برادوست ميتاني (كاتب وباحث كردي)_
تتميز الأمة الكردية، بأنها أمة عاشت، وتعيش على أرضها كردستان في منطقة ميزوبوتاميا منذ غابر التاريخ، في العصور القديمة، قبل أن تتكون الأمم البشرية، وما تلتها من فترة ظهور المدنية، واختراع الكتابة؛ لأنها لم تأتِ إلى المنطقة من خلال غزوات، أو أي احتلال، وتمتلك مخزوناً ثقافياً أثنياً غنياً، تكوّن من خلال رفد أسلافها القدماء الكوتيين، الخوريين، السوباريين الإيلاميين، الكاشيين، اللولوبيين، الميتانيين، الكالتيين، الماناويين، الميديين، بل وحتى السومريين، وما نعني بهم في مقالتنا البحثية هذه “الهيتيين” بوجود حضاري قوي، تمخض عن ذلك بقاء هذه الأمة الكردية العريقة بشكلها الديمومي الحالي، أي أن الهيتيين، الذين تذكرهم المصادر العربية باسم “الحثيين” أيضاً يشكلون أحد تلك الأقوام، التي تعد من الأسلاف القدماء للكرد.
ظهور الهيتيين:
تشير المصادر التاريخية أن أول ظهور للهيتيين في التاريخ، كان في الجزء الشمالي الغربي من كردستان روج آفا وباكور كردستان”، والأناضول، باسم “هيتيت” في مركزهم البشري خاتوشا (أو نوشا بمعنى لذيذ وحلو) في زمن يعود إلى الألف الخامس قبل الميلاد، وذلك قبل ظهور العرق الآري في منطقة ميزوبوتاميا.
بينما ظهر أثرهم المدني السياسي في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، أما كدولة كبرى واسعة في المنطقة فكان في الربع الثالث، من الألف الثاني قبل الميلاد، وذلك عندما دخلت في صراعات عديدة مع جيرانها البابليين، والكاشيين والخوريين، والميتانيين، والآشوريين، والمصريين، وغيرهم.
ينتمي الهيتيون إلى العرق الآري، وإلى مجموعة الشعوب الهندو أوروبية:
بعد ظهور تسمية الآريين، الذين يعودون بتاريخهم إلى بداية الألف الثاني قبل الميلاد، من قبل المؤرخين، وتقسيمهم إلى مجموعتين، وبما أن الهيتيين كانوا في القسم القريب لميزوبوتاميا من أوروبا، وعودة البعض من الآريين من أوروبا والاختلاط معهم، سُمِّي هذا القسم من الآريين بالهندو أوروبيين.
وبعد نهاية العصر الذهبي للدولة الهيتية، والتي سيطرت على مناطق واسعة، كالقسم الغربي من شمال، وغرب كردستان وتركيا، ووصولها إلى حدود البلقان، ودمشق، وبسبب حروبها المكلفة مع جيرانها، وخاصة الآشوريون اضمحلت قوتها، فكانت نهايتها قرابة عام 700 ق.م.
اللغة الهيتية، وانتماؤها العرقي
تنتمي اللغة الهيتية إلى مجموعة اللغات الهندو أوروبية من العرق الآري، وتشكل اللغة الهيتية كغيرها من اللغات الكردية القديمة، كالخورية، والكالتية، والكاشية، والكوتية، وسوباري وغيرها كالسومرية، أساساً للغة الكردية الحالية، إذ تتشابهان أي الهيتية، والكردية الحالية، في بناء الجملة، والاشتقاق، وتتميز اللغتان في الشرق الأوسط جميعه، بأنهما الأكثر تقارباً فيما بينهما، من حيث الأركاتيف (الهيئة والصفات) الأمثلة:
كما في الجملة التالية: ننادا آن أزاتني وتارا أكوتن Ninade en ezatinî watara ekûtan أي كُلِ الخبز، واشرب الماء، كما أنه لا يوجد المثنى في اللغتين، بل يوجد الجمع والمفرد فقط.
