قراءة في كتاب “كردستان أول صحيفة كردية”
عبد المجيد محمد خلف
كردستان أول صحيفة كردية، للباحث فارس عثمان
صادر عن دار النشر (دار)، قامشلو، الطبعة الأولى عام 2017. كتاب يقع في (214) صفحة من القطع المتوسط…
يقف الإنسان ذاهلاً أمام التطور الإعلامي الكبير الذي أصبح أحد أبرز حقائق نهايات القرن العشرين، والمرشح لأن يكون الحقيقة الأبرز مع دخول العالم الألف الثالث للميلاد.
وإذا كان هذا التطور يتجلى بأشكال، وصور شتى، تتماهى مع الزمان والمكان فتزيل حدودهما لأول مرة في التاريخ، فإن تجلياته الأهم، وفعله الأقوى يكمن في صياغة جديدة للأفكار والقيم والمفاهيم، فمبادئ العدالة والمساواة والحرية والسيادة تقتضي احترام الآخرين، واحترام ثقافاتهم الوطنية، وتراثهم، مهما كانت هذه الثقافات، ولابد أن نعمل جميعاً على الاستفادة من هذه الإمكانات المتاحة حتى نستطيع خلق مجتمع واع مثقف، يعي المرحلة التاريخية التي نعيش فيها بكل تجلياتها، أبعادها، حوادثها، تحدياتها، المستقبل الذي تحمله لنا؛ لنتمكن من تحقيقه، ونسعى إليه بخطوات حثيثة وثابتة، منطلقين أولاً من الماضي الذي تركه لنا مفكرون كبار، وعاملون واعون في مجال الصحافة، مدركون لما لها من دور كبير في الارتقاء بالثقافة والتاريخ والتراث الكردي بشتى مجالاته، لغة، شعراً، نثراً، مسرحاً، أدباً شفاهياً، من أمثال جلادت بدرخان،كاميران بدرخان،أوصمان صبري، قدري جان،جكرخوين وغيرهم، ممن كان لهم باع طويل في هذا المجال، حيث قدموا كل غال ونفيس من أجل بلوغ الأهداف التي وضعوها نصب أعينهم، ولم يألوا الجهد في أي مجال؛ لترتقي مدارك أبناء المجتمع، ويسيروا على الدرب الذي خططوا له، وساروا هم فيه حتى النهاية، وباعتقادي نجحوا فيه في مواقع كثيرة؛ فابتكار أبجدية أولى للغة الكردية، وتوحيد حروفها، وتنبيه الأذهان إلى ضرورة وأهمية العلم والمعرفة والإعلام في تطوير المجتمع الكردي، وإنقاذه من همومه، ومن مشاكله الكثيرة، ونشر صحيفة كردية في فترة عصيبة من زمن يحفل بالكثير من الأحداث هو بحد ذاته إنجاز كبير، ومعلم بارز في حياة الشعب الكردي وتاريخه وتراثه، إذ أن هذه الجريدة استطاعت بالفعل أن تثبت أنها لسان حال الكرد وتاريخهم وحياتهم، واستطاعت أيضاً أن تكون خير وثيقة عن الفترة الزمنية التي صدرت فيها، وتغطي كل أحداثها بتفاصيلها ودقائقها، وتغطي الأحداث العالمية المتجسدة في الحروب التي طحنت المجتمعات الإنسانية، وطالت نيرانها الجميع، حتى الشعب الكردي نفسه، وهي الحرب العالمية الأولى والثانية، إضافة إلى الارتقاء بالأدب بكل أجناسه ك (القصة، الشعر، المسرح، المقالة) المعروفة في تلك الفترة.
لقد كتبوا بوحي من ضمائرهم، وأسهموا بشكل كبير في نهضة الثقافة الكردية، وكانت لهم اتصالات وعلاقات مع كافة الكتّاب الموجودين في جميع أنحاء كردستان، حتى مع الكتّاب في الخارج أيضاً، هذا يعني أنهم تمكنوا من إيصال صوت الكرد وواقعهم إلى الدول المجاورة،عبر كتّابها ليطلعوا على حياة الكرد وتاريخهم، ويدعموا قضيتهم في الاستقلال،والتخلص من سواء أكان ظلم العثمانيين واستعبادهم، وسياسة التتريك لديهم، أم من الاستعمار الغربي..
