إعداد/ دجوار أحمد آغا
الشموخ والعنفوان، الكبرياء الكردي، الجبين العالي، النظرة المتفحصة الثاقبة، وقفة العز والافتخار، تجمعت كلها في شخصيته الفريدة من نوعها التي أحدثت الكثير من الجدال حولها من جهة، ونسجت الكثير من الحكايات الجميلة التي تغنت بها من جهة أخرى، حتى غدت أسطورة تناقلتها الألسن من جيل إلى جيل، وها نحن نقوم بدورنا بنقلها للجيل القادم لتبقى حية في ذاكرة شعبنا وسائر الشعوب المحبة للسلام والمناضلة من أجل حريتها.
سمكو آغا شكاكي اللقب الأكثر شهرة الذي اشتهر به زعيم عشائر الشكاك، هذه العشيرة القوية والمشهورة بتمردها على الاحتلال وبمواقفها الوطنية والقومية الكردية الأصيلة وتمسكها بالقيم والمبادئ الإنسانية النبيلة.
من هو سمكو الشكاكي
إسماعيل آغا بن محمد بن علي خان، ولد في قلعة بالقرب من نهر باران دوز في أورميه سنة 1895 لأسرة كردية إقطاعية بارزة، كان لها دور في قيادة الانتفاضات والتمردات الشعبية ضد حكم القاجار والفرس ودولة إيران فيما بعد، قضى طفولة كردية بامتياز، تختصر معاناة هذا الشعب المناضل والمكافح من أجل البقاء وإثبات وجوده بين شعوب وأمم العالم. تعرضت أسرته للكثير من المضايقات والاغتيالات، منها اغتيال أخيه جوهر قائد قوات العشيرة والذي قُتل غدراً في تبريز بأمر مباشر من الحاكم الإيراني عام 1905 الأمر الذي جعل من سمكو شكاكي قائداً لقوات الشكاك وهو لا يزال في الرابعة عشرة من عمره، كما أنه استلم زعامة العشيرة بعد وفاة والده محمد آغا تحت التعذيب خلال فترة إبعاده إلى جزيرة رودوس 1909.
كردستان في العقل والقلب
هاجس كردستان وحلم رفع العلم الكردي بألوانه الزاهية لم يفارق مخيلة وعقل شكاكي، لذا نراه يقوم بلقاء سليل الأسرة البدرخانية العريقة عبد الرزاق بدرخان الذي التجأ إلى روجهلات كردستان ويتفقان على القيام معاً بأعمال في هذا الاتجاه، منها تأسيس جمعيتين، هما جمعية “جيهان داني” أي معرفة العالم وجمعية “استخلاص كردستان” سنة 1912 كما قاما بتأسيس أول مدرسة كردية في مدينة خوي. وعندما تم إبعاد عبد الرزاق بدرخان من أورميه عن طريق الروس، واصل سمكو شكاكي إصدار الصحيفة التي كان يصدرها عبد الرزاق حسبما يؤكد صاحب المطبعة التي كانت تطبعها في أورميه. بعدها تمكن سمكو من إصدار صحيفة أسبوعية تحت اسم “روزكرد- شه وعه جم” أي نهارالكرد – ليل العجم. صدر العدد الأول منها نهاية عام 1912واستمرت حتى عام 1914 حيث توقفت عن الصدور.
علاقته المميزة مع سيد طه
كما كانت له علاقات طيبة مع سيد طه شمزينان حفيد الشيخ عبيد الله النهري، وترسخت هذه العلاقة بعد أن تزوج من إحدى أخوات سيد طه، مما عزز من روحه القومية الكردية الأصيلة، هذه الروح التي كان سيد طه يسعى من خلالها لربط النضال والمقاومة الكردية في روجهلات وباكور معاً. كل ذلك في سبيل القضية الكردية وإحياء النهضة التنويرية، ولكن للأسف الشديد لم تحصل القضية على دعم جدي وفعلي من روسيا وكذلك لم تحظ بأي دعم من بريطانيا.
