مقدمة كتاب عادات الأكراد وتقاليدهم لملا محمود البايزيدي الكتاب صدر عن مشروع كلمة- هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث عام 2011
يستطيع المرء بدون تردد تسمية القرن التاسع عشر في التاريخ الكردي بقرن الكردولوجيا (الدراسات التي تتناول اللغة والتاريخ و الآداب الكردية). ففي ذلك القرن، وبالأخص في الفترة التي امتدت من النصف الثاني منه وحتى نهايته، وصلت الدراسات الكردية من قبل الباحثين الأجانب إلى ذروتها. و بطبيعة الحال فإن العديد من العوامل تقف وراء الاهتمام المتزايد بالأبحاث التي تتعلق باللغة الكردية والمجتمع الكردي والتاريخ والأدب الكرديين. وأولى هذه العوامل حركة التبشير التي كانت قد بدأت منذ وقت طويل.
فقد كتب الراهب الدومنيكاني ماوريتزيو غارزوني (1734- 1804) أول نتاج أوروبي يتعلق باللغة الكردية وهو كتابه الموسوم “قواعد اللغة الكردية و قاموسها” (1) عام 1787 وطبعه في روما. وهو بهذا العمل الرائد يعتبر مؤسس الكردولوجيا حيث برهن في كتابه أن اللغة الكردية لغة مستقلة بذاتها.(2) ويقول الباحث الروسي فلاديمير مينورسكي منوهاً إلى أهمية غارزوني: إن خدماته الممتازة تعطينا الحق لاعتباره أب الدراسات الكردية.(3) وقد اتجه هذا الراهب الدومينيكاني عام 1762 إلى الموصل وبقي فيها حتى العام 1787، أي أنه قضى ربع قرن في المنطقة. ولما رأى هذا الراهب أن حاجة المبشرين الإيطاليين إلى معرفة اللغة الكردية ماسة، وذلك للتواصل مع مضيفيهم الكرد المسلمين، إضافة إلى أن الكردية كانت لغة دارجة في المنطقة ومنتشرة حتى بين المسيحيين، فقد انكب على تأليف قاموس إيطالي كردي مرفق ببعض المعلومات عن قواعد اللغة الكردية. و يقول ميريللا غاليتي إن كتاب غارزوني لم يفد فقط المبشرين الإيطاليين، بل ساعد كثيراَ التجار الذين كانت لهم علاقات برؤساء العشائر الكرد.(4)
وبفضل غارزوني، و سلفه الإيطالي دومينيكو لانزا (1718-1782) ثم خلفه الإيطالي جوزيبه كامبانيلي (1762-1835) فقد تعرف الأوروبيون على الكرد وثقافتهم وبلادهم أيضاَ. و أصبحت دراساتهم مرجعاَ لكثير من العلماء الأوروبيين المهتمين بالكردولوجيا.
مدرسة الاستشراق الروسية و انتعاش الكردولوجيا:
تعود علاقات روسيا والدول الإسلامية إلى عهود قديمة ولكن هذا ليس مجال بحثنا في هذه المقدمة الوجيزة. أما ما يهمنا بهذا الخصوص فهي الفترة العثمانية وبشكل خاص الفترة المتأخرة من عمر الدولة العثمانية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وحتى بداية القرن العشرين.
نظرا لطبيعة العلاقة الشائكة والمتذبذبة بين الدولتين الجارتين العدوتين والحروب الكثيرة التي كانت تقع بينهما فقد كان من الضروري استراتيجيا أن تتعرف روسيا على الشعوب التي تضمها حدود الامبراطورية العثمانية ومنها الشعب الكردي نظرا لتوزعه الجغرافي بالقرب من الحدود الجنوبية لروسيا وطبيعة الحياة الاجتماعية التي كانت تفرض الترحال على بعض القبائل الكردية والدخول إلى الأراضي الروسية بحثا عن المراعي لقطعان المواشي. ومنذ بداية القرن التاسع عشر أوكلت روسيا مهمة التعرف على الشعب الكردي
جذور الكردولوجيا الأوروبية
إلى مدرسة الاستشراق التي انتعشت بشكل خاص في العاصمة الروسية سان بطرسبورغ. هنا أريد لفت الانتباه إلى بدايات انتشار الدين الإسلامي بين الكرد و أقارن ذلك بالاستشراق الروسي.
