الحملة التركية ضد الكرد – رؤية استراتيجية
بقلم اللواء (المتقاعد): غيرشون هاكوهين*
تاريخ النشر: 31 تشرين الأول/أكتوبر 2019
ترجمة: عمر رسول
ملخص تنفيذي: في ضوء الأحداث الإقليمية الأخيرة بشكل عام والغزو التركي لسوريا بشكل خاص، تحتاج إسرائيل إلى إعادة النظر في الأساس المنطقي الاستراتيجي الأساسي ليس فقط لأنشطتها السرية في الدول المجاورة ولكن أيضاً في سلوكها العلني، وإلا قد تجد نفسها في حالة حرب مع المحور الشمالي (حزب الله وإيران وسوريا)، وتربح المعارك ولكن يمكن أن تواجه مشكلة في إنهاء الحملة بإنجاز استراتيجي.
على الرغم من أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شن حملة قصيرة وبسيطة نسبياً ضد الأقلية الكردية في شمال شرق سوريا، إلا أنها كانت كافية لإحداث تحوّلٍ استراتيجي في مجموعة القوى الناشئة في الشرق الأوسط.
من الواضح أن الكرد عانوا من خسارة كبيرة بعد ثماني سنوات من الحرب الأهلية السورية، حيث تمكنوا خلالها من الحفاظ على حكمهم الذاتي في شمال شرق سوريا في منطقة تشكل حوالي 30 ٪ من البلاد، تم انتزاع إنجازاتهم منهم عندما قلّبت لهم واشنطن ظهر المجن بالرغم من مساهمتهم الكبيرة في هزيمة داعش.
ومع ذلك، لم يتضح بعد من الذي فاز. فعلى ما يبدو، إن موافقة فلاديمير بوتين على إقامة منطقة أمنية تركية على الأراضي السورية – على عمق 30 كيلومتراً بطول 120 كيلومتراً من الحدود السورية التركية – تبدو، من وجهة نظر أردوغان، بمثابة تحقيق لهدف الحملة. لكن من منظور آخر، فإن إنجاز الرئيس الروسي أكبر بكثير من إنجاز أردوغان.
كل ما يعرف في هذه المرحلة عن الحملة يتعلق بالأحداث القتالية المرئية والاجتماعات الدبلوماسية المنشورة. لكن الأحداث الاستراتيجية تنطوي حتماً على جوانب مهمة مخفية عن الرأي العام. وتكمن الإجابات على الأسئلة الأساسية إلى حد كبير في تلك الجوانب المخفية. فعلى سبيل المثال، ما الذي دفع الرئيس ترمب حقاً إلى سحب قواته والتخلي عن الحلفاء الكرد في ساعة حاجتهم؟ وعلى ماذا وافق بوتين و أردوغان خلال المحادثات في سوتشي؟ والمعلومات التي تم الإعلان عنها حول هذا الاجتماع ليست بالضرورة أنها قدّمت صورة كاملة أو دقيقة، ومن الممكن تماماً أن تكون التفاصيل التي تم تسريبها كانت بمثابة (الإعلان الرسمي) لإخفاء الفهم الحقيقي لحيثيات الاتفاق.
من وجهة نظر مهندس الصناعة والإدارة، تستتبع ظاهرة الحرب خطة عمل، كما هو الحال في التخطيط لخطٍ للتجميع، حيث تعكس النتيجة النهائية تصوراً أولياً. ومن هذه النقطة، يجب أن تنتج الطريقة التي يتم بها التخطيط للحرب بالضرورة عن كيفية تحديد نقطة النهاية المرغوبة فيها.
يمكن القول إنّ الرئيس بوتين شجّع زميله التركي على إطلاق الحملة لأنه رأى فرصةً لإعادة قوات الأسد إلى شمال شرق سوريا وتحويل الجيش السوري من قوة قمعيةٍ إلى منقذٍ للكرد.
هذا، في تقديري، هو طريقة غربية للنظر إلى الأشياء وبعيدة عن المنطق السلوكي الروسي. ويبدو أن موسكو لم تكن تعرف ما الذي كان يجري في البداية. ولكن منذ اللحظة التي تبلور فيها الحدث، قرّرت الاستفادة القصوى من هذه الفرصة الاستراتيجية لتوسيع نفوذها الإقليمي.
