نسمات للدراسات الاجتماعية والحضارية
مقدمة
تتعرض حرية التعبير في تركيا إلى هجوم مستمر ومتزايد، وخاصة منذ قرار الحكومة بالاستيلاء على مجموعتي “إيباك” و”فضاء” الإعلاميتين اللتين كانتا تضمّان عشرات القنوات التلفزيونية والصحف اليومية والمجلات الأسبوعية في الأول من مارس 2016؛ ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو/تموز 2016، يواجه أكاديميون، وصحفيون، وكتاب ينتقدون الحكومة، إحالات إلى التحقيق الجنائي، وملاحقات قضائية، وألوانًا شتى من الترهيب والمضايقة والرقابة المستمرة.
وقد تزامن ذلك مع إغلاق السلطات 189 وسيلة إعلامية على الأقل، بموجب مرسوم تنفيذي أصدرته في إطار حالة الطوارئ المفروضة على البلاد. فالرسالة التي أرادت السلطات إيصالها وما ترتب عليها من تأثير على وسائل الإعلام واضحة ومقلقة؛ إذ إن شدة القمع الذي تمارسه الحكومة في حق وسائل الإعلام، جعلت البعض يصفون ما يحدث بأنه “موت الصحافة”.
لقد غدت تركيا من أسوأ دول العالم من حيث التعامل مع الصحفيين، حيث صنفها الاتحاد الدولي للصحفيين(IFJ) بأنها أكبر سجن للصحفيين في العالم للعام الثاني على التوالي، إذ يمثل الصحفيون المعتقلون في تركيا، نصف عدد الصحفيين المعتقلين على مستوى العالم. ويقبع وراء جدران سجونها بعض أشهر الصحفيين الذين يحظون بالاحترام في تركيا. كما جاءت طبقًا لمؤشر حرية الصحافة الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود(RSF) أبريل 2018 في الترتيب 157 (تراجعت نقطتين عن العام الماضي) من بين 180 دولة.
إن التقرير الذي بين أيدينا، يعطي صورة عن طبيعة الوضع المزري الذي آلت إليه حرية التعبير في تركيا، لا سيما بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016، ويسلط الأضواء على الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون الأتراك من اعتقالات ومحاكمات وتهديد ونفي وتشريد إجباري من البلاد ومصادرة ممتلكات وأوضاع معيشية صعبة، وما يواجهونه من مضايقات عديدة، لا سيما من قبل الهيئة القضائية التي تسيطر عليها السلطة الحاكمة في تركيا.
وسيتم تناول هذا الموضوع من خلال المعلومات والبيانات الواقعية التي تتناقلها وسائل الإعلام المحلية والعالمية، والواردة في تقارير منظمات حقوق الإنسان، والتي تؤكد جميعها أن تركيا أصبحت دولة لا تحترم حرية مواطنيها، لا سيما ما يخص حرية الإعلام.