لقد أرادت الامبراطورية العربية الإسلامية الوليدة أن تتعرف على الشعوب التي ضمتها حدود تلك الامبراطورية الشاسعة وحاولت إجراء إحصاء عام للسكان المقيمين فيها لغاية استحصال الضرائب والخراج السنوي. كما أنها أرادت معرفة حدود التوزع الجغرافي لكل تلك الشعوب وأوكلت تنفيذ هذه المهمة إلى علماء الجغرافيا ومن يعرفون عادة في الأدبيات التاريخية الجغرافية الإسلامية بالبلدانيين. ونحن مدينون لهؤلاء البلدانيين في معرفة العشائر الكردية وعادات بعض الأكراد في بداية انتشار الإسلام. وكذلك يعود الفضل للبلدانيين في معرفة بلاد الأكراد ووضعهم الاجتماعي وأحوال بداوتهم. في نتاجات كتاب مثل الاصطخري وابن حوقل والبلاذري والمسعودي توجد صورة واضحة لما كان عليه الأكراد وبلادهم في ذلك الوقت. وبفضل هؤلاء تم إنقاذ جزء كبير من تاريخ الأكراد من خطر الضياع. وبالطبع هذا هو الوجه الآخر لفتح بلاد الأكراد و دخولهم الدين الإسلامي ويمكننا تسميته بالوجه المعرفي لحركة الفتح العربي الإسلامي وهو الذي لعب دورا كبيرا في الكردولوجيا القديمة.
أما في القرن التاسع عشرفنحن مدينون للكولونيالية الغربية التي استغلت ضعف الامبراطورية العثمانية وقرب انهيارها وبدأت حركة واسعة من قبل الديبلوماسيين الغربيين والمستشرقين والرحالة المتأخرين لمعرفة الداخل العثماني وما يحويه من مِلل وشعوب وطوائف وكذلك طبائع تلك الشعوب وتوزعها الجغرافي وأوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية حتى تتمكن الدول الغربية من تقاسم تركة الرجل المريض. وهكذا خطا الاستشراق وبضمنه فرع الكردولوجيا خطوات كبيرة إلى الأمام. ونظراً لأن روسيا القيصرية كانت دولة جارة للعثمانيين، فإن غالبية المستشرقين توجهوا إلى العاصمة الروسية بطرسبورغ ونشروا أبحاثهم هناك. لقد أصبحت روسيا بأكاديميتها القيصرية العلمية في بطرسبورغ مركزا للدراسات الغربية التي تناولت الشرق. و قام العديد من المستشرقين بنشر أبحاثهم المتعلقة بالشرق العثماني ومنهم علماء الكردولوجيا بيتر ليرخ تاريخ، يوجين بريم (1843-1913)، آلبريخت برنهارد دورن (1805-1881)، أوغست جابا(1801-1894) فرديناند جوستي (1837-1907)، البرت سوسين (1844-1899) هوغو ماكاس وغيرهم. وقد كان هؤلاء العلماء مطلعين على ما ينشره ويبحث فيه كل واحد منهم ولا أدل على ذلك من الرسائل المتبادلة بين القنصل والأكاديمي الروسي من أصل بولوني أوغست جابا وبيتر ليرخ من جهة وبين أوغست جابا وآلبريخت دورن من جهة أخرى. كذلك الأعمال المشتركة التي قام بها كل من القنصل جابا وفرديناند جوستي ومنها القاموس الكردي الفرنسي الذي صدر في بطرسبورغ عام 1879. وهكذا فإن العامل الثاني في انتعاش حقل الدراسات الشرقية الذي يلي التبشير هو الصراعات الدولية والمنافسة الاستعمارية الحادة على اقتسام تركة الرجل المريض دون أن يغيب عن البال أن الرغبة المحض في القيام بالبحث العلمي الأكاديمي من لدن بعض العلماء كانت عاملاً لا يمكن التغاضي عنه أو الاستهانة به.
