علاقة الكرد بالقوى الأجنبية.. ضرورة لحماية الوجود
فرياد رواندزي
أسهم الكرد بدور أو أدوار في المنطقة التي تقاسموا فيها مع الآخرين موطنا، ولم تنته لصراعات بين دول المنطقة التي تتقاسم موطن الكرد أو تمر من غير أن يرى الباحث بصمات كردية عليها، وفي بعض المرات دخل الكرد في مثل هذه الصراعات والأحداث كجزء من اللعبة، ومن دون أن يدركوا أنهم أصبحوا أدواة في اللعبة التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل، لكن يجب أن نؤكد أنه كل في مرة دخل الكرد بأية لعبة إقليمية فإنهم كانوا يقصدون من ورائها ترسيم موطئ قدم كردي في كردستان.
البحث عن وطن
كانت أول مشاركة كردية حقيقية في أحداث المنطقة، قد حصلت قبل وأثناء معركة جالديران 1514 بين الدولتين الصفوية والعثمانية، اذ وقفت الغالبية العظمى من الكرد في حينها إلى جانب العثمانية، ربما بسبب النوازع المذهبية حيث الغالبية العظمى من الكرد تنتمي إلى المذهب السُني، أو بسبب الوعود التي قطعها السلطان سليم الأول للكرد بزيادة نفوذ أمرائهم وإعفائهم من الضرائب، وبما أن أرض كردستان تحولت إلى ساحة للمعركة بين الجانبين فإن العامل الكردي كان مهما في حسم المعركة وتقسيم المغانم على الإمبراطوريتين، في النهاية وكما في كل مرة خسر الكرد موطنهم، حيث شهدت كردستان أول تقسيم لها بين الصفويين والعثمانيين إثر تلك المعركة، وعدا المكاسب الآنية لبعض أمراء الكرد، فإنهم لم يحققوا أي قدر من الاستقلال الذاتي لإماراتهم، وبعد أن هدأت العاصفة تفرغ الصفويون والعثمانيون للكرد وتمت تصفية الحسابات معهم.
بذل الكرد جهودا حثيثة لتاسيس دولتهم بعد انهيار العثمانيين لكنهم لم يحسنوا التعامل مع الانجليز بل وقاموا بمعاداتهم فضاع حلمهم بالدولة
وظهرت العلامة الأبرز في العلاقات الكردية الخارجية من أجل تحقيق مطامحهم القومية بعد انهيار الدولة العثمانية، ففي أعقاب هذا الانهيار وعلى أعتاب تأسيس الدولة التركية الحديثة، كانت هناك دول أخرى في طريقها إلى الظهور بخارطة جديدة، وقد بذل الكرد آنذاك جهودا حثيثة من أجل ضمان حقوقهم وتأسيس دولتهم، فقبل اتفاقية سيفر 1920، كان الشيخ محمود الحفيد قد جنح نحو تأسيس مملكة كردستان وعاصمتها السليمانية، ولم يكن الشيخ الحفيد موفقا في رسم سياسة خارجية واضحة ليجني من ورائها مساندة خارجية، حيث تأرجح في مواقفه بين الميل نحو الأتراك تارة ومغازلة الفرس تارة أخرى، في حين أنه لم يحسن التعامل مع الإنجليز الذين كانوا في قلب المنطقة لوضع صورة جديدة لخارطة المنطقة بالتعاون والتنسيق مع فرنسا.
ويبدو أن الشيخ محمود الحفيد كانت تسيطر عليه نوازعه الإسلامية أكثر من سواها، لذلك لم يستثمر وعود الحلفاء واتخذ من سياسة معاداة الإنجليز أسلوبا، وكانت النهاية أن انتهى حلمه بدولة كردية بعد إلحاق كردستان الجنوبية (ولاية الموصل وولاية شهرزور) بالدولة العراقية التي تأسست على يد الإنجليز عام 1921.
لقد غادر الملك محمود الحفيد مع المئات من مقاتليه الأشداء إلى جنوب العراق في البصرة والسماوة لمساعدة شعلان أبو الجون عندما قاد ثورة العشرين ضد الإنجليز. إن هذه الخطوة لم تكن موفقة في الوقت الذي كانت المنطقة برمتها تغلي من أجل أن ترسو بوضع جديد ويأخذ كل شعب نصيبه، في حين أن مشايخ الخليج ومنهم أمراء الكويت وبلاد الشام قد أدركوا جيدا كيفية التعامل مع الوضع الجديد من أجل تأسيس دول تحت وصاية الإنجليز والفرنسيين.
