الشاعر الكردي لقمان محمود ل الزمان الكتابة باللغة العربية ليست انفصالاً عن الهوية الكردية
حوار محمد القذافي مسعود
لقمان محمود شاعر وناقد من مواليد عامودا 1966
عضو اتحاد الأدباء الكرد فرع السليمانية.عضو نقابة صحفيي كردستان فرع السليمانية.محرر في مجلة إشراقات كردية.محرر في مجلة سردم العربي.
معد برنامج ثقافي في اذاعة صوت شعب كردستان، بعنوان اشراقات كردية.
له أعمال مطبوعة أفراح حزينة شعر، دار دانية، دمشق 1990.
خطوات تستنشق المسافة عندما كانت ڵادم أقدام شعر، منشورات النسر الأبيض، بيروت 1996. دلشاستان شعر، دار الحداثة، المغرب 2001.
إشراقات كوردية مقدمة للشعر في كوردستان، صادر عن مركز كلاويز الأدبي، كوردستان السليمانية 2009. المبدع الراحل محيي الدين زنكنة بأقلام أصدقائه، بالإشتراك مع رؤوف بيكرد و نوزاد أحمد أسود، مؤسسة سردم للطباعة و النشر، كردستان السليمانية 2010.
مراتب الجمال قراءات في الشعر الكردي الحديث، منشورات دار سردم للطباعة و النشر، كوردستان السليمانية 2011.
ترويض المصادفة كتاب نقدي، منشورات منظمة كتاب بلا حدود، في الشرق الأوسط، العراق 2011.
شرارة الأناشيد القومية في الغناء الكردي لغرب كردستان، منشورات إتحاد الأدباء الكرد، كردستان السليمانية 2012.
القمر البعيد من حريتي شعر، منشورات مؤسسة سردم للطباعة و النشر، كردستان السليمانية2012.
أتابع حريتي شعر، منشورات إتحاد الأدباء الكرد الفرع العام، كردستان، اربيل 2013.
بدأت معه هذا الحوار العربي الكردي سعيا مني ومنه للتعريف بمفاهيم كردية وابداعات مازالت بعيدة عن العربي الذي يتجاور مع الكردي جغرافيا وحتی دينيا باعتبار ان غالبية كبيرة من الشعب الكوردي مسلمة وتمارس الشعائر الدينية الاسلامية التي يمارسها العرب المسلمين والحوار هو السبيل الوحيد للتواصل بيننا فكان هذا الحوار الذي آمل ان يستمر ويتواصل بين العربي والكردي في كل مكان من هذا الوطن..
المثقفون الكرد منفتحون
بما تفسر تعامل المثقفين الكورد مع من هم خارج قوميتهم بطريقة يبدو فيها الكثير من الحذر وكأنهم يعيشون في عالم سري يخافون اقتراب اڵاخر منه؟
من الإجحاف القول أنّ المثقف الكردي حذر و منغلق علی قوميته ولغته، أو أنه يعيش بمعزل عن اڵاخر، العربي، التركي، الفارسي. حسب تجربتي في الوطن الأم كردستان سوريا كان المثقف الكردي هو من كان يمدّ الجسور بين المثقفين الكرد والعرب، تلك الجسور التي كان يهدمها السياسي النظام.
في سوريا كان هناك أكثر من جسر بين المثقف الكردي والعربي، و كان أغلب المثقفين العرب يتفهمون الحالة الإبداعية والسياسية لدی شريكه الكردي في الوطن والهوية. كنّا نحاول بشتی الطرق أن يتعرف اڵاخر العربي المثقف العربي علی مأساتنا ككرد.
كان علی هذا اڵاخر أن يعرف أننا ولدنا ونعيش علی أرضنا و أرض آباءنا وأجدادنا، و أننا حتی اڵان نُعامل كلاجئين لا أوراق ثبوتية، لا إقامة، لا مواطنة.. إلخ. هذه المأساة الكردية تعرّف عليها الكثيرون و تعاطفوا معها إنسانياً و أخلاقياً. لذلك أستطيع القول أن المثقف السوري والسوري بشكل عام إنسان رائع.. بريء من النظام السياسي المستبد، وبريء من الحزام العربي الذي فُرض علی الكردي بالقوة، وبريء من سحب الجنسية السورية من الكردي.. إلخ.
حسب تجربتي الشخصية، كان لي صداقات قوية جداً مع أغلب شرائح المجتمع السوري الشاعر، الكاتب، الناقد، المفكر، السينمائي، الفنان، الباحث. فديواني الأول أفراح حزينة المطبوع في عام 1990، صدر بدعم ومساندة من الصديق الشاعر إبراهيم الجرادي، حيث تكفل هذا الشاعر الرقّاوي من محافظة الرقة بطباعة الديوان وتوزيعه. حيث كتب عن الديوان في حينه نخبة من الكتاب والنقاد، أمثال يوسف سامي اليوسف، وعدنان بن ذريل وبندر عبد الحميد.. وغيرهم كثيرون. كما خصص الكاتب حسين حموي في برنامجه الإذاعي رأي وكتاب ساعة كاملة عن هذا الديوان.
