إعداد/غاندي إسكندر
تعد مدينة (كركوك)، أعرق مدينة ثقافية في باشور كردستان، فقد وردت في مصادر الديانة اليارسانية، خصوصا في كتاب (سرنجام)، أشعارا لشعراء من كركوك، نظموا الشعر بالكردية في بداية القرن الميلادي العاشر، لكن للأسف ضاع القسم الأكبر من خزانة الشعر، والأدب الكردي الكركوكي، ولا توجد في الوقت الحاضر سوى نماذج متعددة، ومتفرقة لنتاجات سلسلة من الشعراء الكرد، الذين كتبوا بالكردية (لهجة كوران)، ومن الشعراء، الذين تحتفي بهم كركوك، ويعد علامة أدبية فارقة في تاريخ المدينة الشاعر (ملا عمر بك) الملقب ب (رنجوري) المولود سنة 1750، الشاعر والعلامة، الذي أمضى جل أيامه في كركوك، واشتُهر باطلاعه على مختلف علوم زمانه الدينية والدنيوية، وتحتفظ دار المخطوطات العراقية بالعديد من مؤلفاته المخطوطة في الفقه، واللغة، والمنطق، والشريعة، وعلم الفلك.
كتب الشاعر الكلاسيكي (رنجوري) قصائده باللهجة الكردية الوسطى (لهجة كوران)، التي كانت اللغة الكردية الأدبية عند شعراء الكرد الوسطيين منذ أيام الدولة الحسنوية الكردية، حيث كانت مدن (كركوك، كرماشان، دينور، سهرور) من أهم المدن الكردية الثقافية، التابعة للدولة الحسنوية الكردية، وكانت لهجة (كوران) هي اللغة الأدبية فيها، حتى أيام بناء مدينة ( السليمانية) سنة 1784؛ لتكون عاصمة (إمارة بابان)، فاحتلت لهجة (سوران) مكان لهجة (كوران)، وتحولت اللغة الأدبية في وسط كردستان، حيث بدأ عدد من الشعراء الكرد، الذين ظهروا بعد الشاعر (رنجوري) في وسط كردستان بكتابة قصائدهم بلهجة سوران.
أول من نظم أشعارا بلهجة إمارة سوران
كان الشاعر الكردي (رنجوري) عالم زمانه، والتف حوله العديد من المريدين، والدراويش، ومن أبرز مأثوراته ديوانه الشعري (ديوان الشاعر رنجوري ملا عمر زنكنة)، الذي جمع قصائده، وأشعاره الأستاذ ( محمد علي قرداغي) سنة 1986، وتعدّ يوميات (رنجوري) من أهم مؤلفاته، وهي مخطوطة تقع في (23) صفحة، قضى الشاعر رنجوري فترة من حياته في بلدة (أغجلر)، قرب مدينة (كركوك) إماما في مسجد قرية (كاتي باي)، وفي عام 1786 استقر به المقام نهائيا في الجامع المسمى باسمه في مدينة كركوك (جامع رنجوري)، الذي كان طوال عقود من الزمان موئلاً لطلاب العلم، من الذين كانوا يتوافدون إليه من المدن الكردستانية كلها، عرف عن رنجوري قيامه بتبادل الرسائل الشعرية مع العديد من الشعراء الكرد في عصره، وأول شاعر كردي نظم بعضا من أشعاره بلهجة إمارة (سوران) في تاريخ الأدب الكردي، يصف رنجوري في قصيدة له أمير إمارة بابان الكردية (الأمير عبد الرحمن باشا)، الذي تم نفيه من قبل العثمانيين إلى ولاية البصرة، وسجن هناك، بأنه “ملك كردستان”، وفي إحدى قصائده التي سماها (شعراء كردستان) يذكر رنجوري أسماء 55 شاعراً من شعراء الكرد، الذين عاصروه، أو عاشوا قبله، وفي قصيدة أخرى ذكر الشاعر الكردي (رنجوري) مرض الطاعون، الذي ضرب مدينة كركوك، وقد سجل في قصيدته تلك سنة انتشار الطاعون، وذلك بالحروف الأبجدية، وحسب تلك الحروف فإن الطاعون انتشر في مدينة كركوك سنة1799.
توفي رنجوري في عام 1810 في مدينة كركوك، ودفن في مقبرة (شيخ محي الدين) قرب جامع رنجوري، الذي سمي في أوائل التسعينات من القرن العشرين باسم جامع الرحمن.[1]