ولدت في عام 1908م في اسطنبول من عائلةٍ بدرخانيةٍ عريقةٍ ومناضلة, والدها هو الأمير عبد الرّزاق بدرخان الذي كان سياسيّاً ومناضلاً, ونتيجة مواقفه الجريئة يُعتَقل من قِبَل القوّات التّركية التي أمرت بإعدامه.
حيثُ يؤكّد الكاتب محمود لاوندي:
(أما والدها عبد الرزاق بك، فهو من مواليد اسطنبول عام 1864، وهو علاوة على دراساته التي أنهاها في مدارس الدولة الرسمية، كان قد تعلم اللغة الكردية في البيت دراسة وتعليماً أيضاً.
عمل في الوزارة الخارجية العثمانية فترة من الزمن، ثم قنصلاً لإيران، وكان قد بدأ مع اسماعيل آغا سمكو عام
1912 و1913 بممارسة العمل السياسي في كردستان إيران، حيث أنشآ جمعية gihîştin الثقافية، وراحا يفتحان المدارس الكردية،ويبنيان مشفى. وفي نهاية 1913اتجه نحو روسيا إلى مدينة بترسبورغ طلباً للإعانات المادية والسياسية.
ثم، وفي عام
1918 يعتقل من قبل الأتراك في الموصل، حيث يُعدم.)*
ووالدتها السّيّدة هنريتا (Henreitte Bedirxan (وهي من مواليد فيينا عاصمة النّمسا. وعندما أصدر النّظامُ التّركي قرار نفي الأسرةِ البدرخانية توجّهت مع والدتها إلى مصر وهناك أمضت طفولتها, ولكن بعد نشوبِ الحربِ العالمية ِ الأولى توجّهت الأسرة إلى أوروبا واستقرّت في سويسرا وفيها تابعت ليلى مراحل تعليمها المدرسيّة, ومن ثمّ قرّرت الانتساب إلى أكاديمية الفنّ (قسم رقص الباليه) في سويسرا ثمّ توجّهت نحو ألمانيا لإتمام دراستها والاختصاص في هذا المجال.
كانت ليلى امرأة مثقفة وواعية ومخلصة لشعبها وقضيّتها, لذلك لم يقتصر نضالها على فنّ الرّقص فقط بل كان لها اهتمامٌ كبير بالبحث والتّاريخ ولها أبحاث في الدّيانة الزّردشتية وفي الدّيانات القديمة (الهندية والفارسية والمصرية وغيرها), كما ولها دراسات وأبحاث مستفيضة في فنّ الرّقص والدّبكة في منطقة الشّرق الأوسط بالإضافة إلى اهتمامها الكبير بالتّراثِ الفنّي والفلكلوري لشعبها الكرديّ.
الميّزة الثالثة التي تتميّز بها هذه الفنّانة أنّها كانت تتمتّع بحسّ قوميّ أصيل وصادق توارثته من عائلتها العريقة والمناضلة.
لها ابنة وحيدة اسمها نيفين بدرخان, التي دخلت مجال الإعلام وهي صحفية مصرية معروفة في الوسط الإعلامي المصري.
حياتها الفنيّة, وتمتدّ بين عامي 1930- 1960م:
ليلى بدرخان آثرت أن تلجَ عالمَ الفنّ الذي لا يزالُ الدّخول إليه حتى يومنا هذا محرّماً على مجموعاتٍ نسائية تنتمي إلى شرائح واسعة في شرقنا الحبيب, واختارت عالم الرّقص وتحديداً رقص الباليه لتتخذه ساحة منيعة وميداناً واسعاً تعبّرُ من خلالهما عن مآسي عائلتها وشعبها الكرديّ ومنهم المرأة العالمية والكردية خصوصاً, فكان لها ما أرادت حين ذاع صيتها في عموم أوروبا وأمريكا وحتى في العديد من البلدان العربية.
ليلى بدرخان لم تختر هذا الفنّ جزافاً, بل اختارته عن درايةٍ ودراسةٍ أكاديمية, حين انتسبت إلى أكاديمية فنّ الباليه في ألمانيا, تمّ تابعت دراستها في بلدانٍ أوروربيةٍ أخرى كفرنسا واسبانيا وبلجيكا وغيرها من البلدان والدّول.
وتوكّدُ بعض المصادر على أنّها تأثّرت في اختيارها لهذا الجنس الفنّي الصّعب(رقص الباليه) براقصةِ الباليه العالمية ايسادورا دونجان ((Isadora Duncan عندما شاهدتها في القاهرة المصرية, وفي مصر بدأ اهتمامها بالفنّ وراحت تتابعُ كلّ ما يتعلّقُ بهذا الفنّ, وحين هاجرت إلى سويسرا بدأ شغفها به يزدادُ أكثر فأكثر, ثمّ انتسبت إلى المدرسةِ الفنيّة للرّقص في فيينا بالنّمسا, وفيها وقفت لأوّل مرّةٍ على منصّة الرّقص كراقصةٍ هاوية, فكانت بدايتها تحملُ بشائرَ خيرٍ وابتهاجٍ بصعودِ نجم فنّانةٍ جديدةٍ سيكون لها شأنها الكبير والمميّز في عالم هذا الفنّ, فنّانة قادمةٍ من عمق الشّرقِ الغارقِ في ظلماتِ الجهل والتّخلّف, فعلى الرّغم من الثّقافة العالية والحياة الأرستقراطية التي كانت تتمتّعُ بهما الأسرة البدرخانية عموماً, إلا أنّها وبحسبِ العديد من المراجع والمصادر رفضت قرار ليلى, بل وعارضت الفكرة تماماً ولم تتقبّلها, ودليلهم على ذلك أنّها وعلى الرّغم من امتلاكها لناصية الصّحافة والطّباعة الكردية لم تتحدّث يوماً عن ليلى, وحتى لم تشر إلى اسمها.
