إعداد/ دجوار أحمد آغا
احتلت بريطانيا غربي إيران عام 1941 وضغطت على حاكم طهران رضا شاه للتخلي عن العرش والتنازل عنه.. حيث كان رضا شاه موالياً لألمانيا، فاستلم السلطة ابنه محمد رضا شاه. تركزت بريطانيا في كرمنشاه.. أما الاتحاد السوفيتي فاحتل أغلب القسم الشمالي والغربي من أذربيجان وحتى الخط المار من اشنويه إلى مياندواب جنوباً حيث سمحت القوى المحتلة بظهور حالة من الفراغ في المناطق الكردية الداخلة ضمن المنطقة الممتدة من مهاباد إلى سقز الواقعة ضمن منطقة نفوذ الاتحاد السوفيتي والخارجة من سيطرتها المباشرة أو المنطقة الممتدة جنوباً من سننداج، الداخلة ضمن منطقة النفوذ البريطاني لكنها خارج السيطرة الفعلية للقوات الإيرانية العاملة هناك بموافقة بريطانيا.
كانت طبيعة السلوك السياسي السوفيتي تجاه الكرد أكثر وضوحاً في النصف الثاني من عام 1945 حيث طلب باقروف من نماز علي أوف الذي كان قائد القوات السوفيتية في مياندواو بالطلب من “قاضي محمد” تشكيل وفد مكون من رؤساء العشائر لزيارة “باكو” للحوار حول مستقبل الكرد، فترأس القاضي محمد الوفد. كانت الزيارة ذات طابع سياسي، وكانت الوفد بحاجة إلى دعم عسكري ومالي لقيام جمهورية كردية فأخبرهم باقروف أن قيام حكومة كردية في إيران موضوع سابق لأوانه: “ليس هناك من حاجة تدعو الكرد إلى الاستعجال في إقامة حكمهم الذاتي لأن حرية الكرد يجب أن ترسي بأسسها على انتصار القوى الشعبية لا في إيران وحدها بل في العراق وتركيا”.
احتدم النقاش بين الوفد الكردي برئاسة قاضي محمد وبين السوفييت حول بقاء مهاباد وضمن إطار الحكم الذاتي لأذربيجان.. وعد باقروف الوفد الكردي بأن الاتحاد السوفيتي سوف يدعمهم عسكرياً ومالياً. وبعد هذه الزيارة لباكو برز زعيمان كرديان هما قاضي محمد وعبد الله الكيلاني فالأول هو ابن أخ فتاح الذي حاول في منقلب القرن الحصول على حكم ذاتي لمهاباد أيضاً، أما الشيخ عبد الله الكيلاني فهو أحد أبناء الشيخ عبد القادر الكيلاني وقد جاء من العراق إلى مركور عام 1941 بعد احتلال الحلفاء للعراق.
إعلان الجمهورية وتشكيل الوزارات
في الثاني والعشرين من كانون الثاني عام 1946، وفي احتفال كبير وأمام حشد من الكرد والعديد من رؤساء العشائر ورجال الدين أعلن القاضي محمد في ساحة (جوار جرا – المشاعل الأربعة) في مهاباد عن تأسيس جمهورية مهاباد الكردية ورفع العلم الكردي لأول مرة، وانتخب ممثلو جميع الطوائف والعشائر القاضي محمد ليصبح رئيس جمهورية مهاباد.