ووحدة اللاحقة في الأسماء، التي تكون ضميراً شخصياً (مي Mi) أي (أنا) وخاصة في اللهجة الكردية الصورانية، وكذلك اسم استفهام (ما ma) .مثال : Ma tu hatî هل جئت؟. بالإضافة إلى أن الكرد، ومن قبلهم، أسلافهم الهيتيون، والخوريون، في تلك المرحلة، ابتكروا الحروف الهيروغليفية، واستخدموها مع المصريين، حيث أن اسم تلك الأبجدية الهيروغليفية مأخوذ من اسم هيرو، أي هورو أي خورو، والذي يعني الشمس في اللغة الكردية، وبالذات في اللهجة الصورانية الكردية.
أما الكلمات المتشابهة مع الكردية الحالية فهي كثيرة نذكر منها: Dan ،Da ،Day أعطى. Gal ،Kal عجوز .Halanan ،Halan حرب.Hûman،Hemû جميع. Ku،Kî من.Kursekî، Kesekîشخص. Kî it pa .Kî be من يكون.Kate ،Ket وقع. Pede،Pî قدم.Mû .Mi شعر. Ta،Tu أنت،kêstug ،Guh أذن.Tia،Têyî ،Hatinيأتي. Gûd،Ga ثور.Maş، Meş مشي .Sûpî،Spî أبيض.Kûer،Kêr سكين.Hestayî، Hestî عظام.Sare ،Serî رأس .Şiwat،Şewatحريق. Hink،Henek بعض. وغيرها الكثير.
المعتقدات الدينية
آمن الهيتيون بالآلهة ذاتها، التي آمن بها غيرهم من أسلاف الكرد، والتي أصبحت الجزء الرئيسي من ثقافة الكرد الأوائل، التي شكلت لديهم، فيما بعد، ظهور الديانات التوحيدية، وكذلك قبل ظهور الفكر القومي المنبثق من العرق الآري، ومن أهم الآلهة التي آمنوا بها كغيرهم من أسلاف الكرد، هي شاويشكا التي عثر على رمزها في قرية كفر نبو في منطقة عفرين، (هي أستير أو عشتار)، آلهة الحب والعطاء، تيشوب، إله الجبال والعواصف، الذي عُثر على رمزه في آثار عين دارا بعفرين، وكذلك الإله سات، حتى الآن في عفرين تحمل قرية أثرية اسم ذلك الإله باسم ساتيا، آهورا مزدا إله الحكمة، وقد وجد رمزه في آثار العاصمة خاتوشا، كوماربي كبير الآلهة خور، أي الشمس، آلاني أي العلو والعظمة، وتذخر ثقافتنا بأسماء مناطق وعشائر وأسماء ذكور، وغير ذلك باسم هذا الإله، .للإله إل وهو كذلك كسابقه، والإله آرماه، إله القمر، ومازالت كلمة ماه في اللغة الكردية تعني القمر، الإله خبات.
الهيتيون، والكرد الخوريون
من أكثر الشعوب، التي تُعد من أسلاف الكرد، والتي تأثر بهم بني جلدتهم الهيتيون، هم الخوريون، وقد وصل هذا التأثر بأنهم اندمجوا معاً إلى درجة كبيرة من حيث اللغة، والسياسة، والدين، لدرجة يصعب على المؤرخين، والأركولوجيين التميز بين آثارهم، وأحداثهم، ومنجزاتهم، وبالطبع، ذلك كله يشكل القاعدة الراسخة للوجود الكردي الحالي.
يذخر الموقع الأثري خاتوشا عاصمة الهيتيين، بطابع أكثر قرباً من الثقافة الهورية، إذ إن التحف، والرقم مدونة بنسبة كبيرة باللغة الخورية، وهي تحسب لمنجزات الدولة الهيتية، وبالسياق ذلك التأثر، والاندماج يظهر الوجود الهيتي الخوري، ودورهما في تأسيس مدن عديدة في شمال وغرب كردستان “باكور وروج آفا”، منها كركميش (جرابلس)، أزاز(اعزاز)، مبوك (منبج)، آفرين (عفرين)، خلب (حلب)، شاهبك (شهبا)، كادش (قادش أي تل مندو) أوغاريت وواشوكاني (سري كانية المعربة إلى رأس العين) وغيرها من المدن الكردستانية، التي تمد بجذورها إلى عمق التاريخ، كمدية الرقة، وشيران وأورفة، وكرى مرازا.
