إعداد/ غاندي إسكندر
تتربع تركيا الحديثة، ومن قبلها الدولة العثمانية، على قائمة الدول التي لها باع طويل في صناعة الموت، وإراقة دماء الشعوب الأصيلة، فذاكرة الكرد، والعرب، والسريان، والأرمن، حُبلى بالقتل، والقمع والتشريد، والنفي الجماعي، والغزو، والمذابح، فما يزيد عن خمسة قرون والشعوب التي تعيش ضمن الجغرافية التركية، والشعوب الجارة لها، عانت ولا زالت تعاني من العقلية القمعية التي يتسم بها الساسة الأتراك، فبدعوى الجهاد المقدس ورفع راية الإسلام ارتكب العثمانيون عبر جيشهم الانكشاري، والفاشيون الأتراك، مجازر يندى لها جبين الإنسانية، فإذا ما عدنا للوراء بضع عقود من الزمان وتصفحنا قاموس المجازر التركية الحديثة، تمر علينا الذكرى الثانية والأربعين لمجزرة مرعش، المدينة الكردستانية التي تقطنها الطائفة العلوية الكردية.
في أواخر كانون الأول من عام 1978 اندلعت اضطرابات في مرعش راح ضحيتها أكثر من مئة كردي علوي، فقد فتحت هذه المجزرة الباب أمام حرب لصهر الشعوب والأديان في البوتقة التركية، وكانت الغاية وما تزال هي تهجير العلويين، وإحداث شرخ في مجتمعهم، وتحويل تركيا إلى دولة ذات طابع إسلاموي سني من جهة، ومن جهة أخرى ضرب حركة حرية كردستان، وفي سبيل هذا المنحى سعت تركيا جاهدة من خلال هذه المجزرة البشعة إلى تفريغ المناطق الكردية الواقعة غرب نهر الفرات من سكانها، وقد بدأت حيثيات المذبحة من خلال فبركة قام بها المتعاونون مع الميت التركي في التاسع عشر من كانون الأول عندما ألقيت قنبلة في دار سينما يحضرها في الغالب اليمينيون، واتُّهم بها اليساريون، وفي اليوم التالي ألقيت قنبلة على إحدى المقاهي التي يرتادها اليساريون بشكل متكرر، وفي مساء يوم 21 كانون الأول قُتل المعلمان حاجي شولاك، ومصطفى يوزباشي المعروفان باسم اليساريين، وهما في طريقهما إلى المنزل، وبينما كان حشد من آلاف الأشخاص يحضّرون للجنازة أثارت الجماعات اليمينية، وعلى رأسها جماعة الذئاب الرمادية إشاعة مفادها “أن الشيوعيون سيفجرون المسجد، وسوف يذبحون المسلمين السنة”، وفي 23 من كانون الأول تحولت الاضطرابات إلى مذبحة بشعة، فقد اقتحم المدعومون من المخابرات التركية “الميت” وأنصار حزب الحركة القومية وحركة الذئاب الرمادية الأحياء التي كان يقطنها أبناء الطائفة العلوية الكردية، وهاجموا بشراسة الناس العزل، وخربوا المتاجر، والمكاتب، ونكلوا بالجثث في المشافي، وأحرقوا مئات المنازل والبيوت على رؤوس أصحابها، وكحصيلة للعملية الهمجية التي قام بها أعداء الديمقراطية، والإنسانية، والحرية، تحت راية الشعارات الدينية، قُتل ما يزيد عن 100 شخص، وجُرح 176 شخصاً بإصابات خطيرة، ودُمِّرَ 500 متجر وبيت، فارتكاب المجازر، والمذابح، وطمس الهويات الثقافية والدينية، هو ديدن تركي ضد كل من يحاول التعبير عن ذاته وهويته، ولا سيما الشعب الكردي، وكل شعب أصيل يبحث عن التنوع الثقافي ويسلك منهج الديمقراطية والتعددية والتآخي. [1]