انتعش فرع الكردولوجيا من علم الاستشراق في تلك الأكاديمية القيصرية على أيدي أولئك الرهط من الباحثين الأكاديميين. وكان لقاء مؤلف هذه الرسالة التي بين أيدينا، العلامة الكردي ملا محمود بايزيدي (1797-1867)، بالقنصل الروسي في مدينة أرضروم أوغست جابا فرصة تاريخية نادرة وكبيرة للكرد والمستشرقين على حد سواء. لقد خدم جابا في السلك الديبلوماسي الروسي كقنصل عام مدة ثمانية عشر عاما في مدينة أرضروم، تعرف خلالها على العلامة بايزيدي وتوثقت بينهما أواصر صداقة نتج عنها العديد من الكتب والمخطوطات الكردية. وتقول المصادر التي تتحدث عن حياة بايزيدي، أنه كان يزمع عشية تعرفه على القنصل الروسي العودة إلى مسقط رأسه بايزيد بعد تدهور أحواله المادية ومقتل أخيه في حرب القرم، إلا أن القنصل أقنعه بالبقاء في أرضروم ومساعدته بجمع المخطوطات ودراسة أحوال الكرد لقاء أجر معلوم.
ترجمة صاحب الرسالة، ملا محمود بايزيدي:
ليست هناك معلومات وافرة عن حياة هذا العلامة الكبير. والنتف المتناثرة التي تتناول حياته كانت بفضل صديقه وتلميذه القنصل الذي ألقى بعض الضوء في كتبه ورسائله إلى زملائه الأكاديميين في الأكاديمية القيصرية على حياة بايزيدي. وعلى أي حال يتفق معظم الباحثين على أنه ولد في عام 1797 في بلدة بايزيد الواقعة على الحدود التركية الإيرانية. ففي رسالة بعثها أوغست جابا إلى الأكاديمية القيصرية في أيلول عام 1857 يصرح فيها أن عمر أستاذه بايزيدي ستون عاماً.(5)
ومدينة بايزيد هي المدينة التي حملت اسم أحد السلاطين العثمانيين وهو بايزيد الأول 1345-1403م والذي اتخذ من المدينة مركزاً لرصد حركات جيش تيمورلنك . وتعدّ مدينة بايزيد من الحواضن المهمة للثقافة الكردية؛ فإلى جانب شهرتها بالسجاد الكردستاني وقلعتها التاريخية، أنجبت العديد من العلماء والأدباء الكرد أمثال : الشاعر أحمدي خاني ( 165-1707م) وإسماعيل بايزيدي ( 1654- 1709م ) ومراد خان بايزيدي ( 1737- 1784م ) . وإذا تأملنا سلسلة تواريخ أعلام هذه المدينة، نجد أن الكتابة باللغة الكردية لم تنقطع في هذه المدينة منذ عهد أحمدي خاني حتى عهد ملا محمود بايزيدي(6).
