مم وزين بالنسخة السريانية .. لغز يحتاج إلى حل أكاديمي
جان دوست
حين أخبرني الأستاذ دلشاد هيوا، مدرس اللغة الفارسية في جامعة صلاح بأربيل عاصمة إقليم كردستان، بأن في حوزته نسخة قديمة من مم وزين بالترجمة السريانية، شككت في الموضوع. لم أشك في الرجل وهو أكاديمي يميز بلا شك النسخ القديمة من الحديثة، لكنني شككت في أن تكون مم وزين قد ترجمت فعلاً إلى السريانية خاصة أن الأستاذ هيوا أكد لي بأن النسخة تعود على الأرجح إلى نهاية القرن التاسع عشر.
ثم وصلتني صفحة مصورة من المخطوط فوجدت أن اللغة فعلاً سريانية وليس هذا وحسب بل بجانب الكتابة السريانية توجد ترجمة عربية لمم وزين.
بطبيعة الحال لم يكن من الصعب علي أن أعرف أن الترجمة العربية هي ترجمة لأبيات مم وزين أحمد الخاني وهي الملحمة الشعرية التي اشتغلت عليها ترجمة وبحثاً لسنوات طويلة.
بعد يومين وصلني من الأستاذ هيوا عبر البريد الالكتروني المخطوط كاملاً. وحين تفحصته وجدت أن فيه نقصاَ في المقدمة ونقصاً آخر في نهاية الكتاب. أما في المقدمة فالمترجم أهمل أول مئة وثمانية وثمانين بيتاً وبدأ من البيت 189 الذي يقول فيه الشاعر خاني:
هلم أيها الساقي بالله عليك، صبَّ لنا جرعة من الخمر في كأس جمشيد. (حسب ترجمة المخطوط: يا ساقي أنت لخاطر الله أنعم علينا فرد جرعة خمر أضع في قدح).
أما آخر بيت في المخطوط فهو البيت 1712 :
جلس وقال للخدم: ادعوا الأصدقاء والندامى (حسب ترحم المخطوط: جلس وقال إلى الخدام انتم ادعوا إلى الندماء وأصدقاء).
بعد ذلك ينتهي المخطوط دون أن نعرف من نسخه ولا في أي تاريخ بخلاف ما جرت به العادة في المخطوطات.
ودليلنا على أن المخطوط ينتهي عند ذلك البيت هو خاتم مكتبة برلين الموجود في منتصف الصفحة. لكن ما يؤفقنا كباحثين في النص “المموزيني” هو جملة من الأسئلة أختصرها فيما يلي.
هل النص السرياني هو نص مم وزين الكردي بالأحرف السريانية أم أنه ترجمة بدوره للنص الكردي؟
هل من ترجم النص العربي بجانب النص السرياني هو الشخص نفسه أم أن هناك من ترجم إلى السريانية أولاً ثم ترجم النص إلى العربية أو بالعكس.
ما الدافع أصلاً في ذلك الزمن إلى ترجمة نص كردي كلاسيكي اكتشف الكرد أهميته القومية حديثاً نسبياً؟
هل للمستشرق الألماني إدوارد سخاو يد في الموضوع؟ لا شط في ذلك. ودليلنا ليس فقط وجود اسمه على المخطوط بجانب رقم المخطوط الذي هو 344. نحن نعرف أن المستشرق سخاو (1845-1930) كان يتقن اللغة العربية بدليل أن العلامة والسياسي الفلسطيني يوسف ضياء الدين باشا الخالدي صاحب قاموس الهدية الحميدية في اللغة الكردية أرسل رسالة باللغة العربية عام 1894 إلى المستشرق الألماني سخاو يثني فيها على علمه الغزير في العربية وترجمته لأحد كتب البيروني (الثابت أن سخاو حقق كتاب البيروني الشهير الآثار الباقية عن القرون الخالية ونشره). كما نعلم من سيرة هذا المستشرق الكبير أنه كان على اطلاع واسع على اللغة السريانية وباقي اللهجات الآرامية وهو الذي ألف فهرس المخطوطات السريانية في مكتبة برلين وسافر إلى سورية والعراق ولا شك أنه صادف في رحلته تلك مثقفين ورهباناً ممن السريان كونه كان من المهتمين باللغة السريانية والمخطوطات المكتوبة بها.
ليست لدينا حتى الآن معلومات عن مترجم نص مم وزين إلى ىالسريانية ولا إلى العربية وهل هناك مخطوط آخر فيه تمام ما في الأول أم لا؟
ما لاحظناه أيضاً أن الترجمة العربية ركيكة وأقرب إلى العامية وأنها مباشرة عن النص الكردي دون وسيط وعلى هذا فمن المؤكد أم مترجم النص إلى العربية يعرف الكردية وإن كان لا يفهم كثيراً من خفايا مم وزين ولغته الخاصة مما ليس هنا مجاله. إن ما لا نعلمه أيضاً هو هل الترجمة السريانية كذلك تمت من الكردية مباشرة أما أنها ترجمة النص العربي المترجم؟ هذا ما يمكننا الجواب عليه حين نعرض النص السرياني على شخص يتقن هذه اللغة.
أسئلة كثيرة أثارها هذا المخطوط في ذهني والأهم من ذلك أنه يلقي المزيد من الضوء على تاريخ الاهتمام بمم وزين كنص كردي خالد وأنه إضافة هامة إلى علم “المموزينيات” وحبذا لو وصلنا سريعاً إلى أجوبة ما طرحناه من أسئلة هنا. إنني واثق أن هذا المخطوط الهام بعد أن خرج إلى الضوء بفضل الأستاذ دلشاد هيوا تحفة تاريخية أدبية فذة ولغز شارف على أن يكشف لنا أسراره.[1]