التحالفات الخاطئة
إن اتفاقية سيفر 1920 والتي نصت موادها (64،63،62) على حق تقرير المصير لكردستان الجنوبية (كردستان العراق حاليا) قد قبرت باتفاقية لوزان 1923، ولم يأت ذلك بسبب الغدر الذي لحق بالكرد من قبل الحلفاء بل بسبب عدم وضوح الرؤية السياسية لقراءة الأوضاع من قبل قادة الكرد آنذاك، فقد أخطأوا في تحالفاتهم واصطفافاتهم، إذ بدلا من أن يلتفوا حول صاحب القرار، التفوا حول من كان ينتظر النعمة من صاحب القرار.
وحتى عند تأسيس الدولة العراقية عام 1921، حيث لم تكن ولاية الموصل ومشكلتها قد حُلت بعد، فقد صوتت الغالبية العظمى من الكرد لصالح الانضمام إلى الدولة العراقية في الاستفتاء الذي جرى العام 1925 وكان اختيارهم هذا حاسما في تقرير مستقبل ولاية الموصل وكردستان العراق الحالية، ورغم أن هذا الموقف جاء نزولا عند رغبة الإنجليز، فإن الوعود المعسولة التي وضعها الإنجليز على موائد شيوخ العشائر الكردية لم تتحقق، ولم تفِ الحكومة الملكية بوعودها لتحقيق مطامح الكرد لتأسيس كيان خاص بهم في كردستان الجنوبية. إن تصويت الكرد لضم كردستان الجنوبية إلى العراق لم يكن حبا بالحكومة الملكية حديثة العهد ولا كرها لحكومة مصطفى كمال أتاتورك، بل كان محاولة من سكان ولاية الموصل لإظهار حسن النوايا نحو الإنجليز لتنفيذ وعودهم التي تجسدت في بنود اتفاقية سيفر وبنود إعلان الرئيس نلسون.
حاول الكرد تقليد العرب والفرس في حركتهم السياسية والعسكرية وفي تحالفاتهم الأجنبية، لكن هذا التقليد كان أعمى لم يراع المصالح الخاصة للكرد
وفي منتصف الأربعينيات من القرن الماضي أصبحت إيران الشاه رضا بهلوي مسرحا للعمليات الحربية في الحرب الكونية الثانية، وكان ذلك فرصة للكرد والآذريين لإعلان نوع من الاستقلال والوقوف بجانب الاتحاد السوفياتي، وهكذا أعلن القاضي محمد عن تأسيس جمهورية كردستان (مهاباد) مستفيدا من المساندة السوفياتية والأوضاع التي آلت إليها الحرب الكونية، إلا أن عمر هذه الجمهورية الفتية وجمهورية آذربيجان وعاصمتها تبريز لم يدم أكثر من سنة، بعد أن تراجع السوفيات عن دعمهما، وسقطتا وأعدم القاضي محمد رئيس كردستان بساحة الاستقلال في مهاباد، دون أن يتحرك السوفيات لإنقاذ الجمهورية أو حتى حياة قائدها. إن تخلي السوفيات عن الكرد والآذريين جاء بعد أن أعطى شاه إيران الوعود الكبيرة لموسكو بالاستثمار والكشف عن آبار البترول في إيران لمصلحة الاتحاد السوفياتي.
ولم تكن محاولات الكرد للجنوح نحو الإنجليز أو نحو الروس في العراق وإيران على حساب الشعور ألتوأمي للكرد مع العرب والفرس، بل بالعكس فالحركة الكردية بشقيها السياسي والعسكري كانت تقلد العرب والفرس في التقرب من الإنجليز والروس، لكن المعادلة السياسية التي ولدت بسبب تقاسم كردستان بين دول المنطقة لم تكن قط مثل تلك التي جرت للشعوب الأخرى، فكان التقليد الكردي تقليدا أعمى كان يجب أن يكون وفقا لقراءة خاصة للمصالح التي تجمع هذه القوى مع الكرد وليس اتباع قراءة الآخرين لرسم السياسة الكردية.
