بدأت المشكلة الكوردية تظهر بصورة واضحة في العصر الحديث عند اصطدام الدولتين الصفوية الشيعية والعثمانية السنية عام (1514م) في معركة جالديران التي كانت كبيرة وغير حاسمة، كان من نتائجها تقسيم كوردستان لأول مرة، حيث تم إحتلال قسم منها من قِبل العثمانيين والقسم اڵاخر إحتله الصفويون. في 17 ايار سنة 1639، تمّ تثبيت ذلك التقسيم نهائياً بموجب معاهدة قصر شيرين (زهاب) التي أُبرمت بين الإمبراطوريتين المذكورتَين
كان للكورد دوراً حاسماً في إنتصار الدولة العثمانية علی الدولة الصفوية، حيث تحالف معظم الأمراء الكورد مع العثمانيين. لعِب العامل الطائفي دوراً بارزاً في التحالف الكوردي – العثماني، حيث أن أكثرية الكورد والأتراك ينتمون الی المذهب السُنّي (1)
في عام (1515م) قام العلامة إدريس، بعد تفويضه من قبل السلطان العثماني، بعقد اتفاقية مع الأمراء الكورد، يتضمن اعتراف الدولة العثمانية بسيادة تلك الإمارات علی كوردستان، وبقاء الحكم الوراثي فيها، ومساندة الأستانة لها عند تعرضها للغزو أو الاعتداء مقابل أن تدفع الإمارات الكوردية رسوم سنوية كرمز لتبعيتها للدولة العثمانية، وأن تشارك إلی جانب الجيش العثماني في أية معارك تخوضها الإمبراطورية، إضافة إلی ذكر اسم السلطان والدعاء له من علی المنابر في خطبة الجمعة. وقد تضمن هذا الاتفاق اعترافًا من الدولة العثمانية بالسلطات الكوردية.....
ومنذ ذلك الحين تغيرت مخططات الكورد لمستقبلهم، وصاروا يتطلعون إلی الاستقلال عن كل الدول التي يعيشون فيها، وإقامة دولة كوردية تقوم علی وحدة العِرق الكوردي، وليس علی أية رابطة أخری، ومن ثَمَّ الانفصال عن الخلافة الإسلامية الكبری القائمة في عصرهم وهي الخلافة العثمانية.(2)
اتفاقيات ومعاهدات بين العثمانيين والصفويين
عام (1555م) عقدت الدولتان العثمانية والصفوية اتفاقية ثنائية بين السلطان العثماني سليمان القانوني والشاه طهماسب عُرِفت باتفاقية أماسيا لتعيين الحدود تُعدُّ هذه المعاهدة أول معاهدة رسمية بين الدولتين.
وتمَّ بموجبها تكريس تقسيم كردستان رسميًّا وفق وثيقة رسمية، نصت علی تعيين الحدود بين الدولتين، وخاصة في مناطق شهرزور، وقارص، وبايزيد (وهي مناطق كوردية صرفة) هذه الاتفاقية تلتها عدة اتفاقيات معاهدات اخری
أ-معاهدة زهاو أو تنظيم الحدود عام (1639م)
ب-أرضروم الأولی (1823م)
ج-أرضروم الثانية (1847م)
د-اتفاقية طهران (1911م)
ه-واتفاقية تخطيط الحدود بين الدولتين: الإيرانية والعثمانية عام (1913م) في الأستانة
هذه الاتفاقيات والمعاهدات كانت بمثابة صفعة ڵامال الشعب الكوردي في الحصول علی استقلالهم......... (3)
ضُرِبَت الجهود الكوردية للاستقلال في مقتل إثر اتفاقية سايكس بيكو عام (1916م)؛ التي ضمت القسم الاكبر من كوردستان العثمانية الی ثلاث كيانات سياسية مصطنعة تركيا،سوريا،العراق حيث اجتمع وزراء الخارجية الروسية والبريطانية والفرنسية، ودارت بينهم مباحثات سرية حول الترتيبات المقبلة للشرق الأوسط، بعد أن أصبحت هزيمة ألمانيا وحليفتها الدولة العثمانية وشيكة، وتضمنت الاتفاقية تقسيم تركة الدولة العثمانية، وبما أن القسم الأكبر من كردستان كان تحت السيطرة العثمانية، فقد شملها التقسيم، وهذا الوضع الجديد عمَّق بشكل فعّال من تعقيد المشكلة الكوردية؛ حيث تُعَدُّ معاهدة سايكس بيكو أول معاهدة دولية اشتركت فيها ثلاث دول كبری، وحطمت اڵامال الكوردية في تحقيق حلمهم في تقرير المصير.
ركز الكورد اهتمامهم نحو مؤتمر الصلح الذي انعقد في باريس في مارس 1919م، خاصة وأن هذا العام قد حفل باڵامال بالنسبة للكورد والعرب والأرمن، فقد أقبلت هذه السنة ومعها وعود ويلسون بتقرير مصير الشعوب.
ففي البند الثاني عشر يقول
12. ضمان سيادة الأجزاء التركية وإعطاء الشعوب الأخری غير التركية التي تخضع لها حق تقرير المصير، وحرية المرور في المضائق لجميع السفن بضمان دولي. (4)
اتفاقية سايكس بيكو 1916
اتفاقية سيفر
وقّعت حكومة إسطنبول برئاسة علي رضا باشا يوم 10-08-1920 علی معاهدة (سيفر) والتي نصّت علی الاعتراف بأرمينيا، والعراق وسورية تحت الانتداب الفرنسي والبريطاني.