المثقف الكردي كان وما زال مفتوحاً علی اڵاخر من جميع النواحي، و إلا كيف تفسر علاقاتنا الشخصية و صداقاتنا الشخصية مع كل من كانوا من النخبة المثقفة في المجتمع السوري، و أقصد هنا الدكتور برهان غليون والدكتور طيب تيزيني والدكتور عبد الرزاق عيد.. وغيرهم كثيرون. هذه الأسماء وهي ليست حصرية بكل تأكيد كنّا نلتقي بهم أسبوعياً ونناقش معهم أهم المستجدات علی الساحتين السورية والكردية.
هؤلاء كانوا أصدقاء الكرد معنوياً ومادياً.. فأفضل الكتابات عن الكرد كانت بأقلام هؤلاء، وأغلب من حصلوا علی رسائل الدكتوراه من الكرد حصلوا عليها بدعم ومساندة من هؤلاء.
حينما أتذكر المثقف السوري العربي اڵان، أتذكر الجرح الكردي أكثر، وخير دليل علی ذلك هو هذا الجنون الذي يمارسه النظام المجرم في دمشق علی الإنسان والحجر والتراب..
تشعر وأنت تقرأ النص الكوردي أن هذا النص خلق لذاته أي ليكون منزويا مع ذاته فقط..فهل هي خصوصية كوردية أم هو انعكاس شعور داخلي لصاحب النص علی نصه ونفسه؟
النص الكردي كأي نص آخر يحمل في طياته التراكمات الثقافية من هنا وهناك.. فالخصوصية في أي نص عائد إلی خصوصية الكاتب الابداعية بالدرجة الأولی. بمعنی أن المبدع الكردي الذي يكتب وفق ما تعكسه مرآة الابداع، يخلق نوعا ما صورة حقيقية لشعوره الداخلي إزاء الانسان والواقع الكرديين.
ربما لذلك عندما نحكي عن نص كردي غير منزوي في رقعة جغرافية محددة، يتبادر إلی الذهن والوعي مباشرة تجربة الشاعر الكردي الكبير شيركو بيكس، الذي صار يُقرأ في أغلب اللغات العالمية، والذي كتب عن الأنفال وعن مدينة حلبجة التي قصفها النظام البعثي بالمواد الكيماوية، كما كتب عن الحب والحرية والبشمركة وعن صديقه الشاعر محمود درويش. هذا الشاعر الكردي والذي مازال يكتب بلغته الكردية استطاع الحصول علی أهم جائزة عالمية وهي جائزة تو خولسكي الأدبية. إن خصوصية هذا الشاعر تعكس خصوصيته الكردية والإبداعية والإنسانية. كذلك الأمر مع الشاعر والروائي سليم بركات الذي يكتب باللغة العربية لايصال معاناة هذا الشعب الكردي الی شريكه العربي بلغته حصراً.
النص الكردي متشعب يختلف من كاتب إلی آخر، ومن مبدع إلی آخر. هناك نصوص كردية خلقت ميتة، وهناك نصوص أخری لا تختلف عن أي نص إنساني خالد.
الكتابة باللغة العربية هل تعتبر انفصالا عن الأصل أو الهوية الكردية ؟
عندما تبدع يكون الإبداع هو هوية المبدع الحقيقي. فالكتابة باللغة العربية ليست انفصالاً عن الهوية الكردية بقدر ما هو واقع فرض عليك بالقوة أمام منع اللغة الكردية. ورغم ذلك تبقی الكتابة باللغة العربية بمثابة ترميم للوجع الكردي.
فالكردي المحروم من لغته الأم يجد نفسه في لغة غريبة فرضت عليه لا يعرف منها والديه سوی الفاتحة والدعاء، فيصر تحت ضغط التهميش والحرمان والضرورة أن يتعلم هذه اللغة الطارئة علی تفكيره وأحاسيسه ووعيه بكل السبل. هكذا تطرأ لغة أخری مسموحة بها إلی جانب لغة الأم الممنوعة.. ومهما كبرت هذه اللغة فأنها لا تصير لغة للحلم الذي يحلم به أي كردي. بهذا المعنی لا أعتبر الكتابة باللغة العربية انفصالا عن الاصل أو انفصالا عن الهوية الكردية.
