ياسر شوحان (آثاري)
تعود موسيقى الكنيسة السريانية بتاريخها إلى مار أفرام السرياني الذي عدلها، حيث كانت قبله عبارة عن موسيقى شعبية تمتاز بها بلاد الرافدين، وذلك في القرن الرابع الميلادي، إلا أن الكثير من الأبحاث المختصة تُعَرِّف هذه الموسيقى أنها تراتيل دينية متطورة عن مجموعة من الترانيم السومرية، وتُشير بعض الدراسات إلى أن برديصان الرهاوي هو أول من وضعها وصنّفها. ثم دأب على التدرب عليها والعزف على آلاتها رجال الدين في الكنيسة السريانية وبعض الموسيقيين، كما اهتم بها أتباع الطائفة في سورية (خصوصاً في حلب والجزيرة السورية) والعراق أيضاً.
يذكر الباحث أحمد نوار عواد في دراسته حول الموسيقا السريانية أن بعض الأبحاث تربط السلم الموسيقي المُستخدم في موسيقى الكنيسة السريانية الأنطاكية بالسلم الموسيقي الذي عُثر عليه في الأكادي، والذي يعود بدوره إلى السلم الموسيقي السومري، كما يذكر الباحث جبران صومي مقدسي أن برديصان الرهاوي الذي ولد وثنياً عام 154م ثم تنصر وابنه هرمونيموس (يعني اسمه اللؤلؤ المنثور) هما أول من أدخلا الموسيقى والأناشيد إلى الكنيسة بشكلٍ متقن، وأنه وضع مئة وخمسين نشيداً على طريقة مزامير داوود ونظمها على شكل ألحان، وتقول بعض الأبحاث أن مار أفرام هو من نظم المقامات الثمانية في القرن الرابع الميلادي والذي نجح في ضم مجموعة من الموسيقيين في زمانه إلى الكنيسة وأعطاهم رتباً كنسية وبمساعدتهم طوّر موسيقى الكنيسة. تقول الأبحاث أيضاً أنه عارض مضمون أناشيد برديصان لأنها وثنية مخلة بالعقيدة واعتمد مضموناً أرثوذكسياً قوياً لكنه لم يمس ألحانه وزاد عليه ألحاناً أخرى.
وأضاف الكثير من الموسيقيين ورجال الدين عليها بعد ذلك ومنهم رابولا القنسريني (360 435م)، وشمعون الخزاف (485 563م)، وقوريني بن منصور من كيشير من ضواحي أنطاكية وإليه ينسب لحن المنصوري، والراهب قوزما الدمشقي وآخرون، وبلغ عدد الملحنين المشهورين في الكنيسة السريانية سبعة وثلاثون، منهم خمسة عشر من السريان المشارقة مثل مار شمعون، مار صباعي نرساي، مار يشوعياب، يوحنا الدوالي، كوركيس النصيبيني، باكي النصيبيني، توما المرجي، إيليا الأنباري. واثنان وعشرون من السريان الغربيين.
الموسيقى السريانية وأصل المقامات
تهتم التراتيل السريانية بثمانية مقامات ينسجم كل منها مع معاني التراتيل، سواءً الفرح أو الحزن، الطمأنينة أو الجزع، الأمان أو الخوف. وقد اتفق الملحنون السريان على تسمية المقامات الثمانية (أكاديا) للدلالة على الأصول الأكادية للسلم الموسيقي وتحوّر هذا الاسم عند اليونان ليصبح (أكاديس) والذي لا يزال يستخدم حتى الآن. ولا بد أن نستعرض هذه المقامات حسب تسميتها السريانية الأصلية ونطقها:
1 مقام أوجو أو أوج: معناه في السريانية نباتات عطرية ذات رائحة زكية وعليه نُظمت تراتيل عيد الصعود.
2 مقام أُور-أق: وهو مشتق من اسم مدينة أور في العراق ويقال أنه أصل اسم العراق الحالي، وعليه نُظمت تراتيل عيد دخول المسيح الهيكل.
3 مقام أجام أو عجم: ويعني بالفارسية رجوع، هبوط، تفريغ، وهو يبدأ من الأعلى ويتفرغ رويداً إلى قراره في الأسفل، وعليه نُظمت تراتيل خميس الفصح وجمعة الآلام وسبت البشارة.
4 مقام رزد أو رصد أو (راست في الفارسية): تعني هذه المفردة في السريانية أدرج، قرر، ثبت، مكَن، صلَح، وعليه نُظمت تراتيل البشارة والشعانين.
5 مقام صْبَا أو صَبَا: وتعني بالسريانية فرح، سرور، أراد، شاء، صفاء، وعليه نُظمت تراتيل الغنطيوسطي.
6 مقام البيا أو البيات: بيا تعني في السريانية عزى، سلا، سرور، فرَج الهم، وعليه نُظمت تراتيل الميلاد والقيامة.
7 مقام حاجو أو حجاز: وعليه نُظمت تراتيل الشهداء.
8 مقام حاوسونو أو الحسيني: وتعني في السريانية الترفق، الرأفة، الحنو، الرحمة، العطف والشفقة، وعليه نظمت تراتيل عيد الغماز.
التدوين الموسيقي السرياني
لقد جُمعت الألحان الكنسية السريانية في كتاب سرياني عنوانه (بيت كاز) أي مستودع الألحان، ويضم هذا الكتاب جميع ما أنتجته الكنيسة منذ أن تم تأسيسها في القرن الأول للميلاد وحتى القرن الثاني عشر الميلادي، إذ بلغ مجمع هذه الأناشيد حوالي /2500/ نشيداً في حين أنه لم يبق منها إلا القليل فقط /حوالي 550 نشيداً/، إلا أنه لم يتم إضافة أي لحن جديد بعد هذا القرن الثاني عشر الميلادي، أما المخطوطات الأخرى التي ضمت أناشيد الكنيسة فهي مخطوطة تعود ل (مداريش مار أفرام) وقد امتازت هذه المخطوطة بأنها لم تدون الألحان وإنما وضعت علامات موسيقية خاصة بها تسمح للقارئ بتمييز الصوت ورفعه وخفضه وبيان حالات المد والقطع.[1]