ألقى القاضي محمد خطاباً جماهيرياً في وسط مهاباد مستعرضاً تاريخ شعبه الكردي مؤكداً أن لشعبه حقاً في تقرير مصيره.. ودعا في نهاية خطاباه إلى توحيد صفوف الكرد واستثمار هذه الفرصة التاريخية لتحقيق الدولة الكردية والتطلع نحو الاستقلال والحرية، وبعد ذلك تشكلت الهيئة الوزارية:
حاجي بابه شيخ رئيس الوزراء
محمد حسين سيف القاضي وزير الحربية
محمد أمين معيني وزير الداخلية
أحمد إلهي وزير الاقتصاد
كريم أحمديان وزير البريد والبرق
حاجي عبد الرحمن الباخي زاده وزير مشاور “الدولة”
مناف كريمي وزير التربية
صديق حيدري وزير التبليغات “الإعلام”
خليل خسروي وزير العمل
حاجي مصطفى داوودي وزير التجارة
محمود ولي زاده وزير الزراعة
إسماعيل اليفاني زاده وزير الطرق
سيد محمد أيوبيان وزير الصحة
الملا حسين مجدي وزير العدل
القاعدة الجماهيرية وإرساء دعائم الجمهورية
وقد أكد القاضي محمد أن جمهوريته لا تستهدف الانفصال لكن لوضع حد لسياسة طهران تجاه الشعب الكردي وضمان الحكم الذاتي للشعب الكردي، وقد ذكر القاضي زهير كاظم عبود أن القاضي محمد “يُقلّب صفحات التاريخ الكردي بدقة ويستل منها ما يؤثر في نفوس الكرد” كما تشير الكتابات التي وصلتنا عنه المنتشرة في المنطقة ومن مختلف طبقات الشعب الكردي وانتشرت بين الناس انتشاراً سريعاً مثل البرق. وتوسعت القاعدة الشعبية لأعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني في المدينة لتضم أغلب شباباها وشيوخها وحتى نسائها، وأمام حالة رد الفعل لما تقوم بها السلطات القمعية الشوفينية تجاه الكرد، ومع وقوع حوادث سياسية وأمنية استفزت الجماهير الكردية لتنقض جميعها على القوات الإيرانية، وتستطيع السيطرة على مجمل المناطق كاملة في يوم 17 كانون الأول عام 1945.
بالرغم من أن جمهورية مهاباد لم تدم إلا أحد عشر شهراً إلا أنها كانت حافلة بالمنجزات العظيمة بالقياس إلى عمرها الزمني، ونذكر من أمثلة تلك المنجزات:
تأسيس محطة للإذاعة في مهاباد وكذلك تأسيس سينما جوالة لتوعية الكرد.
ازدهار ثقافي معرفي في كل المجالات، إصدار صحف وإصدار مجلات، دور نشر، تأسيس مطبعة كردستان وكان يديرها عبد القادر مدرسي.
رفع العلم الكردي لأول مرة والمكون من ثلاثة ألوان في الأعلى اللون الأحمر والأبيض في الوسط والأخضر في الأسفل، أما شعار جمهورية مهاباد وسط العلم فهو عبارة عن قلم وسنبلتين من القمح.. حيث يرمز القلم إلى اهتمام الجمهورية بالعلم والثقافة وترمز سنبلة القمح إلى الإنتاج والعمل.. وكانت الشمس في أعلى الشعار تشرق لترمز للحرية.
وضع النشيد الوطني للجمهورية، وضع كلماته الشاعر الكردي “هجار” ولحنه المهندس نوري صديق شاويس.
المشاركة أساسية للمرأة، ولأول مرة، وكذلك تأسيس اتحاد نساء في الجمهورية, وقد شجع القاضي محمد المرأة في الدخول في العملية السياسية الاجتماعية وشجع زوجته وبناته على المشاركة.
فتح عدداً من المدارس لكلا الجنسين باللغة الكردية التي أصبحت لغة رسمية في الجمهورية وكذلك تعليم الأميين في مدارس مسائية.
تأسيس قوات البيشمركة.
الاهتمام بالمسرح الكردي لأول مرة في مهاباد.
أصدر قوام السلطة الأوامر على الجنرال هاشمي قائد الفرقة الثالثة بالتوجه بقواته إلى مدينة زنجان فتمكن من السيطرة عليها دون أية مقاومة من الأذربيجانيين وبعد ذلك اجتمع محمد رضا شاه وقوام السلطة مع عدد من كبار قادة الجيش ووضعوا خطوات للهجوم على أذربيجان ومهاباد.. أرسل قوام السلطة إلى قاضي محمد رسالة كتب فيها: “نظراً لاتخاذي قرار إجراء الانتخابات تحت إشراف قوات الأمن الحكومية التي سوف ترسل إلى المركز – طهران – فيجب أن تجري الانتخابات في المناطق الكردية التابعة لأذربيجان بالتعاون معكم، لذا من الضروري أن تحددوا كيفية التعاون مع تلك القوات في مدن خوي، وشابور، ورضائية، ومهاباد، ونظراً للتعاون الذي أبديتموه خلال هذه المدة أتمنى أن تساعدنا في إنجاح هذه المهمة”.
