د.أحمد أبو مطر
09-06-2014
أعرف مسبقا وعن وعي بالسائد في الحياة السياسية والثقافية العربية سواءا لدى غالبية الشعوب أم حكامهم المتسلطين المصرّين على البقاء في الكرسي من المهد إلى اللحد، أي حتى يتذكرهم عزرائيل ملك الموت إلا في حالات نادرة، ومن ضمن ما أعرفه عن هذا السائد في التفكير والثقافة العربية ردة فعل الغالبية على فكرة هذه المقالة، إذ سيعتبرها البعض دعوة وتحريضا على تقسيم وتجزئة الأقطار العربية التي أساسا لم تكن موحدة يوما ما، وبينها من الحساسيات والمشاكل وأحيانا الحروب العسكرية أكثر مما بينها مجتمعة والاحتلال الإسرائيلي.
وطن كردي قومي تمّ تقسيمه وتوزيعه،
وهذه حقيقة تاريخية موثقة شاء من شاء ورفض من رفض فحقائق التاريخ ثابتة ولا يمكن تجاهلها أو تخطيها، فلماذ بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى يتمّ تقسيم الوطن القومي الكردي ليتوزع على دول المنطقة ليصبح (شمال شرق العراق) و (شمال غرب إيران) و (شمال شرق سوريا) و (جنوب شرق تركيا) مع ملاحظة معاشة وموثقة هي أنّ الدول الأربعة مارست وما زالت (ماعدا ما أصبح إقليم كردستان العراق منذ عام 1990 تقريبا) تمارس نفس السياسة العنصرية ضد المكون القومي الكردي الذي لا يقل تعداده في الدول الأربعة عن أربعين مليونا، وأهم تلك الممارسات العنصرية منع استعمال اللغة الكردية والقيام بتطبيق سياسة تطهير عرقي لإجلاء ما أمكن من الشعب الكردي من مناطقهم التاريخية وإحلال القوميات الأخرى للدول الأربعة المحتلة مكانهم، و قد اشتهر جدا كتاب البعثي "محمد طلب هلال" المسؤول السياسي للحزب في محافظة الحسكة، وقد اصدره عام 1964 بعنوان (دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية والسياسية والاجتماعية)، وهو كتاب يمكن تسميته (مذكرة التطهير العرقي ضد القومية الكردية في سوريا)، لإجلاء ما أمكن منهم وإحلال السوريين العرب المؤيدين للحزب مكانهم، وتشير بعض التقارير إلى وجود عشرات اللاف من الكرد في سوريا كانوا وما زالوا محرومين من الجنسية السورية رغم وجودهم وولادتهم في قراهم ومدنهم الكردية منذ مئات السنين. ونفس القمع ضد القومية الكردية ممارس في تركيا وإيران حيث نظامين يحكمان بإسم الإسلام ويمارسان هذا القمع ومصادرة الحريات مما يسيء لمصداقيتهما، وأنّ النظامين يتخذان الإسلام غطاءا لممارساتهما ومصادرتهما للحريات الديمقراطية لكافة القوميات غير الفارسية والتركية.
وقائع كردستان العراق بعد عام 1991
اختلف وضع الشعب الكردي في إقليم كردستان العراق منذ عام 1991 جذريا عن باقي أقاليمه المحتلة، بعد فرض الحصار الدولي على نظام صدام حسين إثر غزوه واحتلاله لدولة الكويت، إذ توفرت حماية دولية لهذا الإقليم فتبلور وضعه بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003 إلى ما يشبه حقيقة دولة مستقلة لا ينقصها سوى الإعلان الرسمي عن قيام تلك الدولة. إذ توجد حكومة لإقليم كردستان مستقلة عن حكومة العراق التي يرأسها نوري المالكي منذ مايو 2006 ، ولإقليم كردستان عدد من النواب في البرلمان العراقي، ويدار الإقليم في كافة نواحي الحياة اليومية بشكل مستقل عن حكومة العراق، مما يجعل الوضع بين الحكومتين أو الإقليمين الكردي والعربي العراقي أقرب لوضع الكونفدرالية.
فماذا سيخسر العراق من استقلال إقليم كردستان؟
طالما وضع الإقليم الكردي شبه مستقل في غالبية نواحي حياته وخططه، فأعتقد عن قناعة أنّ العراق دولة وشعبا لن يخسر شيئا من تشجيع الإقليم الكردي على الاستقلال والاعتراف به دولة مستقلة تربطها علاقات صداقة مع دولة العراق، وعندئذ من الطبيعي أن يستمر التنسيق الحالي بين الدولتين بل سيزداد تصعيدا عند امتلاك كل دولة الحرية في اتخاذ قراراتها وتوجهاتها بشكل مستقل. والتأكيد على أنّ العراق لن يخسر من استقلال الإقليم يكون من خلال الجواب على سؤال: ما هي المكتسبات الحالية لدولة العراق من وجود إقليم كردستان ضمن الدولة وهو في وضع شبه مستقل حقيقة؟. إنّ الخلاف والتمسك العربي بعدم الاعتراف باستقلال إقليم كردستان العراق هو فقط نسبة النفط الموجودة والمستخرجة من أرض الإقليم، وهذا ليس سببا كافيا لمصادرة حق شعب في الحرية والاستقلال، رغم بدء إقليم كردستان منذ شهور بتصدير نفطه عبر تركيا بشكل مستقل عن حكومة بغداد رغم رفض هذه الحكومة لهذا الإجراء.
لماذا وافق السودان على رغبة شعب الجنوب؟
أصحاب النزعة القومية الوحدوية الذين يعتبرون استقلال إقليم كردستان هو تجزئة وتقسيما للعراق، لم نسمع منهم رفضا لموافقة حكومة السودان على نتائج استفتاء شعب جنوب السودان، والاعتراف بجمهورية جنوب السودان دولة مستقلة وتوالي الاعتراف الدولي بها ودخولها عضوا في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومن المهم التركيز على مسألة مهمة وهي تشجيع دول عديدة على عدم الاعتراف باستقلال دولة إقليم كردستان خاصة البعث السوري و أردوغان التركي وملالي إيران، لأنّ هذا الاستقلال سيغذي ويشجع الأقاليم الكردية الثلاثة الأخرى على السير نحو نفس خطوة إقليم كردستان العراق، ولاحقا العودة لتوحيد الأقاليم الأربعة وصولا لوطن ودولة كردية موحدة. رغم كل هذه العوائق يبقى حلم الشعب الكردي بدولة موحدة مستقلة مشروعا، يجب دعمه والموافقة عليه من كافة الشعوب التي تساند الحرية والديمقراطية، فالحرية والدولة المستقلة حق مشروع لكل الشعوب، فلا يوجد شعب يستحق الاستقلال وشعب لا يستحقه، بدليل تصاعد حركة المطالبين باستقلال إيرلندا الشمالية عن المملكة المتحدة (بريطانيا)، ومن المحتمل اجراء استفتاء ليقرّر شعب شمال اسكتلندا الاستقلال أم البقاء ضمن المملكة المتحدة. ومن يرفض حرية واستقلال الشعب الكردي يكون مزدوج التفكير عندما يطالب بحرية الشعب الفلسطيني وقيام دولته المستقلة.
نقلاً عن صحيفة إيلاف الألكترونية