لماذا لم يتعامل العربي مع إبداعات الكورد؟
إذا أخذنا بعين الإعتبار الجانب الأهم في ذلك سنجد أن العربي يتعامل مع ابداعات الكرد إذا كانت هذه الابداعات مترجمة إلی اللغة العربية، فحتی اڵان لا توجد في كردستان العراق وزارة أو مؤسسة تهتم بترجمة الأدب الكردي إلی اللغة العربية، وما يحصل من ترجمات فردية غير متخصصة أحياناً تكون بمثابة نقطة من بحر.
هذا الواقع يقع علی عاتق الكردي أولاً وأخيراً. إن ما يترجم من الأدب الكردي إلی اللغة العربية يلاقي قبولاً نوعاً ما من الكتاب والنقاد العرب، وهذا ما وجدته في الكثير من الكتب النقدية التي تصدر للنقاد العراقيين.
هل تجد فاصل بين العربي والكوردي و هل من أسباب واضحة له؟
كشاعر وناقد ومترجم أجد أن الفاصل الذي تقصده هو فاصل وهمي يصنعه السياسي كجدار بين الكردي والعربي، وهي صناعة دكتاتورية ممنهجة لمآرب شخصية، اتضح ذلك في دولة الممانعة السورية طيلة أربعين عاماً، وعندما ظهرت حقيقة هذه الممانعة ظهر الجدار كوهم حقيقي للعربي والكردي معاً. واڵان نجد مليون سبب واضح لهدم البيوت علی رؤوس ساكنيها بالطائرات والمدافع والراجمات وصواريخ سكود.
التمسك بالقومية الكوردية إلی أي حد يؤثر إيجابا أو سلبا علی المبدع) المبدعة الكوردية؟
أظن أن المبدع الذي يتنكر لقوميته سيكون منبوذاً من الكردي والعربي معاً. فالمبدع جميل ومحترم بقوميته الحقيقية، بجماله الحقيقي، لا بالمساحيق.
الإبداع بشكل عام إنساني. فالمبدع الحقيقي سواء كان متمسكا بقوميته أو لم يكن متمسكا بها هو كردي يتألم مع آلام أمته. أظن لا يوجد انسان لا يتمسك بقوميته، وهذا التمسك إذا انعكس علی الابداع ستكون كارثة أدبية إن لم يكن مبدعا حقيقيا.
أحيانا أنزعج من بعض النصوص المباشرة عن الكرد وكردستان. إذا السلبية والايجابية تختلف من نص ڵاخر ومن مبدع إلی آخر.
المنفی وتأثيراته علی هوية النص الكردي وإبرازه للوجود بروحه الكردية الموجوعة إن صحت التسمية ؟
عشتُ المنفی و أنا في سوريا، وعشته و أنا في ألمانيا، وأعيشه منذ أعوام وأنا بين أهلي وأصدقائي في كردستان العراق.
المنفی مرافق للنص أينما كنت، وان كان بدرجات متفاوته. لذلك الروح الكردية الموجوعة موجودة في جميع هذه المنافي سوريا وألمانيا وكردستان.
هل ثمة فرق بين تجربة شعراء الجزيرة الأكراد وباقي شعراء الكورد في المنافي ومن هم في اقليم كردستان؟
بحكم عملي في مجلة سردم العربي، تصلني بشكل مستمر أهم الاصدارات من كردستان والعراق والوطن العربي. بمعنی أنني مطلع علی الشعر الكردي في الأجزاء الأربعة من كردستان بشكل جيد. و بناءاً علی سؤالك عن الفرق بين التجارب الشعرية في الجزيرة السورية وباقي التجارب في المنافي واقليم كردستان، أستطيع القول أن الشعر حتی هذه اللحظة في الجزيرة هو شعر متواضع جداً قياساً إلی الشعراء الرواد الكلاسيكيين أمثال جكر خوين وسيدايي تيريز، وبي بهار، عثمان صبري، زنار سلوبي.. وغيرهم. أغلب هذه التجارب ما زالت مقلدة نوعا ما للأب الشعري جكر خوين. وهذا الكلام لا يعني أن الجزيرة خالية من الشعر، بل شبه خالية من الشعراء الكبار. هناك أسماء لها حضور قوي أمثال أحمد حسيني، دلشا يوسف، خلات أحمد، جان دوست، عزيز غمجفين..و غيرهم.
إن الشعر الكردي في هذا الجزء المغلوب علی أمره، بسبب السياسة البعثية جعلت الاغلبية يتجهون إلی اللغة العربية، لذلك تجد من يكتب باللغة العربية أكثر من الذين يكتبون باللغة الكردية.
أما باقي الشعراء الكرد في المنافي فليسوا سوی صورة مصغرة ومؤلمة عن هذا الواقع الحقيقي في الجزيرة.
