$20 كانون الثاني، عامٌ من العدوان التركي المستمرّ على منطقة عفرين الكردية – السورية$
كارثة إنسانية أوقعها العدوان التركي على البشر والحجر والشجر في منطقة عفرين (كرداغ)- الكردية، أقصى شمال غرب سوريا، التي كانت في أمان واستقرار ملحوظين، ضمن أجواء الحرب السورية العامة، والتي كانت تشهد تطوراً طبيعياً وتقدماً في مجالات السياسة والثقافة والزراعة والتجارة والصناعة وغيرها، بإدارة ذاتية من قوى محلية، رغم أخطاء وسلبيات رافقتها، كما أوت على مدار سبع سنوات ما يقارب /300/ ألف نازح من كافة المناطق السورية.
عفرين لم تكن يوماً خطراً على محيطها، وكانت قواتها المسلحة والأمنية في حالة دفاع عن الذات على الدوام، وقد تلقت ما يقارب /50/ هجوماً عدائياً بين أعوام /2012-2017/ من جهة فصائل جهادية إرهابية (داعش، النصرة) وبعض فصائل ما يسمى بالجيش الحرّ ومن الجيش التركي أيضاً، تسبب بأضرار مادية ووقوع ضحايا قتلى شهداء وجرحى. سوى مشاركة وحدات حماية الشعب والمرأة YPG-YPJ مع قوى دولية في عمليات قتالية ضد تنظيمات النصرة وداعش الارهابية والتي كانت تُشكل تهديداً جدياً وخطراً على المنطقة.
$حملة إعلامية وتحشدات وعدوان$
سبق العدوان على عفرين حملة إعلامية واسعة من تركيا وأعوانها، بالترويج لخطاب حكومة العدالة والتنمية المستند إلى جملة من الحجج والذرائع (الكُرد انفصاليون وكفار، مكافحة إرهاب حزب العمال الكردستاني PKK ووحدات حماية الشعب، حماية الأمن القومي التركي، إقامة دولة كردية في شمال سوريا تمتد إلى البحر، استبداد حزب الاتحاد الديمقراطي واعتدائه على العرب والتركمان…)، وفي سياق اتفاقات أستانة عمد الجيش التركي إلى تكثيف تحشداته العسكرية وتجنيد حوالي عشرين ألفٍ من عناصر فصائل جهادية سورية مسلحة، وإطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق تحت مسمى “غصن الزيتون”، بدأت بحملة جوية مؤلفة من /72/ طائرة حربية، قصفت أكثر من /100/ موقع، في الساعة الرابعة بعد ظهر 20 كانون الثاني 2018، من ضمنها مدينة عفرين.
وإذا كانت تركيا قد أعلنت حقها في الدفاع عن الذات-كما تدعي- بالاستناد إلى المادة /51/ من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، فإنها لم تستوفي شروط تلك المادة، من وجود تهديد وشيك أو اعتداء عليها، ولم تتوفر في حالة عفرين أية اعتداءات أو هجوم مسلح على أراضي الدولة التركية، ولم تكن هناك موافقة من مجلس الأمن أو تبليغ تركي له، بل إن تركيا تدخلت عسكرياً في أراضي دولة أخرى عنوةً، باستخدام كافة صنوف الأسلحة التقليدية والحديثة، الجوية والبرية، وضد إرادة شعبها وحكومتها التي رفضت ودانت العملية التركية رسمياً، إذ جاء العدوان التركي مخالفاً للقانون الدولي الإنساني، ليكون احتلالاً دامغاً برفع العلم التركي أيضاً على المباني الرسمية والإدارية وفي الساحات والمدارس بمنطقة عفرين، مما يفرض على عاتق حكومة أنقرة واجبات ومسؤوليات وفق لائحة لاهاي 1907 واتفاقيات جنيف الأربعة 1949 والبروتوكولات الاضافية والملحقة. ولكن الوقائع منذ عام تتحدث عن انتهاكات وجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، عبر سياسات ممنهجة في القمع والاضطهاد والتغيير الديمغرافي، ترتقي إلى مستوى التطهير العرقي بحق الكُرد، في ظل صمت دولي مريب.
$انتهاكات وجرائم$
وفق نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، يشكل العدوان بحد ذاته جريمة، دون أسباب ومبررات حقيقية ومقنعة، فيتوجب محاكمة مسؤولي الدولة المرتكبة لها.