وقد أتقن بايزيدي اللغات العربية والفارسية والتركية والأرمنية إلى جانب لغته الأم الكردية وتعمق في دراسة آداب تلك اللغات ودرس في شبابه علوم القرآن الكريم حتى أصبح حجة في علم التفسير.(7)
يجسد بايزيدي بنثره وموضوعاته الأدبية حضور المدينة الكردية في الحدث الثقافي الكردي، ورغم تخرجه في المدارس الدينية، فإن نتاجه الثقافي أقرب إلى الثقافة المدنية منه إلى الثقافة الدينية التي طبعت الموروث الكردي بطابعه طوال قرون من الزمن. ومن هنا أعتقد أن بايزيدي يجب أن يدرس ضمن هذا السياق الثقافي التاريخي الذي يتطلب منا تفسير العلاقة بين المدينة الكردية وانتساب أعلام الكرد إلى مدنهم بدلاً من الانتساب إلى القبيلة.(8)
لقد كانت دراسة بايزيدي الأولى في مسقط رأسه بايزيد، ثم انتقل إلى تبريز طلباً للعلم وعاد منها ليستقر في بلدته قائماً على رأس مدرسة.(9)
ويبدو أنه بلغ درجة من النفوذ المعنوي حتى اضطرت السلطات العثمانية لجعله وسيطاً بينها وبين الثائرين على الدولة في ولايات هكاري وبوهتان. وفي عام 1848 أرسله والي وان مشير باشا في مهمة لعقد مباحثات مع الثائر الكردي بدرخان بك. وبعد سنة وسطته الدولة العثمانية لإخماد نيران انتفاضة كردية أخرى فأرسله والي أرضروم كامل باشا هذه المرة إلى ولاية هكاري حيث كان نور الله بك الكردي قد انتفض ضد الدولة العثمانية.(10).وبانهيار حكم الإمارة الكردية في بايزيد في عهد آخر حاكم كردي بهلول باشا انتقل بايزيدي إلى مدينة أرضروم. وهناك مارس مهنة التدريس مرة أخرى.(11)
وعندما وقعت الحرب التركية الروسية أو ما يعرف في التاريخ بحرب القرم(1853-1856) قُتِل شقيق بايزيدي في تلك الحرب. وساءت أحواله المادية، بسبب انهيار تجارة ولده. فعقد العزم على ترك أرضروم والعودة إلى مسقط رأسه في بايزيد. في تلك الفترة عينت روسيا قنصلها الجديد ألكسندر أوغست جابا في مدينة أرضروم.(12) ولما كان القنصل مكلفاً إلى جانب مهمته الديبلوماسية، بمهمة جمع التراث الكردي وحيازة المخطوطات الكردية من قبل الأكاديمية القيصرية في بطرسبورغ، فقد وقع اختياره على ملا محمود بايزيدي لما يتمتع به من مكانة علمية رفيعة في المجتمع الكردي ليصبح فيما بعد أستاذه ومعينه في تنفيذ مهمته البحثية. وكان لتلك العلاقة الأثر الكبيرفي رجوع بايزيدي عن قراره والبقاء بجانب القنصل الروسي ومساعدته في جمع المخطوطات وحتى في تأليف كتب جديدة للتعريف بالشعب الكردي وثقافته.(13)
بين عامي 1857 و1858 نسخ بايزيدي كتاب القواعد العربية باللغة الكردية لعلي ترماخي. كما قام بترجمة شرفنامه إلى اللغة الكردية بناء على طلب من القنصل. وكذلك هذه الرسالة أيضاً تمت كتابتها بخط بايزيدي في تلك الفترة من الصداقة المثمرة بين الرجلين.