بعد توسع الدولة الهيتية السياسي نحو الخوريين، الذين استفادوا من خلافات الأسرة الحاكمة لهم، فتغلغلوا فيها إدارياً (نتحدث هنا عن ذلك؛ كونه لا يعني موضوعنا)، وتدخلوا فيها، فانتقل الحكم إليهم قرابة عام 1250 ق.م فصارت الثقافة العامة للدولة الهيتية خورية بصورة أكبر، وبذلك حلوا محلها، وسيطروا على مناطق النفوذ لها، في شمال وغرب كردستان، وفي سوريا، وفلسطين، وانتقل إليهم حمل لواء الدفاع عنها بدل الخوريين، وذلك في وجه حملات المصريين والآشوريين العسكرية.
خاتمة
لم نتناول هنا البحث في الدولة الهيتية، ووجودها تاريخياً؛ لأن ذلك بات متوفراً، لذلك تطرقنا فيها فقط إلى تبيان ظاهرة موضوعية، ومهمة فيما يتعلق بالكرد، وهي صلة الهيتيين تاريخياً بالشعب الكردي، هذه الصلة التي هي فحوى اغفال وتجاهل العديد من أولئك، الذين يعدون أنفسهم مؤرخين، وأركولوجيين، المنتمين إلى الأنظمة المحتلة لكردستان، ومن يسير في فلكهم لخدمة منفعتهم الشخصية، وهم يزورون الحقائق؛ لهذا أن الذي كان يهمني هو هنا في هذا السبر القليل أن أزيح جزءاً من الغبار المتراكم عن العلاقة التاريخية الإثنية، بين الهيتيين، وبين الكرد، وذلك ليس أنها مجرد تكهنات أو أراء ارتجالية، نابعة من ذاتي، بل قناعة تاريخية، تكونت عندي خلال قراءتي، ودراستي، وعلاقتي بالأبحاث التاريخية، خلال عشرات السنين، بل إن العثور على هذه الرابطة الأثنية بين الهيتيين وبين الكرد، هي أيضاً استناداً إلى العديد من آراء، وأبحاث الآخرين، من المؤرخين والباحثين، والذين معظمهم ينتمون إلى الشعب الكردي، الذي أدرك بضرورة سعيه إلى إظهار حقيقة تاريخه المخفي والمهمش، خاصة وبالرغم من وجود بعض الإنسانيين، والمؤرخين المختصين الحياديين، ولكنهم يعدون في مثل هذه الأبحاث الدقيقة قليلي العدد، لذلك كما يقول أجدادنا الكرد Xwediyê elbê li elbê digere” صاحب الصاع الضائع، يبحث عنه بنفسه”، فهذا ما يفعله بعض المؤرخين والباحثين، وهو الذي يجب أن يفعلوه الآن، ومستقبلاً وبصورة أكثر وأدق.[1]
-المصادر والمراجع:
كتاب Elfabaya Celadet û pîvana pêwîstiya tîpên elfabayê اللغوي الكردي درويش غالب.
سلسلة العلاقات السورية المصرية عبر التاريخ – الجزء الأول للدكتور محمود عبد الحميد أحمد.
مقالات عن تاريخ كركميش ومنبج وغيرها للباحث الكردي بيار روباري على صفحته الخاصة الالكترونية.
الحوريون – تاريخهم وحضارتهم. جرنوت فيلهلم.
موقع Xwebûn مقالة للباحث الكردي عكيد يازار بعنوان Kurdên Cîhana dêrîn HATÎTÎالمنشور في 8-8- 2012م.
موجز تاريخ سوريا القديم. للدكتور محمد حرب قرزات.
صفحة خبر 24 الالكترونية -تموز 2019م -أول معاهدة سلام سجلها التاريخ بين الفراعنة والحثيين الكرد.
مقال منشور قبل عشر سنوات في موقع كوبانى كرد الالكتروني. القائد الكردي الحثي آرشير .
موقع JÎNHA-Bingihêzya jinên bo azadiyêمقالة للأستاذة ريما أحمد 21-3-2022م
مقالة للباحث اللغوي الكردي آمد تيكريس بعنوان Bêjenasıya gotina Kurdفي صحيفة كردستان -12-7-2017م وكذلك في مجلة Bîrnebûnبيرنبون -ص46-