ضحايا الإبادة الجماعية في ديرسم 1938 على مائدة القارئ السويدي
صالح كوباني
( الأمور المنسية وحدهايمكن استذكارها)
بهذه الكلمات تبدأ مقدمة أولى مؤلفات الكاتبة الكردية العلوية هيلين شاهين (تنظيف الذاكرة) التي تتحدث عن ابادة جماعية في تركيا عام 1938، تمتد أحداث الرواية لتصل خيوطها إلى مدينة (اوبسالا) السويدية.
“منذ زمن طويل تراودني فكرة الكتابة عن تركيا بقالب الأدب” تقول هيلين شاهين ذات الحادية والاربعين عاما وتعمل في مركز “اولوف پالمى” العالمي في ستوكهولم (Olof PalmeInternational Center) متخصصة في شؤون تركيا. البلد الذي فرت هيلين منه و تتردد الآنعليه بين الفينة و الأخرى
الآن بإمكان هيلين انتدعي انها كاتبة، روايتها( تنظيف الذاكرة) صدرت حديثا و تم تقييمها نقديا في القسم الثقافي من الصحيفة اليومية (اوپسالا نيا تيدنينغن(Uppsala Nya (Tidningen عدد يوم السبت 24-11-2018
ليس بالأمر الغريب أنت أتي هيلين لتلقي الضوء على الابادة الجماعية في (ديرسم- ( احدى الولايات الداخلية في تركيا- وقع ذلك قبل ثمانين عاما و الكثير منا لم يسمع بها البتة.
هيلين شاهين تنتمي لعائلة كوردية علوية، هذه الطائفة التي استعصت على الجمهورية التركية تطويعها وصهرها في بوتقة بلد واحد، و شعب واحد, ولغة واحدة
هذه الطائفة حملت السلاح وقاومت، لكن الثمن كان باهظا، عدد ضحايا انتفاضة (ديرسم) يقارب السبعين ألفا، أغلبهم من المدنيين، الفظاعات التي وقعت و العنف المفرط الذي يصفها هيلين فيروايتها بأدق التفاصيل، تقشعر له الأبدان ويتجاوز حدود الخيال.
بعد الانتهاء من العمليات العسكرية، كان على الناس ان تمسح ذاكرتها و تنسى كل ما حدث!!
الكرمانج (الكورد العلويون- المترجم ), الكورمانج (الكورد المسلمون-المترجم)” كما يحلو لسكان المنطقة ان يسموا انفسهم”، منعوا من التحدث عن الابادة، تم تبديل أسماء الشوارع والساحات بما يتوافق مع خطط السلطة المركزية. كثيرة هي الاماكن التي سميت باسم الرئيس (اتاتورك)، لكن كل محاولا تمسح الذاكرة أتت بنتائج عكسية!!
كيف للناس نسيان ما جرى لهم في الوقت الذي سميت الشوارع و الساحات بأسماء مرتكبي تلك الجرائم؟ مقولة “الأمورالمنسية وحدها يمكن استذكارها)” استعارتها هيلين من كتاب فورن مينن (Förnminnen) لعالمة الآثار (آن ماري هوللان ستينهولم Ann-Mari Hållan Stenholm ) هذه المقولة تلخص روايتي لذلك اخترتها للمقدمة.
سؤال: كيف يمكن لإبادة جماعية بهذا الحجم أن تكون غير معروفة؟
جواب: حدث ذلك خلف الستار، استراتيجية الدولة التركية في طمر و اسكات كل ذي علاقة بهذه الابادة الجماعية نجحت داخليا في تركيا، كما نجحت على المستوى العالمي. خلال كل هذه السنين كان التحدث عن الابادة الجماعية في (ديرسم 1938)محظورا. هناك سبب آخر ،وهو أن ما حدث كان عشية الحرب العالمية الثانية، حيتكان قادة العالم مشغولون بأمور أخرى
إعلان حالة الطوارئ في ثلاثينيات القرن الماضي، كان ساري المفعول الى نهايات القرن العشرين، لذا فاسم (ديرسم)المدينة وكذلك (ديرسم) المحافظة كانا قد تبدلتا الى (تونجلي) التركية منذ زمن طويل.
منذ عام 2008 طفت تلك الأحداث الى السطح مجددا، منذ ثلاث سنوات خرج الرئيس (اردوغان) باعتذار رسمي عما جرى في (ديرسم).
انا أعتبر اعتذار (اردوغان) مناورة سياسية تكتيكية هدفها ضرب حزب الشعب الجمهوري المعارض”. ان كان (اردوغان) جادا في اعتذاره، فليفتح الارشيف السري العسكري، حينها ستظهر الحقيقة للعيان، وفقط حينها تكون عملية الصفح و المسامحة ممكنة،” تقولهيلين شاهين.
أحداث (تنظيف الذاكرة (بدأت من مطبخ منزل والدة هيلين، الكائن في حي ستين هاغن الواقع فيمدينة اوبسالا، الى هنا قدمت هيلين مع عائلتها عام 1989، هذه العائلة كانت تخوضمناقشات حول الأحداث التاريخية و السياسية و الشعر و الأدب، أما الحديث عن (ديرسم 1938) ، فكان من المحظورات لفترة طويلة. كل الأمور بدأت تتكشفحينما افلحت (هيلين) في اقناع والدتها بالتحدث عن (ديرسم).
“أود معرفة حقيقة ما جرى، ولماذا كان المسنون من أقربائي يتجنبون الحديث عن (ديرسم)” تقول (هيلين)
الكثير من أقارب هيلين ضحايا الابادة الجماعية في (ديرسم)، أما من نجوا من الابادة، فقد حفرت الاحداث في ذاكرتهم أخاديد لا تردم.
(تنظيف الذاكرة) تصنف كرواية أدبية، ولكونها ذات خلفية تاريخية، فإنها تعتبر أقرب ما تكون الى الرواية الوثائقية.
القسم الثقافي من صحيفة اوبسالا نيا تيدنينغن ليوم الاثنين 26-11-2018
تقرير: يوران ستيرنر Göran Sterner
ترجمة بتصرف: صالح كوباني[1]