– القتل العمد ومجازر وهجمات ضد المدنيين: لم يتوانَ الجيش التركي والفصائل المسلحة المتعاونة معه عن استهداف المدنيين، فقد ارتكبت مجازر جماعية أثناء الهجوم على عفرين (مدجنة روباريا، معبطلي، كوبليه، باسوطة، هيكجيه، مشفى آفرين، بربنه، جنديرس، فريرية، حي المحمودية، يلانقوز…)، وتم استهداف قوافل المدنيين المتضامنين مع عفرين، حيث قارب ضحايا الغزو إلى ما يقارب /300/ شهيد مدني، بينهم عشرات الأطفال والنساء، وأكثر من /1000/ جريح مدني، وازداد أعداد الشهداء المدنيين حتى تاريخه ليصل إلى ما يقارب /400/، بسبب عمليات السطو المسلح والتعذيب وانفجار ألغام أرضية وغيره.
– التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية أو المعاملة المهينة: يتعرض أهالي عفرين المتبقين إلى إهانات يومية وحالات ابتزاز واستفزاز، وعمليات اختطاف واعتقالات واسعة النطاق، حيث أن معظم المختطفين والمعتقلين تعرضوا للتعذيب بدرجات متفاوتة، وجرى تهديد بعضهم بالذبح وفق مقاطع فيديو منشورة؛ وقد تجاوزت أعدادهم /2600/ شخص بين رجال ونساء وأطفال، ولايزال مصير ما يقارب /1000/ مجهولاً، وأهالي أغلب المفرج عنهم قد دفعوا غرامات أو فدى مالية وصلت أحياناً إلى /10/ ملايين ليرة سورية، حسب ما ذكره المرصد السوري لحقوق الإنسان، وتؤكده الأخبار اليومية المتواردة.
– تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها: منذ اليوم الأول للعدوان، جرى تدمير منازل سكنية وممتلكات عامة، ولجأ الغزاة إلى تعفيش المنازل ومصادرة الممتلكات والأموال، وقد سمي يوم /18/ من آذار، بيوم الجراد، لما تعرضت له فيه مدينة عفرين إلى عمليات سرقة واسعة للمحلات والمستودعات والمنازل والآلات والآليات على مرأى ومسمع العالم، فالنهب والسلب والسطو المسلح حتى تاريخه جارٍ على نطاق واسع. معظم معاصر الزيتون ومعامل البيرين والصابون وورشات الألبسة ومحلات ومستودعات المنطقة الصناعية تعرضت للسرقة أو دفع أصحابها مبالغ مالية كبيرة للفصائل المسلحة من أجل حماية منشآتهم أو استعادة مسروقاتهم. وعمليات الاستيلاء على محلات ومنازل وعقارات وأراضي زراعية ومواسم الحبوب والعنب والفاكهة والزيتون.
– الأسرى والحبس غير المشروع والاختفاء القسري: لم يفصح الجيش التركي عن أعداد الأسرى ومصيرهم، كما أن لدى كل فصيل مسلح سجون خاصة، ولا يزال ما يقارب /1000/ شخص معتقل مجهول المصير.
– تمثيل بالجثامين: أثناء الحرب نشر المسلحون الجهاديون مقاطع فيديو تُظهر اعتدائهم المقزز على جثامين شهداء مقاتلين أكراد، حيث أن إجرامهم بحق جثمان الشهيدة بارين كوباني أفصح عن مدى الحقد الدفين في نفوسهم.
– إبعاد السكان وتغيير ديموغرافي: عبر هجمات أكثر شراسة على عفرين وريفها، تم تهجير ما يقارب /200/ ألف من أهالي عفرين قسراً، ولم يتكمن ما يقارب /150/ ألف من العودة، بسبب إغلاق سلطات الاحتلال معابر عفرين ومنع النازحين من العودة، فبقوا مشردين في مناطق النزوح، بلدتي النبل والزهراء وقرى وبلدات الشهباء-شمال حلب، ومنهم من فرّ إلى حلب ومناطق كوباني والجزيرة، في وقتٍ أغلقت فيه السلطات السورية أيضاً ولا تزال جميع ممرات التنقل أمامهم. كما تم إسكان عشرات آلاف من عوائل المسلحين المتعاونين مع تركيا وعوائل مهجري غوطة دمشق وغيرها في عفرين وريفها، مما شكل تغييراً للتركيبة السكانية للمنطقة.
