شيروان فاتح (مواليد العراق، 1974)، يعيش ويعمل في السليمانية بالعراق. وهو ينتمي إلى موجة جديدة من فناني السليمانية ترتبط أعمالهم بالمكان، والتركيب، والفيديو آرت. يركز شيروان فاتح على نظام التعليم في العراق، ويعمل عن قرب مع المدارس والتلاميذ لإنتاج أعماله. من أجل عمله “ممحاة” (2009) جمع شيروان ممحاوات من تلاميذ ستة صفوف مختلفة في مدرسة ابتدائية بالسليمانية. والتقط في ذلك العمل الصراع القائم بين الطبيعة والتعليم، وعمليات التكرار والتصحيح في الأنظمة التعليمية المصممة للتلاميذ. عن هذا وعن عمله الأخير يدور حواره هذا مع رؤية.
ما الذي جذبك كفنان إلى فكرة العمل مع المدارس وتلاميذ المدارس؟
المدرسة فضاء عام، وجزء أصيل من المجتمع الذي تنتمي إليه. تركيزي على التعليم يستهدف تناول مشكلات أوسع نواجهها في كردستان وفي العراق. في مشروع سابق لي عنوانه “ممحاة” (2009)، اهتممت بكيفية صياغة التعليم لسلوكنا كأفراد وتكريسه أعرافا اجتماعية. من ذلك على سبيل المثال، أن الجميع يخطئون، لكن نادرا ما يعترف الناس بأخطائهم، لا سيما من كان منهم ذا سلطة، كرجال السياسة والزعماء. غير أن تلاميذ المدرسة الابتدائية يعترفون بأخطائهم. في “ممحاة” جمعت الممحاوات من تلاميذ في ستة صفوف دراسية مختلفة بمدرسة في السليمانية. كلما تقدم التلاميذ في السن، قل استعمالهم الممحاوات. كنت أتساءل: عندما يرتكب الكبار أخطاء، لماذا يخفونها؟ من أين يأتي هذا الإحساس بالعار؟
في سنك هذه، إلى أي مدى تعتمد على تجربتك في المدرسة وفي الطفولة؟
نحن نتعامل مع التعليم في العراق اليوم وكأنه نظام عسكري. هو استمرار لنظام التعليم الذي نشأ في ظل دكتاتورية صدام على مدار عقود. ذلك ما لمسته من واقع تجربتي في المدرسة في الثمانينيات. وعملي يمثّل ردَّ فعل لتجربتي الخاصة التي مررت بها وأنا في معسكر تابع للجيش كان غارقا في البروباجندا، وليس وأنا طفل في المدرسة. كلنا مررنا بهذا. أعتقد أن هذا العنف الكامن في نظامنا التعليمي هو بعض من تركة نظام صدام البعثي. كان التركيز منصبّا على الحروب، حتى كتب الرياضيات في المرحلة الابتدائية كانت مزودة برسوم إيضاحية لصواريخ ودبابات نتعلم من خلالها العدد والحساب. في عملي الأدائي التركيبي “معطف أبي” (2017)، أستعيد هذه الفكرة المتعلقة بالمعلم بوصفه سلطة بطريركية، وألقي الضوء على الآثار المستمرة لهذا عبر الأجيال.
كيف طورت هذه المفاهيم في عملك الأخير؟
نظرت إلى هذه النزعة العسكرية التنظيمية في أنظمتنا التعليمية، ورأيت أنها تمتد إلى الطريقة التي تدار بها مجتمعاتنا في العصر ما بعد الصناعي. في عملي التركيبي الجديد “غبار التعلم” (2016)، رسمت جدولا على سبورة سوداء، وعلقت الأجراس المدرسية التي جعلتها تشبه عقارب الساعة. وقدمته في معرض جماعي بعنوان “صخب” أشرف عليه الفنان شيركو عباس في معهد الفنون الجميلة بالسليمانية. سؤال العمل هو: هل يمكن أن يكون التعلم محكوما بالزمن؟ الراغبون في التعلم سوف يتعلمون مهما يكن، في أي وقت من اليوم، وغالبا ما يكون ذلك على نحو عفوي. في رأيي أن التوقيت العسكري نقطة ضعف في نظامنا التعليمي.