ليست هناك معلومات أكيدة للأسف عن مكان وتاريخ وفاة هذا الموسوعي الكبير. والإشارة الوحيدة – ربما – التي تطرقت إلى تاريخ وفاته هي ما كتبه جودت هوشيار في مقال انترنيتي بعنوان ملا محمود بايزيدي والتراث الثقافي الكردي قال فيه:
أما تأريخ وفاةالبايزيدي فإنه أكثر غموضاَ حيث تشير المصادر الى أنه توفي في عام 1860 ولكنناعتقد أن ذلك غير صحيح، حيث أن ثمة مخطوطات بخط البايزيدي يعود تأريخ نسخها أو تدوينها الى عام 1867 , وعلى أية حال فإن وفاته كانت بعد العام المذكور على الأرجح.14
مؤلفاته:
يعتبر ملا محمود بايزيدي واحداً من رواد النهضة الثقافية الكردية في القرن التاسع عشر. وهو أبو النثر الكردي وأول من قام بالترجمة إلى اللغة الكردية. وهو الأديب الكلاسيكي الوحيد الذي لم يترك وراءه آثاراً شعرية بل كان كل ما كتبه نثراً. وأعطى بذلك زخماً جديداً للثقافة الكردية التي احتكر الشعر سوقها لأجيال عديدة. كتب بايزيدي بناء على طلب من تلميذه القنصل الروسي جابا كتاب “عادات الأكراد” الذي نضع ترجمته بين أيدي القراء ووسمه باسم “عادات ورسوماتنامهء أكراديه”. وترجم أشهر الكتب في التاريخ الكردي القديم، “شرفنامه”، للأمير الكردي شرفخان بدليسي من الفارسية إلى الكردية وهذا أيضاً بطلب من القنصل جابا ووضع لترجمته عنوان “تاريخ كردستان القديم”، كما جمع قصصاً كردية بين دفتي كتاب سماه “جامع الحكايات”، ووضع مقدمة لكتاب اللغوي الكردي علي ترماخي عن القواعد الكردية، وألف كتابا من ألف صفحة عن التاريخ الكردي بدأه من حيث انتهى سلفه شرفخان البدليسي أي من العام 1005 هجري حتى أيامه، وذلك في نسخة وحيدة سماها “تاريخ كردستان الجديد”، ضاعت للأسف. كما ألف رسالة عن القبائل الكردية وعددها وتوزعها الجغرافي. بالإضافة إلى كل ما سبق كتب بايزيدي رسالة في اللغة الكردية سماها “تحفة الخلان” وكتب باختصار سيرة حياة بعض الشعراء الكلاسيكيين الكرد ومقدمة لكتاب شرفنامه الذي ترجمه القنصل جابا إلى اللغة الفرنسية.
ظهور النثر الكردي:
كان الشعر طاغياً على جل ما أبدعته قرائح الأدباء الكرد حتى منتصف القرن التاسع عشر. والمتأمل في تاريخ الثقافة الكردية يرى أن الأغاني الشعبية كانت وعاء حوى التاريخ الكردي بوقائعه الأليمة وحروبه ولم يستطع الكرد تدوين تاريخهم باللغة الكردية إلا عبر الشعر كحامل لغوي. حتى أن الكتاب الأشهر في التاريخ الكردي وهو شرفنامه دُوِّن باللغة الفارسية. وبظهور ملا محمود بايزيدي فسح الشعرُ المجالَ للنثر قليلا لينتعش. ويمكن أن نعزو ذلك إلى عامل هام وبسيط، وهو أن أن الشعر لا يستطيع استيعاب البحث والتنقيب والفكر القلسفي. إن ملا محمود بايزيدي هو ثمرة لقاء العقل الشرقي بالعقل الغربي تماما كما انتعش النثر العربي بعد عملية الترجمة من اليونانية والسريانية إلى العربية في العصر العباسي الذهبي.
جدير بالذكر أن عدة آثار ضئيلة للنثر الكردي ظهرت قبل بايزيدي مثلا مقدمة قاموس شعري عربي كردي اسمه “نوبهار” للشاعر الكردي الكبير أحمد خاني (1651-1707). كما يحدثنا ملا محمود بايزيدي ذاته في رسالته عن الأدباء الكرد عن أديب كردي هو علي ترماخي ألف رسالة باللغة الكردية عن قواعد اللغة العربية بحدود سنة 1000هجرية / 1590 ميلادي. وعن مؤلف آخر هو ملا يونس هلقتيني (توفي 1785) كتب في قواعد اللغة العربية باللغة الكردية كتاباً سماه “التراكيب والظروف” (نشر عن دار سارا في العاصمة السويدية استوكهولم عام 1996).(15) ومن الكتب النثرية باللغة الكردية كتاب في الطب ألفه ملا محمد أرواسي قبل نحو قرنبن من الزمان وكتاب في العقيدة الإسلامية ألفه ملا خليل الإسعردي بعنوان جواهر عقيدة الإيمان.(16)
لكن بالرغم من أن هذه المؤلفات النثرية سبقت ما ألفه ملا محمود بايزيدي، إلا أن النثر لم يكتمل و يبلغ الذروة كفن أدبي إلا على يد بايزيدي الذي كان صاحب مشروع ضخم و كبير في تكريد الثقافة وجعل النثر مطيتها السهلة القياد.
