جوان محمد
في وقت كان مجرد قولك أنك “كردي” يعتبر جريمة؛ وقد تسجن لأجل ذلك لسنوات، وربما لن تخرج وتبصر النور من جديد، وفي وقت ابتعد فيه الكثير من المغنين عن الغناء بسبب قوميتهم وقمع النظام السوري لهم وهو في أوج قوته، صدحت حنجرة الفنان محمود أومري بالحرية والنصر.
ليس كل شخص ملزماً بحمل السلاح لكي يدافع عن قضيته ووطنه، فهناك من يكون سلاحه العلم ومن يكون سلاحه الفن، والفنان محمود أومري حمل سلاح الفن وهو من مواليد 2/7/1972، من قرية حاج ناصر التابعة لمدينة قامشلو، قام وبرفقة ابنه بهز كيان النظام السوري عام 2007، عندما غنوا “نحن الشعب الكردي شعب لا نبالي”.
تعالت الأصوات وامتزجت المشاعر بسماع تلك الأغنية وخاصةً عندما غناها الأب والابن في عيد نوروز ولكن كان ثمنها غالياً بكل تأكيد، وهي النفي خارج الوطن والحرمان من تلك الذكريات الجميلة التي كان يقضيها الفنان محمود أومري مع الأهل والأصدقاء في مدينة الحب والانتفاضة قامشلو.
أغنية تحولت إلى ثورة
أغلق الأمن السياسي محل أومري في “دوار التمثال” بالشمع الأحمر ومنعوه من الغناء وإحياء الحفلات والأعراس، وهددوا أصحاب كافة صالات الأعراس بالإغلاق بالشمع الأحمر في حال قام الفنان محمود أومري وابنه بالغناء لديهم، وكذلك سحبوا بطاقة رخصة العمل منه ومنعوا بيع كاسيته عام 2007 الذي حمل عنوان أغنية “نحن الشعب الكردي شعب لا نبالي” في جميع المحلات بسوريا.
وجاء تشميع المحل بعد حادثة مواطن من قامشلو من عائلة معروفة وكان يعمل على سيارة أجرة منتشياً بسماع أغنية “نحن الشعب الكردي شعب لانبالي” فطلب منه أحد الركاب بخفض الصوت ولكنه رفض ورفع الصوت وقال هذه الأغنية تمثلنا، ولم يعلم من الذي طلب ذلك؟ وكان عنصر أمن من النظام السوري والذي طلب منه أن يوصله إلى مقربة من جامع زين العابدين بقامشلو، ليأخذه فيما بعد إلى الفرع ويقوموا هناك بضربه ضربه مبرحاً ليضطر المسكين إلى على الاعتراف بأنه قام بشراء الكاسيت من محل تسجيلات الفنان محمود أومري ليتوقفوا عن تعذيبه ولذلك شُمِع المحل.
قمع وتهجير
النظام السوري كان جاهزاً لقمع من يخرج عن سربه وسرب حزبه وخاصة إذا كان من أبناء الشعب الكردي ويتفاخر بقوميته الكردية، ويطالب بحقوقه المشروعة، ولعل الغناء والفن كانا سلاح الفنان محمود أومري الذي يقول: “تعرضنا أنا وابني أورهان إلى مضايقات واعتقال عدة مرات من قبل الأمن السياسي بسبب تلك الأغنية وبعض الأغاني القومية الأخرى، ولذلك وبسبب الضغوطات علي والملاحقة الدائمة ومن أجل لقمة العيش اضطررت للخروج من مدينتي إلى ألمانيا عام 2009”.
الفنان محمود أومري تعلم العزف والغناء منذ الصغر، وأول مرة وقف على المسرح كان في عمر الثالثة عشرة، درس حتى “البكالوريا” العلمي وإلى جانب الدراسة كان يتابع هواياته في العزف والغناء وكان لاعب كرة قدم ضمن فريق النضال الرياضي الشعبي.
في عام 1990 سجل أول كاسيت وتابع بعدها إصدار أعماله بمعدل كاسيت جديد كل عام، حتى عام 2007.
بين عامي 1993 و2001 عمل أومري مع فرقة بوطان، وفي عام 2004 أسس بعض أصدقائه فرقة قامشلو وانضم الفنان محمود أومري وابنه أورهان للفرقة.
أما أغنية “نحن شعب الكردي شعب لا نبالي” التي هي عنوان الألبوم واشترك في أدائها الفنانين محمود وأورهان فمعظم المحلات امتنعت وقتها عن بيع كاسيته في محلاتهم بسبب طابعها القومي وخوفهم من النظام السوري الذي قام بعدها بتهديد كافة المحلات من قامشلو إلى دمشق بعدم بيع هذه الأغنية تحت طائلة المسؤولية والمحاسبة.