ليلى بدرخان تُعتبَر أوّل امرأةٍ شرقيّةٍ وأوّل كرديّةٍ تختار هذا الفنّ, وتمارسه بشغفٍ وجديّةٍ, وبذلك تتحدّى المجتمعات الشّرقية والمجتمع الكرديّ برمته بدءاً من أسرتها, وتتابعُ مسيرتها بثقةٍ وتحدّ.
أحبّت أن تقدّمَ من خلال فنّها الفنّ الكرديّ الأصيل الحديث منه والفلكلور, وتظهره إلى العالم بأبهى صوره ورونقه العذب, فاعتمدت على ذاكرتها القويّة التي كانت تتلقفُ بشغفٍ كلّ ما كانت تتلقاه من أسرتها التي كانت تولي اهتماماً كبيراً بالثّقافة والأدبِ الكرديين وبالحضارةِ الكردية, لذلك نجدها تمزجُ في فنّها بين الحداثةِ والتّراث, وكذلك الدّبكات والحفلاتِ التي كانت تحضرها مع شعبها الكرديّ في مناسباتٍ عدّة ومنها الأعراس, وعلى الرّغم من مغادرتها لأرض الوطن في سنّ مبكّرة إلا أنّ حبّها للغتها وثقافتها جعلها تختزنُ كلّ ما كانت تلقفته سابقاً.
ذاعت شهرتها في عموم أوروبا وفي أمريكا وفي العديد من البلدان العربية, ويُقال أنّ العديد من الملوك والرّؤساء وحكّام العالم من أوروبيين وعرب وشرقيين كانوا يحضرون حفلاتها, ويبدون إعجابهم الشّديد بالّلوحات الفنيّة الرّاقصة التي كانت تقدّمها.
نالت ليلى شهرة فنيّة عالمية واسعة, واهتمت بها الصّحافة اهتماماً كبيراً, وكانت العديد من الصّحف والمجلات تفردُ للحديثِ عنها صفحاتٍ واسعة.
أهم لوحاتها الفنيّة الرّاقصة:
قدّمت ليلى عشرات الّلوحات والدّبكات الفنيّة الشّرقية والكردية والعالمية ومن أبرزها رقصة الأفعى, وباليه الملكة بلقيس, حيثُ أدّت فيه دور بلقيس, وباليه الفتاة الغجرية وفيها تلعب دور فتاةٍ غجرية.
كانت تعتزّ بكرديتها وتؤكّدُ في العديد من المناسبات على كرديتها وعلى انتمائها للعائلة البدرخانية, وهذه فقراتٌ نقتبسها من مقالة الكاتب لاوندي عن هذه الفنّانة:
(في عام 1932، أجرت دار (Mide) للصحافة مقابلة مع راقصة الباليه ليلى بدرخان، استهلتها بالقول:
أنا كردية، جدّي أمير متوّج في كردستان، بسط نفوذه على مناطق شاسعة. عندما كنتُ طفلة، ذهبتُ إلى مصر مع والدتي، وقضيتُ فترة طفولتي هناك؛ في أعقاب الحرب العالمية الأولى، أتيتُ إلى أوربا، وتحديداً سويسرا. لقد أحببت الرّقص دائماً، وفي مصر كنتُ قد تعوّدتُ مشاهدة النساء الشعبيات أثناء رقصهن. أنا أؤدي منوعات شعبية، كذلك اخترعتُ أداءً خاصاً بي، فعندما أرقص، لا أستعمل ساقيَّ كثيراً، بل يديَّ وجسدي.
بعد الوفاة المأساوية لوالدي الأمير، هربتُ من بلادي المثخنة بالجراح، وأصبح الرقص هدف حياتي. سافرتُ إلى ألمانيا وسويسرا وبريطانيا، وقدمت العديد من العروض في المدن الكبرى لتلك البلدان. استقررت في باريس، وخصصت عاماً كاملاً من حياتي لدراسة تاريخ الأديان الايرانية القديمة والفرعونية والهندية، وكذلك طقوس الرقص الشرقي المقدس (رقصات المعابد).
توفيت ليلى بدرخان في باريس عاصمة فرنسا في شهر أيلول من عام 1986م, بعد عمرٍ مديدٍ جابت من خلاله مختلف أصقاع العالم, وبعد تلذذها بشهرةٍ عالميةٍ واسعة.
[1]