التطور التدويني لظهور تسمية كوردستان في المصادر التاريخية
جوتيار تمر/ كوردستان
اصبح من الثابت لدی المعنين بالتاريخ ان صيرورة الحدث التاريخي ليس بالإمكان حصره ضمن زمانية ومكانية ثابتة فاغلب الروايات التاريخية ما تلبث ان يطرأ عليها تغير لاكتشاف حقائق اخری، لاسيما فيما يتعلق بالأمكنة والأقوام، بسبب التشعبات التي تتعلق بها ولكثرة الظروف التي تتحكم بمسارها، وللغموض الذي ظل لحد الان يحوم حولها ويكتنف المعلومات المتوفرة عنها، ولم يعد مخفيا علی باحث او متابع ان تقصي الحقائق التاريخية اشبه بضرب من الخيال، لكن في الوقت نفسه يبقی بابه متاحاً وجائزاً ومحبباً لدی البعض كمن كرسوا حياتهم من اجل الوصول الی حقائق تبقی ثابتة لحين اكتشاف غيرها، ومن بين هذه الحقائق التي وجدنا لها تطوراً مرتبطاً بمدی جدية البحث، المعلومات المتعلقة بظهور تسمية كوردستان في المصادر التاريخية، حيث شهدت طوال الحقبات الزمنية الاخيرة تغيرات عديدة من حيث ظهور التسمية وجغرافيتها حسب ما اوردتها المصادر التاريخية سواء السريانية منها ام الفارسية ام العربية، وعلی درجة اقل الكوردية.
يكاد يكون ثابتاً لدی بعض المؤرخين بأن التسميات المقاربة التي اوردوها في كتبهم هي تمثل البداية الحقيقية لظهور التسمية بل بنظرهم هي تمثل في حقيقتها كوردستان من حيث المعنی الاستدالي، علی الرغم من كونها لم تأتي بصورة مباشرة (بلاد الكورد، وطن الكورد، وجبال الكورد)، حيث سادت الاقاليم كنظام ادراي في الحقبات الزمنية السابقة لاسيما في العهود الاسلامية الاولی(محمد امين زكي، خلاصة تاريخ كورد وكوردستان الترجمة العربية، بيروت 1996، ص355؛ أحمد الخليل، تاريخ الكرد في الحضارة الاسلامية، بيروت 2007 ؛ زرار صديق توفيق، الكورد في العصر العباسي حتی مجيء البويهيين132-334ه/ 749-946م رسالة ماجستير مقدمة الی كلية الاداب جامعة صلاح الدين، اربيل 1994، ص12).
لذا من الصعوبة ان نجد في المصادر الاسلامية اية معلومات مباشرة عن حقيقة تسمية كوردستان، وعلی عكس المصادر الاسلامية نجد ان السريان كانوا اشد اهتماما ودقة في تدوينهم للمعلومات في هذا العصر، حيث ارخوا للمنطقة في الكثير من مؤلفاتهم، واخذت كوردستان حصة لابأس به من اهتمامهم، فقد ذكر المؤرخ السرياني يعقوب الرهاوي (10-89ه/ 632-708م) في كتابه تواريخ سريانية من القرن (7-9م) اسم ارعاد قردايي- ارض الكورد)، (توفيق، كردستان في العهد الجلائري737-814ه/1337-1411م، دهوك 2009، ص23)، كما وردت تسميات اخری مشابهة في مصادر سريانية اخری يمكن الاستدلال من خلالها علی ماهية التطور الذي حصل لظهور التسمية (للمزيد ينظر: الرهاوي، المجهول(ت7ه/13م): تاريخ الرهاوي المجهول، الترجمة العربية، بغداد 1986، ص40؛ ابن العبري: تاريخ الزمان، الترجمة العربية، بيروت 1991، ص 27، 35، 72، 321؛ توفيق، كردستان في العهد الجلائري، ص23)
وتعد هذه المراحل التي ظهرت فيها دلالات جغرافية عن الكورد مهمة اذا ما قمنا بقياسها ضمن التطور اللغوي الذي دائما ما يحتاج الی عقود حتی تتبلور في النهاية صيغة تتلائم وحاجة العصر، لذا نجد بأن تسمية كوردستان كمفهوم قومي لم يظهر الا في العقود المتاخرة جدا، لكن هذا لايمنع ان نركز علی بدايات ظهوره لتتبع خطاه، ففي اواسط القرن 7ه/ 13م، كانت تسمية كوردستان قد دخلت المعترك التاريخي لدی بعض المؤرخين الفرس(حمدالله المستوفي، نزهة القلوب، طهران 1336ه.ش، ص127)، الذي اقترن باسمه لحقبات زمنية طويلة ظهور تسمية مصطلح كوردستان، ولكن كما ذكرنا سابقاً بأن الحقائق التاريخية لاتقف عند معترك آحادي او منعطف تاريخي واحد، بل تتعداه الی افاق ابعد، خاصة اذا ما تم البحث الحفر في الممكنات، وهذا ما تم بالفعل من خلال ظهور دراسات تاريخية اخری تبرهن علی ان هذه التسمية كانت موجوة قبل حمدالله المتسوفي، حيث أن الرحالة الايطالي ماركو بولو (ت723ه/ 1323م) كان قد ذكر اسم كوردستان في مدوناته اثناء زيارته لاقاليم المشرق في سنة (670ه/ 1271م) (توفيق، كردستان في العهد الجلائري، ص24)، وفي حوادث سنة (685ه/ 1286م) يذكر احد المؤرخين اسم كوردستان ضمن تدوينه للاحداث التي رافقت ظهور المغول في المنطقة حيث يقول: همذان بالقرب من خانه آباد التي هي عبارة عن مرعی من كوردستان(رشيد الدين فضل الله الهمذاني(ت 718ه/1318م)، جامع التواريخ، الترجمة العربية، القاهرة(د/ت)، 2/1/812)، وقد ذكر المؤرخ نفسه في موضع اخر اسم كوردستان عندما تحدث عن جبل هكار، كما قدم المؤرخ شهاب الدين عبدالله الشيرازي(ت728ه/1328م) معلومات تؤكد وجود تسمية كوردستان في تلك الاونة (توفيق، العهد الجلائري، ص24).