أومري أشار: “استمديت قوتي في غناء تلك الأغنية من خلال انخراطي بالعمل الفني القومي منذ بداياتي، فعملت ضمن فرقة بوطان الغنائية عام 1992، وفي نوروز عام 2000 عند منطقة (قبكي) بعد جسر سكة القطار بقامشلو، وبعد الحفل تعرضنا للملاحقة وضاعت بعض الأجهزة وهربنا وبقينا أسبوعين مختفيين عن الأنظار، وفي عام 2004 انضممت مع ابني أورهان لفرقة قامشلو وفي استذكار الأديب الكردي الراحل “أوصمان صبري” في باحة خلف كازية لازكين عارف بقامشلو تعرضنا للملاحقة مجدداً”.
العقوبة عوضاً عن التكريم
لم يسلم أورهان ابن الفنان محمود أومري من الإهانة والتعذيب رغم صغر سنه وبيَّن أومري بأن ابنه تعرض للضرب والإهانة في المدرسة، فقد أخذو أورهان وضرب 40 ضربة بالعصا على ظهر يده، لأنه كُرم على المسرح وتلقى آلة كمان هدية من إحدى الفرق الكردية عام 2006، وتناسوا بأنه كان من (رواد الغناء والموسيقا ولمدة ثلاث سنوات على مستوى سوريا).
“نفيت واستوطن الأغراب في بلدي”
“كانت تلك آخر مرة أغني فيها في وطني ومحبوبتي؛ مدينتي قامشلو ولم يبقَ لدي حل سوى الخروج والهجرة من الوطن، لأنني كنت ملاحقاً ومطلوباً من كل الجهات الأمنية، وهاجرت من مدينتي الجميلة قامشلوكا آفيني”.
في نوروز 2008 بعد استشهاد المحمدون الثلاثة على يد الأمن السوري في الحي الغربي بقامشلو، ألغي الاحتفال بعيد نوروز وبعدها بأسبوع احتفل حزب الاتحاد الديمقراطي “ب ي د” بالعيد وغنى الفنان محمود وابنه أورهان أغنية “نحن شعب الكردي شعب لا نبالي” وبعض الأغاني القومية الأخرى، وهناك وعند خروجهم من خيمة الفرقة لحقهم بعض الأشخاص وعرف أنهم من الأمن وبصعوبة تمكنَا من الفرار منهم، وكانت تلك آخر مرة يغني فيها في قامشلو.
أحزاب بالشعارات فقط
أومري أشار: “كانت الأحزاب الكردية تشجعني على الغناء ويعدونني بأنهم سيدعمونني دائماً وعندما اعتقلت وأغلق محلي بالشمع الأحمر، الكثيرون طلبوا من الأحزاب أن يفوا بوعودهم ليساعدوني، ولكنهم خذلوني ولم يفعلوا شيئاً من أجلي، بالرغم أن عناصر النظام كانوا أثناء التحقيق معي يقولون لأي حزب سياسي كردي تنتمي أنت؟ لأنهم احتاروا بسبب غنائي على مسارح كافة الفرق والأحزاب الكردية، فأنا كان هدفي فقط قضية شعبي وليس التحزب”.
أغنية زلزلت هذا النظام الذي لم يتوانى عن حجز الحناجر المغنية والأيادي الكاتبة، وبالفعل كانت كلمات هذه الأغنية ثورة وملحمة وطنية.
ليس سهلاً الغناء عن شعبك والظلم الواقع عليه، في ظل نظام ديكتاتوري مثل النظام السوري، ووقتها كان الكثير من الفنانين يتخوفون من الغناء لقوميتهم الكردية، وأصبحوا يسمونهم فنانو الثورة بعد عام 2011 حيث تلاشى النظام وتلاشت قوته في عموم مناطق روج آفا، بينما الفنان محمود أومري صرخت حنجرته للحرية لشعبه منذ بداية التسعينيات ونفي خارج الوطن، ولكن جذوة الحنين لديه لا تذوي، حيث ذكر الفنان محمود أومري في ختام حديثه: “أتوق للرجوع لمدينتي قامشلو فبلاد الغرب هي مقبرة للفن، اشتقت كثيراً لشوارع مدينتي وأهلي وأصدقائي وبكل تأكيد سأعود عندما تكن الأجواء مناسبة تماماً، فمن يود العيش كل حياته بعيداً عن وطنه!”.[1]