يقسم البحث إلى مقدمة، وثمانية عشر فصلاً، يتعلق بمواضيع البحث التي يتم النقاش فيها، فالباحث يتطرق في الدراسة إلى مواضيع شتى متعلقة بالدراسة، المقدمة تشمل أهمية البحث، والأسباب التي دفعته إلى القيام به، والوقوف على هذه الجريدة التي يحتفل الكرد بإتمامها مئة عام على صدورها، من دون أن تكون هناك أبحاث تتناولها، أو دراسات كردية مكتوبة باللغة العربية، وفي ذلك يقول: “ففي 22 نيسان عام 1898 م صدرت أول صحيفة كردية باسم كردستان، وبذلك انطلقت مسيرة الصحافة الكردية، ودخل الكرد سراي صاحب الجلالة، وأخذت الصحف والمجلات الكردية التي اتكأت على إرث كردستان خلال قرن ونيف رغم الصعاب، والوقوف، والتلكؤ تشق طريقها رويداً رويداً، وتمكنت بجهود فردية محدودة من تجاوز وتخطي العراقيل الذاتية والموضوعية لتجد لها مكاناً في ميديا الإعلام العالمي…
ففي العقد الأول من القرن العشرين- القرن الواحد والعشرين، الذي يعتبر قرن الإعلام بامتياز، دخل الكرد ميدان الساحة الإعلامية العالمية…. واستطاع الإعلام الكردي بكافة أقسامه، أن يجد له مكاناً لا بأس به بين وسائل الإعلام العالمية، وتمكنت بعض الصحف ووسائل الإعلام الكردية من لعب دور في صناعة وتوجيه الرأي العام الكردي، إضافة إلى الدور الثقافي والتنويري، وتشكيل الوعي القومي، والحفاظ على القيم الثقافية والاجتماعية الكردية.
وضعت جريدة كردستان اللبنة الأولى لما يمكن تسميته ب (النقد الكردي)، لتنقد الواقع الكردي، ودراسة وتشخيص هذا الواقع بشكل دقيق، من مختلف الجوانب الاجتماعية، السياسية، الثقافية، والتوقف عند سيكولوجية الشخصية الكردية من زاويتين: الأولى العلاقة الكردية الكردية- والثانية العلاقة الكردية مع المحيط، والآخر المختلف… والتسمية التي أطلقت على هذه الجريدة ليست اعتباطية؛ فلاختيار هذا الاسم، وإطلاقه على أول صحيفة كردية في نهاية القرن التاسع عشر أكثر من معنى، ودلالة سياسية وثقافية، أهمها:
أ- تمييز صحيفة كردستان عن بقية الصحف التي كانت تصدر في ظل الدولة العثمانية، باختيار اسم كردستان لتكون صحيفة كردية بحتة اسماً ولغةً وصاحباً ومضموناً؛ فاسمها كردي، وصاحبها كردي، ولغتها كردية، ومضمون ومواد الصحيفة كردية، وتبحث في الشأن الكردي.
ب- تبلور الوعي القومي الكردي لدى عائلة بدرخان التي كانت لها بصمات واضحة في معظم مجالات السياسية والثقافية والفكرية الكردية اعتباراً من القرن التاسع عشر، وتجلى ذلك في معظم المواد المنشورة في الجريدة، والتي تدعو الكرد إلى التمرد على الواقع الاجتماعي والسياسي والإقبال على العلم. ووحدة الصف لمواجهة الأخطار الداخلية والخارجية.
ج- دعوة الكرد من خلال تسمية الجريدة باسم كردستان إلى البحث في تاريخهم السياسي والثقافي والجغرافي حتى.
ه- دعوة الكرد إلى التمسك بحقوقهم القومية ووطنهم، ف (لكلمة كردستان وقع خاص على مسامع الكرد بمختلف شرائحهم).