كما نصّت البنود 62، 63، 644 من الفقرة الثالثة علی منح المناطق الكورديّة الحكم الذاتي، واحتمال حصول كوردستان علی الاستقلال، والسماح لولاية الموصل بالانضمام إلی كوردستان، طبقاً للبند 62. ونصّ البند 64 من الاتفاقيّة علی التالي: (في غضون سنة واحدة من هذا التاريخ، إذا ظهر الشعب الكوردي القاطن ضمن المناطق المحددة في المادة 62، أن اغلبيّة سكان تلك المناطق ترغب في الاستقلال عن تركيا، واذا رأی المجلس (مجلس عصبة الأمم) أن هؤلاء جديرون بهذا الاستقلال، وإذا أوصی بأن تمنح لهم، فعلی تركيا أن توافق علی تنفيذ مثل هذه التوصية، وان تتنازل عن كل حقوقها وامتيازاتها في تلك المناطق). (5)
الأتراك والعرب والفرس يتبجحون بأن كوردستان لم تكن مستقلة في السابق في العصر الحديث ولذلك لا يحق لها الإستقلال، بينما كانت كوردستان جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، كغيرها من المناطق وأن العراق الحالي وسوريا وتركيا ولبنان والسعودية والأردن الحالية وغيرها من دول المنطقة، لم يكن لها وجود قبل الحرب العالمية الأولی ككيانات سياسية، حالها حال كوردستان
اتفاقية سيفر-الاراضي المخصصة لدولة كوردستان تظهر بالون الاصفر والابيض
اتفاقية لوزان
رفضت حكومة أنقرة هذه المعاهدة سيفر واعتبرتها إذلالاً للسلطنة وظلماً بحقّها، وتخاذلاً من حكومة إسطنبول والسلطان، وان الفريق الحاكم في إسطنبول قد خان الوطن.
ففي 30-10-1922 قدّم مصطفی كمال اتاتورك مشروع قرار إلی البرلمان يطالب فيه بإلغاء السلطنة ويتهم السلطان بالخيانة العظمی. ووافق البرلمان علی ذلك في 01-11-1922 بفصل السلطنة عن الخلافة وإلغاء الأولی!.
نجحت حكومة أنقرة في إقناع الكورد بإرجاء مطالبهم القوميّة، عبر قطع الوعود لهم، فأرسل مصطفی كمال وفداً إلی مؤتمر لوزان، برئاسة صديقه عصمت إينونو (1884 - 1973). وأثناء تواجد الوفد هناك، طلب مصطفی كمال من النواب الكورد في البرلمان (72 برلماني)، الرد علی الاستفسار، الذي وصله من إينونو (كوردي الأصل)، في مؤتمر لوزان، حول رغبة الكورد في البقاء ضمن الدولة التركيّة الجديدة. فردّ النائب الكردي عن محافظة (أرضروم) جنوب شرقي تركيا، حسين عوني بيك، قائلاً: (إن هذه البلاد هي للأكراد والأتراك. وإن حقّ التحدّث من هذه المنصّة (البرلمان)، هو للأُمتَين، الكرديّة والتركيّة). وأيده النواب الكورد في البرلمان. وبموجبه، أعلن إينونو في مؤتمر لوزان، أن (تركيا هي للشعبَين، التركي والكوردي، المتساويَين أمام الدولة، ويتمتعان بحقوق قوميّة متساوية).
وحين وجد المشاركون، أن الكورد، لا يريدون الانفصال عن تركيا، وأن الأخيرة وعدت بتلبية مطالبهم القوميّة، وافقوا علی غض النظر عن أي فكرة لاستقلال كردستان، وحذفوا ذكر الكورد من وثائق المؤتمر.
وتمّ التوقيع علی معاهدة لوزان بين الحلفاء وحكومة أنقرة في 24-07-1923.
وبعد إعلان مصطفی كمال – أتاتورك ولادة الجمهوريّة التركيّة في 29-10-1923، وضمانه دعم الغرب والقوی العظمی، وتغاضيها عن مذابح الأرمن وحقوق الكورد بدأ أتاتورك التنصّل مما جاء في معاهدة لوزان أيضاً، ووعوده للكورد.
وبدأت مرحلة مريرة ومظلمة في حياة كورد تركيا. وكردّ فعل علی (خيانة) أتاتورك لوعوده التي قطعها للكورد، اندلعت انتفاضة الشيخ سعيد بيران، عام 1925، وساندها الأرمن والشركس والعرب والأشوريين في مناطق جنوب شرقي تركيا. وانتهت هذه الانتفاضة بالسحق واعتقال الشيخ سعيد وإعدامه مع رفاقه في 30-05-1925. ثم اندلعت انتفاضة جبل آغري، بقيادة الجنرال في الجيش العثماني، إحسان نوري باشا (1893 – 1976) عام 1926 واستمرّت لغاية 1930. وأيضاً تمّ سحقها.
ثمّ أتت انتفاضة الكورد العلويين في محافظة ديرسم، بقيادة سيد رضا، عام 1937 - 1938. وتمّ سحقها عبر استخدام الطيران. وكانت ابنة أتاتورك بالتبنّي، صبيحة غوكتشن (أوّل أمرأة تقود طائرة حربيّة في تركيا والعالم. ويقال إنها من أصول أرمنيّة، بحسب الكاتب التركي الأرمني الراحل هرانت دينك) هي التي تقصف مدينة ديرسم بالقنابل.
وراح في المجازر التي ارتكبت في سحق الانتفاضات الكورديّة عشرات الألوف من الكورد، ومئات الألوف من المشرّدين والمهجّرين قسراً. (6)[1]
مصدر: موقع الكتروني: دیروكا- كردي