تقول الباحثة الروسية أولغا جيغا لينا: “تحت تأثير سيد طه تكونت وترسخت لدى سمكو آغا شكاكي فكرة إنشاء كردستان المستقلة والتي كان يفهمها على شكل تطهير المناطق الكردية من الإدارة الإيرانية وفرض سلطته عليها”.
حادثة قتل مار شمعون
أثارت هذه الحادثة الشنيعة ردود فعل متباينة ما بين من اعتبرها صفحة سوداء في تاريخ الكرد المعاصر وبين من اعتبرها خطأ تاريخياً، وهناك من عدها خطوة غير موفقة من جانب إسماعيل آغا الشكاكي. لنتعرف على حيثيات الحادثة التي جرت في آذار 1918.
الآشوريون هم من السكان الأصليين في منطقة هكاري بكردستان وهم يعيشون جنباً إلى جنب مع الكرد ويطلق عليهم اسم “النسطوريون” وشاركوا في ثورات وانتفاضات الكرد ضد المحتل العثماني، منها ثورة بدرخان بك 1847 وثورة يزدان شير 1853 وانتفاضة الشيخ عبيد الله النهري 1881حيث اختلطت دماؤهم مع دماء إخوانهم الكرد في الدفاع عن الوطن. لكن؛ الاستعمار ومن خلال إرساله للبعثات التبشيرية وسياسته المستندة إلى مبدأ “فرق تسد” من جانب بريطانيا وروسيا وفرنسا على وجه الخصوص، استطاع أن يزرع بذورالشك والريبة ونسج خيوط مؤامرة تستهدف تعايش الشعبين معاً من خلال خلق فتنة وقتل طرف بيد الطرف الآخر وهو ما حصل بالفعل، حيث قامت فرنسا بتقديم السلاح للنسطورين بحجة خشية تعرضهم للمذابح على يد الأتراك العثمانيين. ومع انسحاب الروس تعرض الأرمن لمجازر وإبادة ممنهجة من جانب العثمانيين، وهو ما زرع الخوف في نفوس النسطوريين الذين قاموا بالاستيلاء على بلدة أورميه في شباط 1918 الأمر الذي أدى إلى تخوف حاكم تبريز وقتها المدعو موختي شمس الذي حرض سمكو على قتل مار شمعون من خلال توجيه الدعوة له لإجراء مفاوضات حول تحالف مشترك ضد الترك وهو ما جرى بالفعل، حيث لبى المار شمعون الدعوة وتم خلالها اغتياله.
من دفع بشكاكي لقتل مار شمعون؟
ما الدافع والمحرض لسمكو آغا لقتل مار شمعون؟ سؤال يراود كل كردي صديق للشعب الآشوري ولكافة شعوب المنطقة. يوضح شكاكي ذلك في معرض إجابته على سؤال وجهه له الجنرال مصطفى باشا ياملكي 1866/1936 إذ قال: “لأسباب عديدة استقر بي الرأي على قتل مار شمعون الذي كان يخطط من وراء ظهورنا للسيطرة على كردستان الشمالية، وفي الوقت المحدد قمت بقتله ووضعت حداً لطموحاته السياسية…”.
بقي علاء الدين السجادي الكاتب الكبير من الذين لم يدينوا سمكو آغا شكاكي على اغتياله لمار شمعون إذ يقول: “جاء الروس وحرضوا مار شمعون وأعطوه وعوداً كثيرة وتحدثوا معه ليحسم لهم مسألة وجود سمكو آغا الذي كان عائقاً كبيراً أمام أهداف الروس من جانب مار شمعون ومن جانب آخر بدا مار شمعون يراسل سمكو آغا بحجة إنشاء كيان “كردي – أرمني”، لكن هدفه الحقيقي كان الالتفاف على سمكو آغا والقضاء عليه وعلى الكرد وبذلك تصبح الحكومة (أرمنية آشورية). كان سمكو آغا يفهم جيداً نوايا مار شمعون الحقيقية، لذلك خطط للقضاء عليه قبل أن ينفذ مأربه”.