د- حمل هموم الكرد، والدفاع عنهم ضد تضييق العثمانيين وملاحقتهم لهم.
لأن صاحبها مدحت بدرخان نشر الجريدة في مصر هرباً من الأتراك العثمانيين، الذين لاحقوه مثلما لاحقوا المتنورين العرب الذي قاموا هم بدورهم بإصدار العديد من المجلات والصحف في مصر، ونشّطوا الحركة الثقافية والصحافة فيها، منها جريدة الوقائع المصرية- والهلال- والمقتبس.
لذلك اتخذت هذه الجريدة من القاهرة مركزاً لانطلاقها إلى كافة أرجاء كردستان، (طبعا كانت الجريدة توزع بشكل مجاني، وتبلغ عدد طبعاتها 2000 نسخة). ناهيك عن توزيعها على الجالية الكردية في أوربا..
ومدحت بدرخان صاحب الجريدة يعود بأصوله إلى إمارة (بوتان)، هذه الإمارة التي تتمتع بمكانة عالية، وأهمية بارزة لدى الكرد، وتشكل رمزاً تاريخياً قومياً له دلالة كبيرة في الضمير الجمعي عندهم، وخاصة في التاريخ الكردي المعاصر، فأصحاب هذه الإمارة قاموا بدور كبير في مناهضة السلطة العثمانية، وقدموا التضحيات الجسام، وبذلوا جهوداً جبارة في سبيل تنوير حياة الكرد، وتخليصهم من الأمراض الاجتماعية المتفشية بينهم، والتي تعود أسبابها بالدرجة الأولى إلى السياسات المتبعة من قبل تلك الدولة عليهم، وعلى غيرهم من الشعوب التي استعمرتها، وفي مقدمتهم العرب.
وكانت هذه الإمارة تمتلك مشروعاً قومياً في العصر الحديث، فأصبحت بمثابة نواة دولة كردية مستقلة، فهي كما يقول عنها مينورسكي: “مهد الأمة الكردية، منها خرجوا، وفيها اشتهرت الحركة الكردية أكثر من غيرها”.
لذلك امتلك صاحب هذه الجريدة فكراً تنويرياً متقدماً، وأخذ على عاتقه مهمة تخليص الشعب الكردي من الجهل والتخلف، وغيرها من العلل التي وقفت عائقة أمام تطوره ونهضته من خلال جريدته كردستان، كما فعل الأمير جلادت بدرخان ذلك فيما بعد في مجلة هاوار.
والظروف التي رافقت حياته دفعته إلى ذلك؛ فولادته كانت في جزيرة كريت عام 1858م، انتقل بعدها إلى استنبول لمتابعة دراسته، تعرض للسجن بعد فشل الثورة التي شارك فيها ضد العثمانيين عام 1898م، فغادر استنبول، واتجه إلى القاهرة، ومن هناك قرر إصدار جريدة كردستان، واستمر في نشاطه السياسي حتى فارق الحياة في عام 1915م.
أما أخوه عبد الرحمن الذي وقف إلى جانبه في إصدار الجريدة، فقد تابع إصدارها في أوربا فترة من الزمن، وكان المساعد الأكبر له في هذا المجال، وبقي يمارس نشاطه السياسي حتى توفي عام 1936م.
ويشير لنا الباحث إلى حجم وشكل الجريدة، فكانت تقع في أربع صفحات من الحجم المتوسط (25،5 سم- 5، 32سم)، باللغة الكردية (اللهجة الكرمانجية- لهجة بوتان)، بالأحرف العربية، -(بالخط الفارسي)- التي كانت تستخدم للكتابة في الدولة العثمانية.
وصدر العدد الأول من جريدة كردستان في القاهرة يوم الخميس 22 نيسان عام 1898م، الموافق ل 30 ذي القعدة عام 1315ه، 9 نيسان عام 1314 رومي عثماني.
واعتباراً من العدد الرابع، أصبحت تصدر باللغتين الكردية والتركية، واستخدمت اللهجة السورانية مرة واحدة فقط في العدد الثالث، عندما نشرت قصيدة لحاجي قادر كويي عن ملحمة مم و زين.