هذه الرسالة:
لقي هذا الكتاب اهتماماً كبيراً عقب نسخه مباشرة عام1857 بتكليف من القنصل الروسي جابا وأرسلت النسخة الخطية إلى بطرسبورغ ليطلع عليها الباحثون هناك. في عام 1962 نشرت الباحثة الروسية مارغريتا رودينكو الترجمة الروسية لهذا العمل في موسكو وكتبت له مقدمة وافية. كما ترجم إلى اللغة الفارسية من قبل محمد عزيز بور داشبندي ونشر في طهران مع شروحات وافية لما ورد في متن الكتاب من معلومات. وقد استندت الدكتورة شكرية رسول إلى الترجمة الروسية و نشرته باللغة الكردية اللهجة الكرمانجية الجنوبية في كتاب صدر عن وزارة الثقافة والإعلام في بغداد سنة 1982. وكان الدكتور أحمد عثمان قد نشر أربعة أجزاء من الكتاب في جريدة التآخي في بغداد سنة 1972 في حين صدرت الترجمة التركية له سنة 1998 عن دار نشر بيري في اسطمبول – تركيا. وقد قمت بشرح هذه الرسالة باللغة الكردية ووضعت لها شروحات واسعة وكتبتها باللغة الكردية المعاصرة ليتسنى فهمها للأجيال الجديدة وقد نشر العمل عن دار نوبهار في اسطمبول.
لا يتطرق هذا الكتاب إلى الحياة المدينية للشعب الكردي بل يتحدث في الأساس عن عادات القبائل الرحل من الأكراد. وأينما ورد لفظ الكرد أو الأكراد فإن الكاتب يعني به الرحل فقط تماماً كما كان البلدانيون العرب المسلمون يكتبون في مصادرهم عن الأكراد ويعنون بهم سكان الخيام من قبائل الأكراد البدو. وهذا يدل على طغيان حياة البداوة لدى الشعب الكردي على مدى تاريخ طويل.
واللافت للنظر أن ملا محمود بايزيدي يبدأ كتابه بعد البسملة بمقدمة مختصرة جداً بعكس الكتب التي كانت تصدر في العهد العثماني وتبدأ بمقدمة مسهبة فيها الكثير من الثناء على السلطان العثماني الذي نُسِخَ الكتابُ في عهده. وأعتقد أن هذا الأمركان بتأثير من القنصل جابا الذي آثر الطريقة الغربية في التأليف أي الدخول مباشرة إلى الموضوع. كما أن من اللافت للنظر أيضا أن المؤلف يعتمد النظرية الشائعة عن أصل الأكراد وهي التي وردت في كثير من كتب البلدانيين والمؤرخين العرب المسلمين والتي ترد الأكراد إلى الأصل العربي وتعتبرهم قبيلة عربية هاجرت من موطنها الأصلي ونسيت لغتها الأم بسبب مخالطتها للأقوام و القبائل الأعجمية وسنعود لهذا الموضوع ببعض من التفصيل في الهوامش على النص المترجم.