اغتيال سمكو آغا
حاولت الحكومات الإيرانية مرات عدة اغتيال إسماعيل آغا مثل باقي أفراد أسرته إلا أنها كانت تفشل، إلى أن نجحت في ذلك بمساعدة من الإنكليز حيث تم اغتياله في مدينة أشنوة بتاريخ 30 حزيران 1930 – البعض يقول بأن تاريخ الاغتيال هو 21 حزيران – وذلك أثناء دعوته لإجراء حوار لحل القضية الكردية بعد أن قاد ثورة ضد حكومات إيران وتركيا والعراق والاستعمار البريطاني، استمرت هذه الثورة لعقد من الزمن من 1920 ولغاية 1930 .
بعد عدة محاولات فاشلة لاغتيال سمكو آغا وصلت الحكومة الإيرانية إلى قناعة تامة بأنها لن تستطيع بالعمل العسكري القضاء على سمكو آغا الذي ازدادت شعبيته بين الناس في ثلاثة أجزاء من كردستان حتى أنه كان يُلقب ب”روبن هود” الكرد، لذا لجأت إلى خبراء المؤامرات والدسائس، الإنكليز، الذين أخبروهم بوجوب توجيه دعوة رسمية لسمكو شكاكي للقاء الشاهنشاه الإيراني وبضمانة منهم، أي الإنكليز، على أن يجلب معه حراسه الشخصيين فقط لحل المشاكل والخلافات. بالفعل قامت الحكومة الإيرانية بتوجيه دعوة رسمية لشكاكي لزيارة مدينة أشنوة في الثلاثين من حزيران عام 1930حيث كانت تحت حماية الإنكليز وبعد أن قدم سمكو شكاكي مع مرافقيه وبعض زعماء القبائل الكرد أطلق الجنود الإيرانيون من على أسطح المنازل النار غدراً على القادة الكرد وفي مقدمتهم إسماعيل آغا الشكاكي الذي سقط شهيداً برفقة كلٍّ من خورشيد آغا الهركي وكريم خان الخيلاني وغيرهم. هناك من يقول بأن الاغتيال جرى في أيلول والبعض الآخر يقول بأنه في 21 حزيران، لكن الثابت أنه جرى في الثلاثين من حزيران 1930. وهكذا استطاعت إيران وبتواطئ إقليمي ودولي القضاء على ثورة سمكو القوية.
أسطورة المقاومة والشجاعة النادرة
من الأساطير التي تُروى عن إسماعيل آغا الشكاكي “في إحدى المعارك التي دارت بينه وبين الأتراك، وقع خلالها أسيراً بيد الاتراك دون أن يعرفوا شخصيته وقد حكموا عليه بالإعدام رمياً بالرصاص كونه محارب وتم تجهيز سطح إحدى القلاع لتنفيذ الحكم. كان من المتعارف عليه أن يتم تحقيق أمنية أخيرة للمحكوم بالإعدام وحينما طلب من سمكو شكاكي أمنيته الأخيرة قال: أريد أن أركب فرسي للمرة الأخيرة. وافقوا على طلبه وجيء بالفرس حيث ركبها فارسها المغوار وحينها سار بها جيئة وذهاباً عدة مرات على سطح القلعة ومن ثم فجأة ترك لها الرسن فقفزت الفرس من فوق سطح القلعة وكان تحتها نهر يجري حيث يُقال بأن الحافرين الأمامين للفرس وقعتا على اليابسة على حافة النهر بينما سقط الحافران الخلفيان في المياه مما أدى إلى كسر ظهر الفرس وقفز سمكو شكاكي بخفته المعهودة من على ظهر الفرس إلى اليابسة. جهز الجنود الأتراك البنادق لقتل شكاكي من الخلف لكن قائدهم منعهم قائلاً: “إن شخصاً بهذه الإرادة الحرة والجرأة والشجاعة لا يستحق أن يُقتل من الخلف حتى ولو كان عدونا”.[1]