الدولة المروانية الدوستكية الكوردية
الكورد من أعرق شعوب العالم و تاريخهم موغل في القدم. يعيشون على أرضهم التاريخية منذ فجر التاريخ في جبال زاغروس و طوروس و ما يعرف بميزوبوتاميا، موئل الحضارات الإنسانية، عراقة الشعب الكوردي موثقة في الأبحاث الأركيولوجية العالمية إلا أن المكتبة الشرق أوسطية تفتقر إلى التعريف بتاريخ هذا الشعب و إسهاماته في إغناء الإرث الحضاري والثقافة الإنسانية.
المروانيون سلالة كوردية سنية حكمت في شمال سوريا و جنوب الأناضول من سنة 990م إلى سنة 1096م و ضمّت دولتهم المستقلة مدن في شمال كوردستان مثل آمد ديار بكر و ميافارقين و ماردين و سيرت و بدليس و قسمًا من محافظة موش إضافةً إلى مدينة أرجيش التابعة لمحافظة وان و أجزاء من محافظات خاربيت آلازيغ و روها أورفا و مدينة نصيبين و أطراف مدينة الموصل.
بعد وفاة عضد الدولة البويهي سنة 983م بدأت الدولة البويهية في الإنهيار و قام أحد قادة العشائر الكوردية و إسمه: أبو علي بن مروان 990-997م بإنشاء إمارة مستقلة و كان مركزها ميافارقين.
تسمى الدولة المروانية بالدولة الدوستكية أيضًا بعد توسيع تلك الإمارة حيث يذكر الفارقي أن إسم مؤسس هذه الدولة هو باد بن دوستك الحاربختي بازهربختي و كان يمتاز بالحنكة و رجاحة العقل.
عرفت الدولة المروانية الكوردية أوجها السياسي أثناء عهد كل من الأمير سعيد بن مروان أبو منصور - ممهّد الدولة ثم الملك أحمد بن مروان الملقب بِنصر الدولة.
حينما دخل البويهيون الموصل سنة 368 هجري جاء أبو شجاع للقاء عضد الدولة. و ما إن إجتمع بالملك البويهي حتى فطن إلى أنه لن يبقي عليه حيًّا وكان ظنه صائبًا.
ذكر إبن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ جزء 9 ص 35 أن عضد الدولة قال بعد أن خرج الأمير الكوردي باد من مجلسه:
له بأس و شدة و فيه شر لا يجوز الإبقاء على مثله. و أمر بالقبض عليه لكن كان أبو شجاع قد غادر المدينة سرًّا و لحق بجيشه و سرعان ما تعاون البويهيون و العرب الحمدانيون للقضاء على أبي شجاع و اغتياله فخابت مساعيهم ثم هاجم أبو شجاع الموصل و خاض معركة ضارية ضد البويهيين و بني حمدان الحمدانيون و بني عقيل و جُرح في المعركة إثر سقوطه حين قفز من على ظهر فرسه إلى ظهر فرس آخر ثم قُتل و كان ذلك عام 990م.
قال إبن الأثير: و حُملت جثته إلى الموصل و صُليَ عليها بالموصل و دُفنت و لحق أهل الموصل من الحزن عليه و الأسف لقتله ما لا يوصف و عملوا عليه المآتم و الندب و البكاء.
الحنكة السياسية و عقلية بناء الدولة:
يُعتبر الأمير أحمد بن مروان نصر الدولة من أشهر الأمراء الكورد المروانيين و أعظم ملوك الدولة المروانية. بدأ بتنظيم أمور دولته على قواعد متينة فعيّن الولاة و الموظفين على أسس من الكفاءة و الإخلاص ليعيد إلى الدولة هيبتها و يوطّد حكمه على دعائم من العدل و المساواة و يهيّئ لشعبه حياة يسودها الهدوء و الإستقرار و استطاع إعادة الأمور إلى نصابها بعد أن تزعزعت بشدّة إثر إغتيال سلفه و أخيه سعيد بن مروان. و لما انتهى حسن بن مروان من تنظيم أمور الدولة و إرسائها على العدل و الرخاء، إهتمّ بتعزيز المكانة السياسية لدولته على الصعيد الإقليمي و كان حصيفًا في بناء العلاقات الخارجية المتوازنة فكسب ودّ الدول المجاورة و إحترامها و تجنّبَ الإنضمام إلى التحالفات المتعادية و استعان بعلاقات المصاهرة لتأمين سلامة بلاده و تعزيز مركزها السياسي فتزوّج بالفضلونية بنت الأمير الكوردي فضلون بن منوجهر أمير الإمارة الشدادية كما تزوّج بالسيدة بنت شرف الدولة قرواش بن المقلد العقيلي و تزوّج أيضًا من بنت سنحاريب ملك السناسنة الأرمن.