الثيمات التي تتناولها من قبيل تقسيم الوقت، والخامات التي تستعملها، مثل السبورة والممحاة، مألوفة في أي مدرسة في أي مكان في العالم. لماذا تركز على المدارس في العراق؟
بحسب الأوراق البحثية التي اطلعت عليها، يشجع نظام التعليم الصحي الأفراد على السعي وراء أفكارهم وتصحيح أخطائهم. هؤلاء الأفراد هم الذين من شأنهم أن يحدثوا التغيير ويسهموا في مجتمعاتهم. وأنا أعتقد أن نظامنا التعليمي القائم لا أثر له على المجتمع، وأرغب كفنان أن ألقي الضوء على هذا.
كان العراق معروفا بقوة نظامه التعليمي حتى الثمانينيات. في رأيك ما الذي أسهم في انحداره؟
نظام التعليم القائم حاليا في العراق جديد نسبيا بالمقارنة مع أنظمة التعليم في أوربا. لقد أقيمت أولى المدارس في العراق في عشرينيات القرن العشرين بعد أن وصل الملك إلى الحكم. أقيمت مدرسة الحلف للبنات Alliance School for Girls في بغداد سنة 1921 ثم أقيمت مدرسة الجزويت الأمريكية في كلية بغداد سنة 1932. وبرغم أن هذه المدارس كانت طائفية في الغالب، فقد كانت تقبل التلاميذ من مختلف الأديان. قبل ذلك كان التعليم يجري داخل مؤسسات العراق الدينية. ولقد عانت المؤسسات التعليمية الحديثة مثلما قلت بسبب الحروب التي خضناها منذ عام 1980، وبسبب دعاية النظام البعثي. صارت الحزبية هي قوة الدفع الرئيسية للتعليم، وليس التعلم. وساءت الأوضاع في أثناء العقوبات، ثم ساد الركود التام. سياساتنا التعليمية ومناهجنا لم تتغير منذ ثلاثين عاما وأكثر، وهو ما يجعل من هذا النظام التعليمي كله باليا، وهذا أقل ما يقال فيه. صحيح أننا شهدنا بعض الإصلاحات لكنها في رأيي شكليات عديمة المعنى. فلم أشهد أي تغيير فعلي.
هل تعتبر نفسك ناشطا في المجتمع؟
كفنان، عليّ أن أعمل مع الناس، لكنني لا أعتبر نفسي ناشطا. أنا أطرح أسئلة وأعالجها على الجمهور، سواء أكان ذلك في عملي أم في حواراتي اليومية. في المقابل، يطرح الجمهور أسئلة عليّ، فهي عملية متبادلة.
ما مفهوم الطفل لديك، وما سر أهميته بالنسبة لك كفنان؟
الأطفال حساسون، ومثلما يتبين من مشاريعي، يمكن أن يتشكل سلوكهم أو فهمهم للعالم بسهولة، وبالسهولة نفسها يمكن التلاعب به. حينما كنت أعمل على “ممحاة”، حاولت أن أخلق بيئة سعيدة مريحة للأطفال، مع دفعهم إلى المشاركة وطرح الأسئلة. كنت أريدهم أن يفكروا تفكيرا نقديا، ويشتبكوا مع المشروع، خلافا للتعليم شبه العسكري الذي يتلقونه في المدرسة. أوضحت لهم أنه ما من طريقة صحيحة أو خاطئة للمشاركة. فإذا أخطأوا يمكنهم ببساطة أن يكملوا وألا يخجلوا من الاعتراف بأخطائهم. وكان من دوافع هذا حنيني إلى ما رأيته في طفولتي.
ما التحديات التي تواجهها كفنان تركيب يعمل في السليمانية؟
لا قيمة لعملي ما لم أواجه تحديات. في “ممحاة”، كان عليّ أن أحصل على تصريحات من المعلمين لكي أدخل حصصهم وأعمل مع التلاميذ. أغلب المعلمين في السليمانية لا يألفون أساليب الفن المعاصر فكان صعبا عليهم في البداية أن يفهموا المشروع. كان العمل مع الأطفال تحديا آخر. وأخيرا، من الصعب أن يحقق المرء اعترافا وأن يحقق سمعة كفنان مفاهيمي في السليمانية. وهذا حال جميع الفنانين في العراق. أنا أحاول أن أتغلب على هذه التحديات جميعا وأمهد الطريق لجيل جديد[1].