العلاقة مع اسرائيل
لا يمكن أبدا ان نتحدث عن العلاقات الخارجية للكرد، دون التعريج على العلاقات (الكردية الإسرائيلية) وهي العلاقات التي بدأت تظهر بوادرها من خلال اتصالات بين طلبة الكرد الدارسين في أوروبا والصحفيين الإسرائيليين الذين نقلوا وجهات نظر الطلبة الكرد إلى الجهات الرسمية الإسرائيلية في بداية الستينيات من القرن العشرين، حيث بدأت الثورة الكردية في كردستان العراق بقيادة الزعيم الكردي الراحل ملا مصطفى البارزاني، لكن مثل هذه الاتصالات لم تتم بين القيادة الكردية والإسرائيليين إلا نهاية عام 1964.
إن البارزاني كان مترددا في تلك الأوقات ليس فقط في إقامة العلاقة مع إسرائيل، بل في استلام المساعدات من الولايات المتحدة الأميركية أيضا، ويؤكد شميدت ذلك في كتابه (رحلة في أوساط رجال شجعان) مشيرا إلى أنه عندما سئل البارزاني، عما إذا كانت هناك إمكانية لأن يطلب الكرد مساعدات من واشنطن، اجاب بالنفي.
لم تأت العلاقات الكردية الإسرائيلية لتضرب العرب أو العلاقات العربية الكردية، ففي عام 1964 وفيما كانت بوصلة الموافقة الإيرانية لمد الكرد بالمساعدات الإسرائيلية قد توقفت عند مقر القيادة الكردية، فإن القيادة الكردية دخلت في المفاوضات مع حكومة عبد السلام عارف مستندة إلى موقف الرئيس الراحل جمال عبد الناصر المؤيد لحل القضية الكردية في العراق بطرق سلمية. لكن عارف لم يستثمر الفرصة وبدأ القتال ثانية، وفي أحد مؤتمرات القمة العربية سأل الحبيب بو رقيبة الرئيس عارف عن الأوضاع في الشمال الكردي فردّ عليه إنهم مجموعة شكلوا عصابات للنهب والسلب وقتل الشرطة في المخافر. فنصح بورقيبة الرئيس العراقي قائلا وهنا تكمن المشكلة عندما لا تعترفون بهذه العصابة بأنهم يريدون شيئا.
إسرائيل استثمرت السياسة الخاطئة للحكومة العراقية ووقوف بعض الحكومات العربية معها لتعرض المساعدات على الكرد.
ومع أن المساعدات الإسرائيلية كانت تصل الثورة الكردية، لكن القيادة الكردية بشقيها قيادة البارزاني- قيادة طالباني، لم تتوقف في توطيد العلاقات مع الفصائل العربية الثورية، لا سيما الفلسطينية منها، ولم توصد أبواب المفاوضات مع الحكومة العراقية 1964، 1966، 1967 وحتى بعد انقلاب عام 1968، بل إن القيادة الكردية كانت دائما رهن الإشارة لبدء المفاوضات على أساس منح الحكم الذاتي للكرد.
الورقة الكردية
إن السياسة الخاطئة للحكومة العراقية وإنكارها لوجود المشكلة الكردية ووقوف بعض الحكومات العربية مع بغداد، كان لها تأثيرها في استثمار هذه الأوضاع من قبل الحكومة الإسرائيلية لعرض المساعدات للكرد، وقد أكد الزعيم الكردي ملا مصطفى البارزاني لأحد الزوار الذي كان يحمل رسالة غير مباشرة من تل أبيب إن من الضروري أن يعيش الكرد مع العراقيين لذا فإننا نطالب بالحكم الذاتي في إطار الجمهورية العراقية.
إن العلاقات الكردية الإسرائيلية التي لم تكن بعيدة عن عيون شاه إيران والولايات المتحدة الأميركية، لم تكن إلا مصلحة إسرائيلية لإضعاف العراق وهو هدف ربما كان يلتقي عنده الكرد والإسرائيليون، إلا أن أميركا تقول عن علاقاتها مع الكرد في تقرير لوكالة المخابرات المركزية الأميركية إننا نتفق مع الشاه في ضرورة عدم حسم الوضع الكردي إلى هذا الجانب أو ذاك. وهذا دليل على أن تلك الأطراف كانت تستخدم القضية الكردية كورقة، لكن القيادة الكردية لم تكن تمتلك خيارا آخر، غير استلام المساعدات حتى من الأعداء لدرء المخاطر عن الكرد والدفاع عن كردستان.