لم يستعمل ملا محمود بايزيدي في كتابه هذا لغة أدبية، بل كتب عمله بلغة سهلة مبسطة جدا توخى منها سرعة الفهم من القراء، خاصة أنه كان يعلم أن الكتاب سيقع بين أيدي باحثين أجانب لا يتقنون اللغة الكردية تمام الإتقان. وهو بقدر ما ركز على المعلومات المتعلقة بتفاصيل الحياة البدوية لقبائل الأكراد، أهمل الجانب اللغوي.
أمر آخر يثير الانتباه في هذا الكتاب وهو غض النظر عن أحد أهم العادات الكردية وهو الاحتفال بعيد النوروز فلا يرد له ذكر بالرغم من أن بايزيدي تحدث عن تفاصيل الأعياد والاحتفالات ومراسيم الزواج … الخ. ويبدو أن عيد النوروز الذي تحتفل به أقوام شرقية كثيرة لم يكن دارجاً بين الأكراد البدو، إنما كان الشائع أن يحتفل أهل المدن بهذا العيد الذي يؤذن بقدوم الربيع. إن هذا الكتاب مرآة تعكس بجلاء حياة البداوة الكردية اجتماعياً، ويسلط الضوء على معتقدات الكرد وأساليب حياتهم وسلوكياتهم في السلم والحرب والزواج والرعي والأخذ بالثأر وقطع الطرق أمام القوافل ورحلة الصيف إلى الجبال ثم النزول منها بحثاً عن الكلأ.
لقد وضعت بعض الهوامش بهدف تقريب الغامض منه إلى ذهن القارئ وتبيان ما قد يغفل عليه، راجيا أن يساهم هذا الكتاب في تعريف القارئ العربي، ولو بشكل بسيط، بالشعب الكردي، الجار التاريخي للشعب العربي منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان، وإطلاعه على عاداته وطبائعه في القرن التاسع عشر ومدى تشابه هذه العادات بعادات القبائل العربية.
لا بد لي في النهاية من أن أشكر كلا من الباحث الكردي فرهاد شاكلي، المحاضر في جامعة أوبسالا بالسويد، الذي أمدني بنسخة مصورة من المخطوطة الأصلية. كما ينبغي إسداء جزيل الشكر للأستاذ سعيد ديرشي الذي بعث بدوره نسخة أخرى من المخطوطة، اعتمدتها في هذه الترجمة العربية الأولى لهذا الكتاب القيم.
1 – Grammatica e vocabolario della lingua kurda العنوان بالإيطالية:
2 – “This work is very important in the Kurdish history as it is the first acknowledgement of the originality of the Kurdish language on a scientific base. Garzoni was given the title of Father of Kurdology, and of The pioneer Kurdish grammarian”.
3 – مينورسكي. الأكراد. ص65ilab.org/db/detail.php?lang=de&membernr=1293&ordernr=B346676
5 – ليرخ: أبحاث حول الأكراد، ص.52(باللغة الألمانية)
6 – محسن سيدا. syriakurds.com/2007/adab/mulla.htm
7 – داشبندي: عادات ص33
8 – محسن سيدا. مصدر سابق
9- فاسيلييفا. ترجمة تيمور خليل من رسالة خاصة بعثها لي السيد خليل من هو. ولعل المدرسة هي المدرسة المرادية في بايزيد. وهي مدرسة عريقة خرّجت خلال عدة قرون الكثير من علماء الدين والشعراء الأكراد.
10 -انظر: سعيد ديرشيز ترجمة شرفنامه . ص356
11 – المصدر السابق. ص370
12 – تم تعيين جابا قنصلاً لروسيا في مدينة أرضروم في شهر أيار عام 1856. المصدر السابق
13 – المصدر السابق.
14 – .alparty.org/modules.php?name=News&file=print&sid=207. وللأسف لا يشير الكاتب إلى المصادر التي استقى منها معلوماته التي تقول إن تاريخ الوفاة هو سنة 1860.
15 – بدليسي: شرفنامه، ص. 37
16 – المصدر السابق. [1]