق بما يضمن تمثيل كل كردي فيه، وليس اقتصاره على جهة معينة، ليست وحدها المخولة بتقرير مصيرالكرد، رغم امتلاكها القوة الميدانية، كي يكون أساسًا راسخًا لتحقيق العدالة لكل المكونات السورية.
لا يمكن إنكار أن بعض الأطراف الإقليمية، وعلى رأسها تركيا وقطر، حاولت بكل الوسائل إشعال الفتنة وتحريض السوريين على الاقتتال، ما يجعل الاتفاق إنجازًا بحد ذاته في ظل هذا الكم من التدخلات الخارجية. كما أنه من المؤكد أن هناك تدخلات دولية ساهمت في إرساء هذا الاتفاق، نظرًا لأهميته الاستراتيجية التي لم تشهد سوريا مثيلًا لها منذ تأسيسها. ذلك في وقت كانت فيه الأدبيات الكردية الرسمية تسعى منذ البداية إلى تحقيق الحد الأدنى من الحقوق، بينما أصرت الأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة، حتى قبل حكم الأسدين وبعده، على نفي أي وجود حقيقي للحقوق الكردية.
كان المشهد متجهًا نحو مواجهة دامية، وعلى شفا حفرة من المجازر والدمار لا سمح الله، لولا الجهود الخيرة التي بذلت من أجل الوصول إلى هذا الاتفاق. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الرئيس أحمد الشرع – كما بات يبدو للشارع السوري-لا ينتمي إلى تلك الفئة العنصرية التي لطالما حرضت ضد الكرد، ونأمل أن يكون حسن ظننا مصيباً، بل يظهر حامل رؤية جامعة تسعى لإرساء العدالة والمواطنة الحقيقية، رغم نقدنا له منذ وصوله إلى السلطة، بشفافية، من دون أية ردود فعل من قبل محيطه، ماخلا مزايدات بعض الذين تحولوا إلى المرحلة الجديدة، وكانوا يؤدون أدوارهم في مرحلة حكم الدكتاتورين الأسدين.
مع ذلك، كان من الأفضل أن يتم إشراك وفد من قدامى الحركة الكردية إلى جانب الجنرال مظلوم عبدي الذي أثق به قائداص عً حقيقة وفق قراءتي في- المجال العسكري- خلال المفاوضات، باستثناء من جعلوا من القضية الكردية مطية و وسيلة لتحقيق مصالحهم الشخصية، أو من تعاملوا مع الدم الكردي كما براميل النفط للإتجار بها، بيعاً وشراء، بما في ذلك الذمم الذميمة، إذ إن أي حل يُفرض من الخارج لا يمكن أن يدوم، بينما الحل الداخلي بين المكونات السورية هو الأكثر استقرارًا على المدى الطويل.
أجل، يجب تحصين الاتفاق وتشكيل لجان داعمة له، إضافة إلى وضع خارطة طريق لإزالة كل آثار الغبن التي تعرض لها الكرد وغيرهم من المتضررين السوريين، بهدف ضمان استمراريته وعدم السماح بانتكاسته أمام الضغوط المختلفة.
لا يمكن تجاهل أن هناك جهات داخلية راهنت على ضرب الكرد بعضهم ببعض عبر توظيف تبعية بعضهم لمؤسسات لا تريد الخير لسوريا، لكن رهاناتهم فشلت. فالكرد والعرب وبقية المكونات من مسيحيين ومسلمين وإيزيديين وغيرهم، جميعهم أعضاء جسد واحد، ولن يستطيع أحد النيل من سوريا إذا استُكمل بناء التأسيس الجديد الذي ينصف جميع السوريين دون استثناء.
من الطبيعي أن يتم انتقاد بعض جوانب الاتفاق بهدف تطويره وتحقيق الشمولية فيه، خصوصًا أن الجنرال مظلوم عبدي، رغم كونه شخصية عسكرية بارزة، فإن الجانب السياسي له خبراؤه التاريخيون والأكاديميون الذين ينبغي أن يكون لهم دور فاعل في استكمال المسار السياسي للاتفاق. وهذا لا يقلل من أهمية الدور الذي لعبه عبدي في الوصول إلى هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ سوريا ومستقبلها.
إنني أستبشر أن يأخذ الكردي دوره ويكون شريكا حقيقيا في كل مفاصل البلاد، بعد تثبيت حقهم القومي دستورياً كثاني أكبر قومية في سوريا. أبناؤه يدرسون بلغتهم، لهم صحفهم، مجلاتهم، أقسامهم الجامعية للغتهم، ممثلوهم، حياتهم السياسية و الثقافية إلخ كثاني أكبر قومية. وإذا كنت قد أبديت تحفظي بأن الاتفاق الناقص لايمثلني فإنني أستبشر بالخير في قادمات الأيام، كما أني سأظل ممن ينقدون، ليس دفاعًا عن الكرد وحدهم، بل عن كل السوريين: حجر أساس لبناء الجمهورية السورية، أنى تعرض سوري لظلم من ذوي الشأن، وأولي الأمر، وإن تعرضت سوريا لاعتداء خارجي.
[1]