وعندما توصل شاه إيران مع صدام حسين إلى اتفاقية الجزائر على هامش قمة أوبك بالجزائر في مارس/آذار 1975 بوساطة الرئيس الجزائري بومدين، لم تتحرك لا إسرائيل ولا أميركا لإيقاف الشاه، وهكذا ذهبت ثورة سبتمبر/أيلول 1961 والتي استمرت إلى مارس/آذار 1975 وانهارت بسبب عدم التعامل الجدي من قبل الحكومة العراقية مع القضية الكردية، بل فضلت التنازل عن نصف شط العرب وأراض عراقية شاسعة لقاء خنق الثورة الكردية، وبدلا من أن يكون هواري بومدين وسيطا في الوقت ذاته بين الكرد والحكومة العراقية، مهد هو الآخر لضرب القضية الكردية فكان جرحا لم ينسه الكرد رغم أن شعراءهم غنوا للثورة الجزائرية أجمل قصائدهم وأصبحت صورة (جميلة بوحيرد) معلقة في كل بيت كردي.
استثمار المتغيرات الدولية
يعتبر عقد الثمانينيات مرحلة أخرى من تشابك العلاقات الكردية مع دول الإقليم، لا سيما تلك الدول التي تتقاسم كردستان. فبعد نجاح الثورة الإيرانية بقيادة الإمام الخميني، أصبحت مناطق شاسعة من كردستان إيران تحت سيطرة كرد إيران، لكن ما لبثت أن تمكنت القوات الإيرانية وحرس الثورة من إعادة السيطرة على تلك الأراضي. واستثمرت المعارضة الإيرانية سوء العلاقات بين طهران وبغداد للتوجه إلى الأراضي العراقية وإقامة معسكرات لقواتها. وقد أصبحت مساعدات صدام حسين للمعارضة الإيرانية بصورة عامة ملحوظة أثناء الحرب العراقية الإيرانية.
وكانت تربط الزعيم الكردي الإيراني د. عبد الرحمن قاسملو رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني علاقات جيدة مع صدام حسين، لكن تلك العلاقات لم تكن أبدا على حساب مبادئه وإيمانه بالقضية الكردية، وفي الوقت ذاته كانت علاقاته جيدة مع قادة الكرد العراقيين، ولفترة طويلة كانت مقرات قاسملو ملاصقة لمقرات قادة الكرد، بل إن قاسملو ذهب إلى أبعد من ذلك عندما توسط بين الكرد وبصورة خاصة بين جلال الطالباني أحد أبرز زعماء الكرد والرئيس العراقي الأسبق صدام حسين عام 1983.
كرد العراق أقاموا علاقة مع إيران وأقام الزعيم الكردي الإيراني قاسملو علاقة جيدة مع صدام حسين كما ارتبط الزعيم الكردي التركي أوجلان بسوريا لكن قلق هذه الدول من الكرد كان أكبر من خلافاتها مع بعضها
إن علاقات كرد العراق لم تتوطد مع الثورة الإيرانية إلا بعدما رفضت حكومة صدام حسين التوصل إلى اتفاق لحل القضية الكردية مع الطالباني عام 1984، وقد تهربت الحكومة العراقية من التصالح مع الكرد حتى بعد أن اصطدمت بقوة الإيرانيين في خوزستان، ووقعت تحت ضغط الحكومة التركية، بل إنها شنت حملة عسكرية انتهت بتدمير (4500) قرية وقصبة كردية في كردستان العراق، ولولا التقارب الكردي الإيراني لتحولت كردستان إلى ساحة معركة حقيقية على غرار مناطق الوسط والجنوب، بالإضافة إلى هذا فإن التقارب الكردي الإيراني قد جاء كون عدوهما مشترك وهو صدام حسين، بالإضافة إلى أنها كانت فرصة لتتنفس الثورة الكردية في ظروف الخناق التي كانت تفرضها تركيا والعراق على الكرد.
وفي مفاوضات عام 1983 والتي استمرت زهاء السنة، أشاد الرئيس العراقي صدام حسين بالسيد جلال الطالباني واعتبره وطنيا، لأن حزبه الذي كان الذراع الأقوى في الثورة لم يمد يده لإيران والقادة الجدد. لكن حتى هذه الشهادة من صدام حسين لم تفعل فعلتها، فكان الضغط على القيادة الكردية كبيرا من قبل قواعد الحزب وصفوف البيشمركة لفتح منفذ للمساعدات، ولم تكن الظروف تسمح بأكثر من إقامة العلاقات مع إيران.
