إعداد/ عبد الرحمن محمد
حامد بدرخان اسم يلامس شغاف القلب ويأخذ بالروح في ثنايا الحضور والغياب، لتعيش حالات متعددة في لحظة واحدة كما هي عوالمه التي طالما رسمها بكلماته، وقد قدم أبهى اللوحات والنصوص الشعرية التي تركت الأثر الكبير في ميادين الشعر والأدب العربي والكردي على حد سواء.
في سيرته الذاتية نقرأ أن حامد بدرخان واسمه الحقيقي حميد مراد حسن خضر من مواليد عام 1924 من منطقة عفرين بقرية شييه “شيخ الحديد” وانتقل مع عائلته إلى تركيا وهو صغير واستقر في قرية “قرقخان”، ودرس فيها مراحل الدراسة الأولى ثم حصل على الثانوية، ليلتحق فيما بعد إلى الجامعات التركية ويدرس فيها اللغة التركية وآدابها في كلية الآداب، جامعة استانبول، وتعرف هناك على العمالقة “ناظم حكمت، عزيز نيسن، عابدين دينو، صلاح عدولي، ممدوح سليم”، ثم تعلم الفرنسية في معهد خاص وعُرف بين أقرانه ومحبيه بشغفه وحبه الجم لكل ما يتعلق بالأدب واللغات وعلومها، وبذلك أتقن التركية والعربية والفرنسية إلى جانب لغته الأم، الكردية، وعمل لسنوات في الصحافة التركية والفرنسية.
كان حامد بدرخان شغوفاً بالأدب الفرنسي ومولعاً بالشاعر الفرنسي لويس أراغون، ما دفعه للسفر إلى فرنسا والالتقاء بأراغون الذي عرفه باسمه لفترة ثم جمعتهما صداقة متينة وعلاقة وطيدة وبخاصة بعد لقائهما في باريس.
بعد عودة بدرخان من فرنسا ووصوله إلى تركيا عمل مجدداً في الصحافة التركية، وتعرف إلى التنظيمات السياسية اليسارية وانضم للحزب الشيوعي التركي، ما لفت أنظار السلطات التركية إلية لتقوم باعتقاله أكثر من مرة وتضيق عليه وتحد من نشاطه وتحركه الأدبي والسياسي، ما أجبره على العودة إلى سوريا، بعد أن تمكن من الفرار من السجن، وقضى فترة من الزمن متخفياً فيها خشية ملاحقة الاستخبارات التركية له، ليلتقي فيها باللغوي والكاتب الكردي جلادت بدرخان الذي جمعته به علاقة وثيقة دفعت بالأمير جلادت لمنحة لقب العائلة الأميري “بدرخان”.
في عام 1951 عاد “حامد بدرخان” إلى مسقط رأسه “شيخ الحديد”، وتعرّف هناك على “رشيد عبد المجيد” وزوجته السيدة الفاضلة نازلي خليل التي عرفت بتبنيها ورعايتها للعديد من الكتاب والأدباء والشعراء الكرد، وكان بيتها بيت أدب وثقافة وفن وبمثابة مجمع ثقافي كردي.
لعبت “نازلي خليل” دوراً أساسياً في أدب وشعر وحياة بدرخان وقام بإهدائها ديوانه الأول “على دروب آسيا” عام1983. بل إنه ترك لها تفويضاً خطياً بأحقية التصرف الكامل بكل ممتلكاته وأمواله وبطبع ونشر كافة أعماله الشعرية وحتى في اختيار طريقة دفنه، وفعلاً قامت بأداء واجبها على أتم وجه، وتكفّلت بكل مصاريف طبع أعماله الشعرية، الكردية والتركية والعربية على نفقتها الخاصة.
حصل بدرخان على شهادة وجائزة التقدير بالمهرجان الشعري الكردي الثالث 1993 الذي أقيم بريف عفرين، بقلعة النبي هوري الأثرية.
وقد ترك الشاعر “حامد بدرخان” بعد وفاته ما يقارب خمسين ديواناً من الشعر، عثر منها على خمسة عشر ديواناً باللغة التركية واثنين باللغة الكردية وأحد عشر ديواناً باللغة العربية، بالإضافة إلى مذكراته المفقودة التي لم ترَ النور بعد.
في التاسع والعشرين من نيسان عام 1996 رحل بدرخان عن مرابع الأهل والأحبة إلى دار الخلود ودفن في قرية شييه وودع وداع العظماء.[1]
ومن نصوصه:
“يسمُّونكَ البنفس
في النحيب
يهدون صمتك
شمس المغيب
يغسل الليل أرصفة الحارة
يمتد القنديل الأخير
المحلى بقوس قزح
على جسد
يلوِّنك بألوان ثلاثة…
الأخضر امتداد الوطن
في عينيك
الأحمر نزيف الطلقات
من يديك
الأبيض…
راياتك الأخيرة
يا من تسير على أفئدة الملايين
الأسيرة
ويدرج الكتاب، شهادة
………………
عبر الريح من حارتنا
وتعبر الأيام من العمر
ولكن الأصدقاء..
يتركون الآثار
والبصمات العميقة
في القلب
وعلى جدار التاريخ
ومن حولنا يدور
الأخطبوط
من البحر الهندي
ومن سهول الأناضول
وجبال طوروس
والموصل وسنجار
وفي الجنوب
وفي أرضنا المحتلة
مرت لحظات…
ولحظات
لا أريد ان أعيش
على حساب الآخرين
أريد ان أموت بريئاً”.
وأشهر قصائده، من ديوانه “على دروب آسيا” المقطع التالي:
“أنا الكومونة
ضحايا مجازر شيكاغو
خنجر للخوارج
سم للقرامطة
أنا نظرات غيفارا
قبل الموت
قابع تحت قدمي إلزا
مطرود من جنة
إبليس
أول متمرد في
التاريخ”.