بالنسبة لاقليم كردستان، يكاد يكون الأمر مختلفا ومغايرا تماما، فالشعراء في هذا الاقليم أصحاب تجارب شعرية متميزة، ليس علی الصعيد الكردستاني فقط، بل علی الصعيد العربي والعالمي.
الحوار العربي الكردي
الشعر في اقليم كردستان العراق متوهج ومثابر ونشيط ومتمكن من أدواته اللغوية والفنية والشعرية، وهذا عائد في جانب منه إلی المدارس والجامعات الكردية في هذا الاقليم منذ انشاء الدولة العراقية في عام 1920، وهذا الجانب له أهميته الكبری في تجديد اللغة والعمل عليها. لذلك عندما نحكي عن التجربة الشعرية في اقليم كردستان فأننا نحكي عن مدارس شعرية لها خصوصيتها الإبداعية.
فإذا كان هناك أدونيس والماغوط وأنسي الحاج في الشعرية العربية، فهناك شيركو بيكس ولطيف هلمت وبدرخان سندي في الشعرية الكردية.
ما رأيك في موضوع الحوار العربي الكردي وما هي استفادة الكورد من ذلك؟
الحوار في أغلب الأحيان يمنع الحرب، ويؤدي في أغلب الأحيان إلی منع سفك الدماء. الحوار العربي الكردي تم مرارا وتكرارا مع الحكومات المتعاقبة في العراق، لكن هذا الحوار كان ينتهك من الجانب العربي.
اڵان، وبعد تجربة الكرد الناضجة في اقليم كردستان اصبحوا متمسكين بالحوار اكثر من أي وقت مضی، فالكرد أصحاب سلام وأصحاب حرية وأصحاب تعايش سلمي مع جميع المكونات الأخری.
تجربة الكرد مع العرب دليل علی أن الحوار العربي الكردي في تفاهم مستمر، فأغلب الدول العربية تحترم تجربة كردستان العراق في التعايش في دولة العراق الفيدرالي، وهذا بحد ذاته انتصار للسياسة الكردية المستندة علی الحوار. وربما الفائدة العظيمة في ذلك هو هذا السلام والطمأنينة في هذا الاقليم.
وحسب الحمكة المتداولة الجلاد لا يحاور الضحية. والكرد طوال تاريخه ضحية للدول المستبدة في العراق و سوريا وتركيا وايران. هذه الدول تضع شروط الحوار والقتل والترحيل والانفال و القصف الكيماوي. في ظل حوار كهذا أنا ايضا اتساءل ما هي استفادة الكرد من ذلك؟
ما هو المطلوب من المثقف الكردي إزاء الحالة العامة أمطلوب منه أن يندمج أو يحاور أو ينتظر أم ماذا ô.؟
نحن في زمن لا مكان فيه للمثقف، لا في كردستان فقط، وإنما في جميع دول العالم. السياسي يعلن الحرب، والسياسي يخمد الحرب. السياسي يدمر والسياسي يبني. السياسي يقتل والسياسي يمشي في جنازة القتيل.
علی المبدع الحقيقي إن كنت تقصد ذلك التفرغ للإبداع، فبإمكان أي شخص أمّي ومتخلف أن يُسكت أهم مثقف وأهم كاتب بطلقة واحة من المسدس.
الترجمة إلی حد تجدها مهمة في إيصال الشعر من لغة إلی أخری؟
أغلب الشعراء العالميين قرأناهم عن طريق الترجمة، فلولا الترجمة لبقيت قراءتنا في جانب منها معتمة، ولبقيت روحنا أقل فرحاً. الترجمة مهمة جداً، فالانسان لا يتقن سوی لغتين أو ثلاث لغات. عن طريق الترجمة استطعنا قراءة معظم الشعر العالمي والانساني.. ففي الترجمة تتقارب الشعوب وتحتك الثقافات والحضارات. فنحن اڵان بأشد الحاجة إلی معرفة بعضنا البعض وخاصة في الشعر، بإعتباره سيبقی ديوان العرب.
من بيده مفتاح الترجمة؟
الدولة.. المؤسسات.. المجتمع الحضاري. وكما يقول الصديق المترجم آزاد البرزنجي له أكثر من 45 كتاباً في الترجمة أي مجتمع يخلو من حركة ترجمة جادة، هو مجتمع غير مدني وغير حضاري.
في رأيك من هو الشريك الحقيقي للمثقف اليوم؟
الشريك الحقيقي للمثقف هو المثقف. تماشياً مع موضة اليوم. فشريك السياسي هو السياسي. وشريك المدمن هو المدمن. وشريك الحرامي هو الحرامي. وشريك العَالم هو العالم. وشريك المخترع هو المخترع. وشريك المتشرد هو المتشرد. وشريك اللاجئ هو اللاجئ. وشريك الميت في قبره هو الميت في القبر المجاور.[1]