رفض رئيس الجمهورية واعترض على إرسال قوات، فدخلت القوات الإيرانية إلى أذربيجان التي لم تقاوم أبداً مما ترك آثاراً معنوية على قادة الجمهورية.. قرر قاضي محمد الاستسلام بعد قراءة الموقف الصعب للكرد.. كان قاضي محمد خارج مهاباد مما اضطر للعودة إلى مهاباد حيث دعا القوات الكردية المسلحة إلى الخروج من المدينة وتوزيع الأسلحة على البرزانيين الذين أصروا وتمسكوا بمقاومة الجيش الإيراني.
سيطرت القوات الإيرانية في السابع من كانون الأول على مهاباد واعتقلت القاضي محمد مع عدد كبير من قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني بتاريخ 17/12/1946 في مهاباد. وشكلت محكمة عسكرية ميدانية لمحاكمة قاضي محمد وأخويه، كانت تلك المحكمة سرية، طلبت المحكمة من قاضي محمد اختيار محامين للدفاع عنه، فاختار قاضي محمد اثنين من الضباط الحقوقيين الذين يعرفهم في طهران، وهو العميد أصلاني والعقيد موسى شاقولي، لكن المحكمة رفضت ذلك وطلبت منه اختيار أحد الموجودين في الثكنة العسكرية الموجودة في مهاباد.
وجهت إلى القاضي عدد من التهم وصدر على أساسها قرار إعدامه، وطعن قاضي محمد بالمحكمة بشدة معتبراً أنها محكمة عسكرية في حين أنه رجل مدني، وهذا لا يجوز وكذلك لم تمنحه المحكمة اختيار محامين للدفاع عنه، وكذلك أن المحكمة تحاكم المتهمين بصورة فردية وليس جماعية.
بعد انتهاء محكمة التمييز أعيد قاضي محمد وأخويه إلى السجن لكن الأوامر جاءت بسرعة لتنفيذ حكم الإعدام فوراً وبدون تأخير، طلب المدعي العام من قاضي محمد كتابة الوصية فكتب الوصية الأولى للشعب الكردي، أما الوصية الثانية فكتبها لعائلته، أراد الجلادون أن يعصبوا عينيه إلا أنه رفض حيث قال: “أنا لا أشعر بعار كي تعصب عيني أمام أمتي ووطني الحبيب، أنا أريد أن أنظر إلى وطني الجميل والحبيب في آخر لحظة من حياتي”، أما آخر كلمة على لسان الشهيد قاضي محمد فهي “عاشت الأمة الكردية، عاش تحرير كردستان”.
وفي 31 آذار نُفِّذَ حكم الإعدام برئيس الجمهورية قاضي محمد ومعه أخوه سيف القاضي وابن عمه صدر القاضي.
هناك عدد من العوامل الداخلية والخارجية هي التي ساعدت على انهيار جمهورية مهاباد، أسباب خارجية وإقليمية، لكن السبب الداخلي هو السبب الرئيسي حسب ما يذكر المرحوم عبد الرحمن قاسملو الذي اعتبر أن الشعب الكردي هو سبب الانهيار الأول، هناك عدة أسباب داخلية منها:
الجهل العام للشعب الكردي حيث يسود الجهل والأمية بنسبة 90%.
اعتماد القاضي محمد بتشكيل حكومته على الإقطاعيين والأغوات الكبار ومعظمهم معادون للجمهورية، وخانوا الشهيد قاضي محمد خوفاً من تحول الجمهورية إلى جمهورية اشتراكية.
لم يتم تحرير كردستان بصورة كاملة بل حررت ثلث الأراضي الكردستانية فقط.
الموقف الشعبي الكردي من السوفييت لأن الكرد معظمهم يدينون بالديانة الإسلامية والدعاية الاستعمارية كانت بين العوام أن السوفييت كفار وملحدين.
لم تقم الجمهورية بأي أجراء ثوري اجتماعي، وبقيت الحركة قومية بحتة حيث أنهم لم يوزعوا الأراضي على الفلاحين، وبقي المالك إقطاعياً ولم يتغير شيء فاستاء الفلاحون الفقراء من الجمهورية، وكان من الواجب الاعتماد على الطبقة الأكثر راديكالية في المجتمع.
كانت علاقات الإنتاج في كردستان إقطاعية متخلفة، بينما في إيران كانت برجوازية ناشئة.[1]