و لم تقف المعلومة التاريخية بشأن كوردستان عند هذا المنعطف ايضاً بل تعدته الی حقبات زمنية اسبق، باعتبار ان المصادر التاريخية اثمرت معلومات جديدة تفيد بأن ابن العبري(ت685ه/ 1286م) يعتبر من اوائل من ذكروا اسم كوردستان في مؤلفاتهم، فحسب دراسة حديثة قدمها زنار عبدالسلام حول ابن العبري مصدراً لدراسة تاريخ الكورد يذكر بأن المصادر السريانية الرئيسية التي اعتمد عليها ابن العبري في مؤلفه تاريخ ابن العبري هي مؤلفات المؤرخ ديونيسيوس التلمحري (ت 231ه/ 845م)، حيث يورد الاخير اسم كوردستان في كتابه، وكان ابن العبري قد اورد اسم كرستان ضمن احداث سنة (214ه/ 829م)، في اشارة الی ظهور المهدي المنتظر وتحصنه مع اتباعه في جبال كوردستان (زنار عبدالسلام، ابن العبري مصدراً لدراسة تاريخ الكورد، اربيل 2007، ص143)، وهذه الروايات بتفاصيلها نقلها ابن العبري من التملحري وفي نفس احداث تلك السنة. (وللمزيد حول تسمية كوردستان ينظر: محمد صالح طيب، ظهور تسمية كوردستان، مجلة دهوك، دهوك 2001، العدد (12) ص 75-77.
كما تشير دراسات حديثة ان المؤرخ الفارسي محمد العوفي(ت 618ه/1221م) قد ذكر في كتابه لباب الالباب ان شاعراً اسمه (جنتي بيا) قد ذكر اسم كوردستان ضمن بيت شعري، وهذا الكتاب كان المؤرخ قد الفه في سنة (612ه/ 1215م)، مما يعني امكانية وجود اسم كوردستان لوقت سابق من التأليف.
ومع تتطور المعلوماتية التاريخية بشأن ظهور تسمية كوردستان في المصادر التاريخية، يبقی ان التسمية لم تأخذ شكلها الاثني الا متأخراً، حيث اورد اغلب المؤرخين هذه التسمية كمفهوم اداري، دون ان يكون لها اثراً دلالياً اثنياً، غير ان رشيد الدين فضل الله غاير المفهوم السائد للتسمية بحيث ظهرت عنده كمدلول قومي اثني. (للمزيد ينظر: حيدر لشكري، الكرد في المعرفة التاريخية الاسلامية، اربيل 2004، ص 53-58؛ توفيق، العهد الجلائري، ص25).
وكان الامر طبعياً جداً باعتبار ان من اهم الشروط القومية علی مر العصور هو الشرط الجغرافي، والكورد باعتبارهم قومية مستقلة كان لهم وطن وارض لم يشاركهم احد في الاقامة فيه الا علی شكل اقليات غير انهم لم تجمعهم اسمية واحدة، فعرفت كل منطقة من مناطق السكن الكوردية باسم جغرافي او اداري، في حين كانت المسميات القديمة التي انتمت للكورد لم تزل قائمة في الاذهان (كوردوئيني- كردوخيا- بيث كوردو- باقردی- باقردو) وهي في مجملها تعني بلاد الكورد.
في العصور الاسلامية اللاحقة اصبحت تسمية كوردستان امراً اعتاد عليه بعض المؤرخين العرب، فكان النويري(733ه/1333م) من اوائل المؤرخين العرب الذين ذكروا اسم كوردستان(نهاية الارب في فنون الادب، بيروت 2004، 33/192؛ وينظر: توفيق، العهد الجلائري، ص25)، وعلی الرغم من عدم فهمهم لهذه التسمية باعتبارها لفظة اعجمية الا انهم استخدموها في مؤلفاتهم ومدوناتهم التاريخية، ويعتبر عبدالله بن فتح الله البغدادي(ت بعد 891ه/ 1486م) من المؤرخين العرب القلائل الذين وظفوا لفظة كوردستان اثنياً (تاريخ الغياثي، تحقيق طارق نافع الحمداني، بغداد 1975، ص 183، 336)، وعلی الرغم من ذلك فان التسمية ظلت غير متداولة بشكل واسع بين المؤرخين، حتی العهد الجلائري الذي شاع فيه التسمية لاسيما في المصادر الفارسية والاوروبية (معين الدين نطنزي، منتخب التواريخ معيني، طهران 1336 ه.ش، ص 143؛ ليونهارت راوولف، رحلة المشرق سنة 1573م، ترجمة سليم طه التكريتي، بغداد 1978، ص196-197).
اما علی الصعيد التدوين التأريخي الكوردي فانه لاتوجد اية اشارات عن ذكر تسمية كوردستان خلال تلك الحقبات الزمنية، ما عدا ما يذهب اليه البعض علی ان الشاعر الكوردي ملا احمد الجزيري (ت القرن 9ه/ 15م) قد ذكر اسم كوردستان في بعض قصائده (توفيق، العهد الجلائري، ص27-28).[1]