وقد صدرت جميع أعداد الجريدة التي بلغت (31) عدداً خارج كردستان، ما بين مصر وسويسرا وبريطانيا، لأن السلطات العثمانية كانت ترفض بشكل قاطع صدور صحيفة كردية باسم كردستان في الأراضي العثمانية سواء أكان ذلك في استنبول، حيث كان يعيش مقداد مدحت بدرخان، وغالبية أفراد العائلة البدرخانية، أم في أي منطقة أو مدينة كردية من مدن كردستان، لذلك لجأ مدحت بدرخان إلى مصر لإصدار صحيفته.
رغم بعد مصر عن الدولة العثمانية، إلا أنها بدأت تمارس الضغط على صاحب الجريدة بالطلب من السلطات المصرية بإيقاف إصدارها من جهة، وتهديده بشكل مباشر، أو غير مباشر إلى التخلي عن إصدارها، والعودة إلى استنبول.
وحين أدرك صاحبها استحالة الاستمرار في إصدارها، قرر مع شقيقه عبد الرحمن متابعة إصدارها في إحدى الدول الأوربية. إلا أنه ورغم انتقال الجريدة من مصر إلى مدينة جنيف بسويسرا اعتباراً من العدد السادس، لتكون بعيدة عن أجهزة الاستخبارات العثمانية، إلا أن السلطات العثمانية لم تتخل عن تعقب الصحيفة، والتضييق عليها بتوجيه مباشر من السلطان عبد الحميد الثاني، ما دفع بعبد الرحمن إلى الاستمرار في متابعة إصدار الجريدة التي تنقلت خلال أربع سنوات بين ثلاث دول هي (مصر- سويسرا- بريطانيا).
وقد أوضح الأمير مقداد بدرخان الهدف من إصدارها مع العدد الأول منها وهو: “أصدر هذه الجريدة، وقد وضعت نصب عيني هدف ترسيخ الاهتمام والحب في نفوس أبناء قومي إزاء التعلم، ولأمنح الشعب فرصة التعرف على حضارة العصر وتقدمه، وكذلك على أدبه…. ولا أبغي من صدور هذه الجريدة ولو من بعيد سوى مصالح شعبي وسعادته، ورفع المستوى الثقافي لبني جلدتي”.
ودعت الصحيفة في معظم مقالاتها ودراساتها إلى:
وحدة الصف الكردي، اليقظة القومية للكرد، رفع الوعي والشعور القومي الكردي، المطالبة بالحكم الذاتي والإدارة اللامركزية للكرد في الولايات الكردية، الحفاظ على العادات والتقاليد والفلكلور الكردي وقيم المجتمع الكردي، محاربة الجهل والتخلف والأمية والاهتمام بالتعليم، إنصاف الفلاحين والكادحين والفقراء الكرد المضطهدين من الدولة، الاهتمام بالمرأة الكردية وبتعليمها، تحسين وتطوير العلاقات مع الشعوب والمكونات التي يتعايش معها الكرد، مواجهة أطماع الدول الخارجية وخاصة الروسية والفرنسية…
ويعالج الباحث مجموعة هامة من القضايا التي تم التركيز عليها في الجريدة، وهي: الجانب القومي والخصائص القومية للكرد- الحياة الاجتماعية- تاريخ الكرد وكردستان- الأدب الكردي- الجهل والأمية والتعليم في كردستان- الموقف من السلطان عبد الحميد الثاني- العلاقة مع الأرمن- ألوية الفرسان الحميدية- بريد الصحيفة والرسائل المنشورة فيها- الموقف من العلاقة مع بريطانيا العظمى- الموقف من العلاقة مع روسيا القيصرية- الموقف من العلاقة مع فرنسا.
وفي النهاية يؤكد الباحث على صعوبة وضع ببلوغرافيا للصحيفة (تصنيف- قاعدة بيانات) شاملة؛ نظراً لعدم وجود عناوين بالخط العريض، أو مانشيت، لكنه رغم ذلك حاول وضع قائمة بأهم المواضيع والمقالات وبيانات التي يمكن الاستفادة منها، والرجوع إليها.[1]