إستطاع بهذه السياسة و عبر هذه العلاقات المتوازنة أن يجنب بلاده من ويلات الحروب و يحقق لرعيته الرخاء و الهدوء والسلام. و بالرغم من أن دولته كانت تقع في منطقة تتقاطع فيها مصالح إقليمية حادة العباسيون، البويهيون، الأرمن، البيزنطيون، الحمدانيون، الفاطميون إلا أنه و نتيجة لسياساته الحكيمة، إعترفت الدول الشرق أوسطية الثلاث الكبرى في ذلك العصر بالدولة الكوردية المروانية و هي الخلافة العباسية و الخلافة الفاطمية و الدولة البيزنطية.
كانت الدولة المروانية ملاذًا آمنًا لكل لاجئ يبحث عن الأمان بما فيهم الملك و الأمير و الوزير فكان نصر الدولة يرحّب بهم و يعطف عليهم و يبالغ في إكرامهم و يوفر لهم العيش اللائق بمكانتهم. لقد لجأ إليه على سبيل المثال: الملك العزيز البويهي و الوزير أبو القاسم المغربي و الوزير إبن جهير الموصلي و إبن خان التركي و الطريف في الأمر أن رعاية هذا الملك لم تقتصر على الناس بل شملت الحيوانات أيضًا و بكيفية لم نُعهدها من سائر الملوك فقد بلغه أن الطيور تجوع شتاءًا لكثرة الثلج و أن الناس يصطادونها بسبب حاجتها إلى الحَبْ فأمر بفتح مخازن الحبوب و إلقاء ما يكفيها من الغِلّات طوال الشتاء فكانت الطيور في ضيافته طوال الشتاء لآخر عمره.
لم يطل عمر تلك الدولة حتى بدأ السلاجقة بإحتلال كوردستان بجيوش جرارة مستغلين التناحرات و الاضطرابات الداخلية بعد وفاة نصر الدولة فأغاروا على البلاد و عملوا فيها النهب و السلب و التدمير و هكذا خسرت الدولة المروانية إستقلالها و أصبحت تابعة للدولة السلجوقية و قد توفي نصر الدولة عن عمرٍ ناهز نيّفًا و ثمانين عامًا بعد حكمٍ دام قرابة 50 سنة و سقطت العاصمة ميافارقين بين أيديهم عام 1096م بعد أن عاشت مائة و ست سنوات. [1]
$أمراء الدولة المروانية$
1- أبو علي الحسين بن مروان: حكم من 990م حتى 998م.
2- ممهُد الدولة أبو منصور بن مروان: حكم من 998م حتى 1011م.
3- نصر الدولة أبو نصر أحمد بن مروان: حكم ما بين 1011م إلى 1061م.
4- نظام الدولة نصر بن أحمد: فترة حكمه من 1061م حتى 1083م.
5- منصور بن نصر: حكم من 1083م إلى 1096م.
$المصادر و المراجع$
- عبدالرقيب يوسف، الدولة الدوستكية في كوردستان الوسطى، مطبعة اللواء، بغداد، الطبعة الأولى 1972م الجزء الأول.
- دلير محمد طاهر عيسى السبينداري، باحث، الحياة الإقتصادية و الإجتماعية و العلمية في الإمارة المروانية.
- الدكتور أحمد الخليل، مشاهير الكورد في التاريخ الإسلامي.
- محمد جمال باروت، كاتب و مؤرخ سوري، التكوين الناريخي الحديث للجزيرة السورية.
- إبن خلكان، وفيات الأعيان و أنباء أبناء الزمان، تحقيق إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت 1968م الجزء الأول.
- إبن الأثير، الكامل في التاريخ، دار صادر، بيروت 1975م، 1982م الجزء التاسع.
- Enciclopedia of the People of Africa and the Middle East In The West Were The Marwanids Based at Diyarbakr.