– أضرار شديدة بالبيئة: منذ أكثر من سنتين، كانت السلطات التركية قد جرفت مساحات زراعية وحراجية واسعة، بعمق 200-500 متر وبمحاذاة الشريط الحدودي، لدى بنائها لجدار اسمنتي عازل، كما قامت آلياتها العسكرية بقلع مئات أشجار الزيتون في العديد من المواقع، مثل جبل بلال وجرقا وقرية درويش وفي قرية جيا – ناحية راجو وفي قرى حمام ومروانية فوقاني وتحتاني و أشكان غربي-ناحية جنديرس وقرمتلق وجقلي-ناحية شيه وبين قريتي كفرجنة ومتينا-ناحية شران، بقصد إقامة قواعد عسكرية، وتم إحراق غابات حراجية عمداً في جبال سارسين وهاوار وجرقا وبلال-راجو ورمضانا ووادي الجهنم وتترا وحج حسنا وموقع قازقلي وشيخ محمد وجولاقا-جنديرس وميدانكي والمحمودية-عفرين، وصلت مساحتها إلى ما يقارب 10 ألاف هكتار من أصل 32 ألف هكتار من غابات الصنوبر الطبيعية والمزروعة في منطقة عفرين. ومن جهة أخرى قطع وتحطيب أشجار الزيتون وأشجار معمرة وحراجية جار من قبل المسلحين والوافدين.
– قصف مواقع ومنشآت ومساكن مدنية: لم يتردد الجيش التركي في استهداف بنى تحتية ومواقع ومنشآت مدنية، من مشفى ومنشأة دواجن ومنشأة مواشي ومدارس وجوامع ومزارات ومراكز طبية ومباني إدارية وأفران خبز ومحطات مياه الشرب والري ومنشآت سد ميدانكي ومعاصر زيتون، وكذلك مساكن في مراكز النواحي وقرى تابعة لها. وإحراق منازل.
– رفض شكاوى المواطنين: معظم الذين تعرضوا للانتهاكات والجرائم لا يجرؤون للبوح عنها، خوفاً من عقوبات أشد، ولا تُجرى تحقيقات ومحاكمات عادلة حول الجرائم والانتهاكات التي تقع بحق المدنيين، كما لا تنظر سلطات الاحتلال بجدية إلى شكاوى المواطنين ولا تُعطيهم أجوبة مقنعة عليها، ولا تُفصح عن مصير مئات المعتقلين، وما بعض المحاكم المنشأة إلا للنظر في التهم الملفقة الموجهة للمعتقلين وتغريمهم، حيث معظم أهالي عفرين لا يتمكنون من رفع دعاوى قضائية ضد من أجرم بحقهم.
– استيلاء على قرى: عمد الجيش التركي وفصائل مسلحة إلى الاستيلاء على مساكن وبعض القرى ومنع أهاليها من العودة إليها، مثل (قسطل جندو، بافلون، جلبر وباسيلبه وغيرها، بعرافا، جيا ودرويش، شيخورز و قوتا، تللف…)، واتخاذها مقرّات عسكرية أو مساكن للعناصر.
– استخدام أسلحة محرمة: وردت أنباء من الادارة الذاتية أن الجيش التركي استخدم قنابل عنقودية، وكذلك غاز الكلور في قرية أرندة.
– الاغتصاب والاكراه على الزواج: رغم إحجام معظم من طالتهم تلك الجرائم عن البوح بها، فقد وردت أنباء عن حالات اغتصاب للنساء والفتيات، وحالات إرغام على تزويج الفتيات مُكرهات، إضافةً إلى شبكات دعارة.
– تجويع وإفقار المدنيين: إن سلطات الاحتلال عمدت ولا تزال إلى إحداث شلل عام في جميع القطاعات وسد أبواب العمل أمام أهالي عفرين، إضافةً إلى مصادرة ونهب ممتلكاتهم وأموالهم ومواردهم، حيث وصلت خسائر موسم الزيتون لوحده إلى ما يقارب /105/ مليون دولار، كل ذلك وفق سياسة إفقار ترمي إلى تهجير ما أمكن منهم.