أما عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني في تركيا فلم يخرج تقريبا من القاعدة، فكان يعيش في دمشق وسهل البقاع، وحتى أن أكثر قواته كان يشكلها الكرد السوريون بعلم ومعرفة المخابرات والسلطة السورية، لذا انتهى المصير بعبد الله أوجلان إلى السجن في إيميرلي بتركيا لأنه لم يحسن اللعبة الدبلوماسية واستثمار العلاقات المتوترة بين دمشق وأنقرة، بل وضع كل البيض في سلة دمشق التي سرعان ما تخلت عنه بعد ازدياد ضغط التهديد التركي لضرب دمشق وغزو البلاد لإلقاء القبض على أوجلان.
القضية المنسية
هكذا كانت العلاقات الكردية مع دول الجوار، التي كانت تبنى على أساس التناقضات والاختلافات الموجودة بين الدول التي تتقاسم كردستان، إلا أن تلك الدول مهما تعاظمت خلافاتها، لكنها كانت ترى في القضية الكردية أكبر تهديد لكياناتها وأكبر بكثير من الخلافات الموجودة بينها. لقد كانت هذه العلاقات ضرورية لتأكيد الكرد على البقاء وإبداء المقاومة وطرح بعض مطالبهم المتواضعة، وذلك في غياب الدعم الإسلامي والعربي والعالمي لقضية الكرد التي غدت تطلق عليها (القضية المنسية).
إن انهيار الاتحاد السوفياتي وظهور القطب الأميركي الوحيد في العالم، وتغيير مفهوم السيادة والعلاقات الدولية والمصالح المشتركة بين الدول في ظل النظام العالمي الجديد المتمثل ب (العولمة) قد فتحت آفاقا جديدة على القضية الكردية، فلم تعد العلاقات الكردية أسيرة الدول التي تتقاسمها، بل طرقت أبواب أميركا وأوروبا، وبالتالي لم تعد القضية الكردية قضية محلية فحسب، بل تحولت إلى مسألة عالمية وأصبح اللاعب الكردي معروفا فيها.
وكانت لسياسات الرئيس العراقي الخاطئة في الكويت وما بعدها، تأثيرها الكبير في إعطاء العلاقات الكردية الأميركية والعلاقات الكردية الأوروبية بعدا جديدا، حتى أن بعض الحكومات العربية لم تعد تخشى من غضب الحكومة العراقية ومدت هي الأخرى يدها نحو القادة الكرد وبصورة خاصة الطالباني والبارزاني، لاسيما بعد أن تبين لتلك الحكومات صدق الرسالة الكردية التي كانت ترغب في البقاء ضمن العراق، وكانت للتطورات اللاحقة في إقامة المنطقة الكردية الآمنة تأثيرها الكبير على توسيع تلك العلاقات على أساس بحث مستقبل العراق والتخلص من حكومة صدام حسين، واعتقد أن الحكومة التركية هي الأخرى وبسبب طموحاتها للدخول في النادي الأوروبي قد فتحت الآفاق أمام القضية الكردية بمعزل عن زعيم الحزب العمالي الكردستاني، والنظر إليها كقضية شعب لا يمكن أن يبقى هكذا.
العلاقات مع أميركا مسألة إستراتيجية للكرد تحميهم من التذويب والانصهار وعمليات الإبادة الجماعية
إن العلاقات الأميركية الكردية في العراق أصبحت مسألة إستراتيجية بالنسبة لكرد العراق وللولايات المتحدة الأميركية، وإن مثل هذه العلاقة لم توجه نحو أي طرف، وهي ليست اصطفافا أو تحالفا ضد الآخرين، بل إنها حماية من (دولة ضامنة) للدفاع عن الكرد في العراق من التذويب والانصهار وعمليات الإبادة الجماعية.
إن النخبة العربية الحاكمة والعالم الإسلامي يتحملان إلى حد كبير طريقة إقامة الكرد لعلاقاتهم مع دول الإقليم، ربما في بعض الأحيان على حساب تلك الدولة أو تلك. فلا يوجد في أرشيف مؤتمرات القمم العربية والإسلامية ما يشير إلى طرح قضية شعب مسلم كان يريد أن يتمتع بحقوقه البسيطة ولا حتى إشارة للدفاع عنه بوجه الممارسات الوحشية التي كانت تمارس ضده.
لم يكن أمام الكرد أي مفر من إقامة تلك العلاقات التي كانت مهمة وحيوية للمحافظة على وجوده.[1]