إعداد/ آرين شنكالي
تعج صفحات التاريخ التركي بالآثام المتعددة، وتتنوع بين المذابح والانتهاكات والمجازر والقتل، ولا تنفك الطغمة الحاكمة من محاولات تبرير جرائمها، لكن الوقت لم يعد كما كان قبل عقود من الزمن، ولم تعد جرائم النظام الدموي المتعاقب بخافية على أحد، وفي كل يوم تتضح وحشية هذا النظام وأنه يرتكب جل مجازره بحق الكرد فقط لانهم كرد.
لم تكن ليلة 28 كانون الأول من عام 2011 ليلة عادية في تاريخ الكرد وتاريخ قرية “روبوسكي” الكردية بباكور كردستان؛ المحاذية لإقليم كردستان، فقد كان الجيش التركي يتربص بأبناء المنطقة الذين اعتادوا العمل في التجارة البينية عبر الحدود “التهريب” على ظهورهم أو على متن البغال، لقساوة تضاريس المنطقة ومناخها البارد القاسي وبخاصة في شهر كانون الأول، وفي تفاصيلها أن سلاح الجو التركي أغار على المنطقة الحدودية في قرية “روبوسكي” ونفذ ضربة جوية استهدفت مدنيين عزلاً ما أدى لاستشهاد “34 شخصاً” من بينهم 19 طفلاً دون الثامنة عشرة، ومن ضمنهم 16 شهيداً من عائلة واحدة هي “عائلة إنجو”، ويبدو أن القرار كان قد اتخذ بتنفيذ الجريمة قبل وقوعها، وكان حرس الحدود يعلمون بعمليات التهريب تلك وقد خاطب بعض حرس الحدود تلك المجوعة في آخر رحلة لهم: “اذهبوا فالأرجح أنها رحلتكم الأخيرة”.
عرفت المجزرة تركياً ب “حادثة أولودري” وكعادته حاول النظام التركي الدموي إخفاء المجزرة في البداية وتكتم عليها لأكثر من 12 ساعة، وعندما فشل في ذلك ادعى أن القصف طال عناصر حزب العمال الكردستاني، وحينما انتشرت صور الأطفال والمدنيين العزل وبغالهم وبضائعهم، تبادلت الجهات المعنية التهم حول المسبب للمجزرة، وكانت عمليات التهريب على الدوام تتم بإرادة تركيا وبعلم حراس الحدود وكانت تتم في نفس التوقيت تقريباً وبمجموعات من 20 إلى 50 شخصاً وبنفس العدد تقريبا من البغال، ومن الشهود على ذلك الصحفية الهولندية فريدريكا خيردينك (Fréderike Geerdink) التي كانت تقيم في تركيا ووصلت منطقة روبوسكي وتقصت الحقائق وخرجت بكتاب “مات الأولاد – مجزرة روبوسكي والمسألة الكردية في تركيا” الذي ترجم للعربية، تقول فريدريكا: “المنطقة مليئة بالعسكر؛ حيث تصعب مزاولة التهريب دون علم الجيش، فهناك مخافر الشرطة فوق الجبال، إضافة إلى أنّ طائرات الدرون تحوم بشكل دائم فوق منطقة الحدود، سواء من جهة العراق أو تركيا، المهربون مكشوفون دائماً ولا يتم التعرض لهم”.
قام البرلمان التركي بتشكيل لجنة تحقيق في الحادث مكونة من ثمانية أعضاء، ولكن عمليات التحقيق باءت بالفشل لأن الكثير من الأدلة القاطعة تبرهن أن العملية كانت مقصودة وأن الجناة كانوا يعلمون أن المستهدفين مدنيين، وبينما عرض البرلمان التعويض المادي لأسر الضحايا إلا أن الأهالي طالبوا بكشف حقيقة المجزرة ومسؤولية جهاز المخابرات الوطنية التركية “Mit”، والجيش عنها وأنها كانت عملية انتقامية فقط لأنهم “كرد” ومطلبهم الصريح: “لا بديل عن الكشف عن المسؤولين عن مقتل أولادنا ونيل جزائهم العادل واعتذار رسمي من الدولة ووعود بعدم تكرارها”.
الاهالي ومعهم العديد من المنظمات الدولية كمنظمتي “IHD” و”MazlumDER” اظهروا زيف الادعاءات التركية وما يزال المطلب قائماً بضرورة تقديم المسؤولين للمحاكم المختصة واعتبار المجزرة مذبحة متعمدة بحق المدنيين العزل الكرد.[1]