بالنسبة لأردوغان، شكّلت عودة قوات الأسد إلى شمال شرق سوريا معضلة غير متوقعة. عند الشروع في الحرب، توقّع الطاغية التركي حملة قصيرة وبسيطة يتم في نهاية المطاف تدمير الحكم الذاتي الكردي. ولكن عندما دخلت القوات السورية إلى الساحة، بدعم روسي، أصبحت الأمور أكثر تعقيداً، ليس هذا فحسب بل وأصبح صعباً عليه كيف يمكنه إنهاء الحملة كما كان يتصور. قدّم بوتين، بدعوة أردوغان إلى سوتشي، شريان حياة – منفذ الهروب لإنهاء الحرب بشرف. وبهذا التدخل، أصبح هو الفاعل الذي يمتلك مفتاح إيقاف الحملة وتحقيق الاستقرار الإقليمي وسط متاهة مصالح جميع القوى المعنية.
الحرب بين إيران والعراق، التي بدأت قبل 39 عاماً، هي مثال على كيف يمكن للحرب أن تستمر مع عدم وجود نهاية في الأفق. استمرت الحملة التي تصورها صدام حسين باعتبارها حرباً مدتها أسبوعين أو ثلاثة أسابيع لمدة ثمانية أعوام لأنه لم تكن لدى أي قوة عظمى مصلحة في وضع حد لها. حرب يوم الغفران أيضاً (حرب 6 تشرين/أكتوبر 1973 –المترجم)، ربما استمرت لولا تدخل الولايات المتحدة ووساطة كيسنجر الفعالة. اكتسبت واشنطن نفوذاً متزايداً خلال هذه العملية في الشرق الأوسط بصفتها الجهة الفاعلة التي تمسك بمفتاح استقرار المنطقة، وبعد ذلك قادت الطريق إلى معاهدات السلام.
على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال تعتبر نفسها مفتاح التسوية الإقليمية، فقد تم تغيير القفل، وبوتين هو الذي يحمل المفتاح الجديد لتعزيز الاستقرار الإقليمي. في الواقع الجديد، بدأ الأساس الذي بنيت عليه الترتيبات الإقليمية منذ معاهدة السلام مع مصر – أي الهيمنة الأمريكية – بدأ في التغير بل وحتى بالتصدع. فعندما يكون مفتاح إنهاء الحرب في أيدي الروس، فإن فرصة إنهائها باتفاقية دبلوماسية متجانسة مع إسرائيل تكون ضئيلة.
تتطلب السياسة الخارجية والدفاعية الفعّالة تحديد الفرص واستغلالها حتى في الأحداث التي لا ترتبط بمصلحة وجودية مباشرة. هذه هي الطريقة التي يمكن بها لبلد أن يشعر بوجوده في الحالات التي يكون فيها هذا الوجود غاية في حد ذاته. في سياق الحرب الأهلية السورية، تجنبت إسرائيل سياسة استباقية من هذا النوع، ووجهت كل من أفعالها العلنية والسرية إلى هدف دفاعي واضح. هذا يتناقض بشكل صارخ مع سياستها في الستينيات والسبعينيات، عندما قدمت مساعدة عسكرية كبيرة (بما في ذلك مشاركة الضباط الإسرائيليين في القتال) للنضال الكردي في العراق – على الرغم من أن إسرائيل كانت في ذلك الوقت تمتلك قوة عسكرية ودبلوماسية واقتصادية أقل بكثير مما هي عليه الآن.
الاستنتاج واضح: إنّ الفاعل الذي لا يجرؤ على الانضمام إلى المعركة، ولا حتى لإثبات وجوده واستغلال الفرص الناشئة، سيتم اختزاله لمشاهدة الحدث من على الهامش. في ضوء الأحداث الإقليمية الأخيرة بشكل عام، وفي شمال شرق سوريا على وجه الخصوص، تحتاج إسرائيل إلى إعادة النظر في الأساس المنطقي الاستراتيجي الأساسي ليس فقط لأنشطتها السرية في الدول المجاورة ولكن أيضاً في سلوكها العلني. وإلا فقد تجد نفسها في حالة الحرب مع المحور الشمالي (حزب الله وإيران وسوريا)، وتربح المعارك ولكن مع ذلك قد تواجه مشكلة في إنهاء الحملة بإنجاز استراتيجي.
(هذه نسخة موسّعة من مقال نُشر في إسرائيل حايوم في 25 أكتوبر).[1]
* اللواء (الاحتياط) غيرشون هاكوهين كبير الباحثين في مركز بيغن – السادات للدراسات الاستراتيجية. خدم في الجيش الإسرائيلي لمدة 42 عاماً. قاد القوات في معارك مع مصر وسوريا. كان سابقاً قائد فيلق وقائداً لكليات الجيش الإسرائيلي.