– اضطهاد قومي: إن ما صرح عنه مراراً مسؤولين وجنود أتراك ومسلحين جهاديين عن تكفير الكُرد واتهامهم بالانفصاليين والارهابيين، وإطلاق فتاوى نهب ممتلكاتهم والاضرار بهم، تنم بالأساس من عداء عنصري وشوفيني نحوهم، حيث أن القمع والاضطهاد يطالهم بشكل ممنهج، في وقتٍ يتم فيه تفضيل الوافدين عليهم، بل ودفعهم للاعتداء على الكٌرد. عدا محاربة الثقافة واللغة الكردية وتغيير معالم وأسماء وقرى وبلدات والسعي لتفكيك النسيج الاجتماعي، والاعتداء على الرموز، مثل تدمير تمثال كاوا. إضافةً إلى إجبار أهالي عفرين الأصليين على طلب بطاقات تعريف شخصية تمنحها سلطات الاحتلال باللغتين التركية والعربية.
– اضطهاد ديني: تعرض الايزديون لانتهاكات عديدة، من تهجير وقتل وتعذيب وتشليح ومنعهم من ممارسة طقوسهم الدينية وكذلك إجبار بعضهم على الصلاة في الجوامع، والعبث بمزاراتهم، كما تعرضت كنيسة مسيحية للسرقة والنهب، ورغم قلة أعداد المسيحيين، لا يجرؤ أحدهم البوح عن دينه، حيث أن عفرين معروفة بطابعها الاجتماعي المنفتح، ونبذ التعصب في المعتقدات الدينية، إلا أن الغزاة يعملون على استجلاب ممارسات متشددة دينياً واجتماعياً ويعملون لفرضها على السكان الأصليين بجميع انتماءاتهم الدينية.
– تدمير مقابر ومواقع أثرية: من صلب مسؤوليات الاحتلال حماية الممتلكات الثقافية على الأرض، إلا أن العدوان التركي استهدف مواقع أثرية عديدة بالقصف الثقيل مثل (تل عين دارا الأثري، نبي هوري، تقلكه، مارمارون…) وأوقع فيها أضرار جسيمة لتختفي معها معالم تاريخية، كما أن سلطات الاحتلال تغض النظر عن عمليات سرقة الآثار والبحث عنها. ومن جهةٍ أخرى تم استهداف مقابر الشهداء في (كفرصفرة، متينا، كفرشيل) وأضرحة شخصيات دينية وثقافية، مثل ضريح الدكتور نوري ديرسمي، وتخريب مقابر وشواهد قبور مكتوب عليها باللغة الكردية.
– إشاعة الفوضى والفلتان: لم تلجأ حكومة أنقرة إلى بسط الأمن والأمان في منطقة عفرين، وشكلت مجالس محلية لم تكن إلا أدوات لتنفيذ سياساتها، بل وأفلتت يد الفصائل الجهادية المسلحة لترتكب أفظع الجرائم والانتهاكات، وهي التي تقاتلت فيما بينها أحياناً على خلفية خلافات حول السرقات ونطاق النفوذ. كما وقعت تفجيرات إرهابية بين المدنيين، أدت إلى وقوع ضحايا شهداء وجرحى.
– بنى تحتية ضعيفة وتدني الخدمات: السرقة والتخريب المتعمد طال بنى تحتية أساسية، من شبكات ومحطات ومراكز الكهرباء والهاتف ومياه الشرب ومدارس ومعاهد وجامعة وشبكات وقنوات الري الزراعي ومجموعات توليد الطاقة الكهربائية والبلديات، وتم إشغال بعضها كمقرّات عسكرية، فأصبحت في أدنى مستوى لها أو معدومة.
عن كل بندٍ مما ذكرناه آنفاً هناك المئات من الوقائع والدلائل، ذكرنا منها في تقارير سابقة، وجرى الحديث عنها في عشرات من التقارير التي تصدرها هيئات ومؤسسات إعلامية وحقوقية مهتمة.
إن نداء أهالي عفرين أينما كانوا هو إنهاء الاحتلال التركي وإخراج الفصائل المسلحة من منطقتهم، وعودة جميع النازحين إلى ديارهم، وهم يواصلون كفاحهم العادل بكافة السبل والوسائل المشروعة دفاعاً عن قضيتهم وفي تعرية سياسات تركيا العدائية وفضح جرائمها اليومية المرتكبة.
#20-01-2019#
المكتب الإعلامي-عفرين
حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)