إعداد/ غاندي إسكندر
ولد الشاعر عبد الرحيم بن الملا سعيد ابن كردستان المعروف بلقبه الذائع “مولوي” عام 1806 في قرية “سرشاته” الجبلية بمنطقة “تاو كوزي” الواقعة ضمن الحدود الإدارية لقضاء حلبجة، نشأ وترعرع في كنف أسرة معروفة تمتد بنسبها إلى “محمد الزاهد” المعروف باسم “بير خضر شاهو”.
ختم مولوي القرآن الكريم، وهو صغير السن على يد والده، ثم درس وتعلم علوم النحو والصرف، ومبادئ اللغة الفارسية وغيرها، وعلى دأب طلاب العلم في ذاك الزمان جاب المولوي مناطق عدة من كردستان الجنوبية والشرقية بحثاً عن المزيد من العلوم والمعارف، وبعد رحلة دامت سنوات استقر في جامع السليمانية الكبير، وبعد رحلة أخرى إلى مدن كردستان عاد المولوي مرة أخرى إلى السليمانية، ونال هناك إجازته الدراسية عند العلامة الملا “عبد الرحمن النوتشي” مفتي السليمانية، والمدرس في جامع “ملكندي”.
استهوت حياة الزهد والتصوف الشاعر مولوي، وكان من أشد المعجبين بالطريقة النقشبندية، فانخرط بشغف في حياة التنسك والورع وبمرور الأيام أصبح من أبرز أعلام الطريقة الصوفية النقشبندية، وأتاح له تعلقه الشديد بالشيوخ النقشبنديين الذين عاصرهم في نمو موهبته الشعرية وإغنائها، فقد ساهم المريدون في ذيوع أشعاره وقصائده بين العامة بسبب كثرة تداولهم لأشعاره أينما كانوا.
تحول المولوي إلى نجم لامع ساطع في سماء الأدب الكردي في منتصف القرن التاسع عشر، فأضحى شعره على كل لسان، وفي كل منتدى، في الأفراح، والأتراح، والمساجد والمعابد، وفي التكيات، وعلى ألسنة الدراويش، وعلى لسان المحبين، والعاشقين، طرق كل أبواب الشعر وأجاد حتى صار بحق أمير شعراء كردستان في عصره، فأشعاره تتميز بعمق غورها ورقة أسلوبها، ودقة وصفها، وحسن لفظها، وجرس حروفها وتركيبها، ويعيش التجربة الشعرية التي عاشها صاحبها، وكمثال على قدرته الشعرية الفذة، وصفه لرقصة “ره ش بهلهك” الرقصة الكردية الفلكلورية المعروفة، فهو في وصف الرقصة يبدو كمصور فوتوغرافي بارع حيث يبدع ويبرع في التفاصيل رغم أنه رجل متدين ومتصوف ولم يرتد أي مكان للهو ولم يعبأ بها قط ولكنه وصف تلك الرقصة، وكأنه كان يشارك في وقائعها ويرقص على أنغامها ويهز كتفيه فيها، ويتبين من مطلع القصيدة أن شخصاً ما له صلة بالرقص كتب له وصفاً للرقصة أو الدبكة وأن مولوي صاغها شعراً رقيقاً يأخذ بالألباب يقول فيها:
“ذات يوم حملت الريح رسالتك
وبها رائحة الاشتعال
فزادت نيران الحشا لهيبا
هاج بالحب كما في يوم عيد
مليء بالمسرات والأنغام الدافئة
أنغام – مقام – لاو هه ي لاو
اختلطت مع رنين السلاسل الذهبية
والمخشلات
واصطفاف الأٌقراط
برنين الأجراس الذهبية
مع ارتجاف اليانعات
وارتجاج الليمون الطري
القبعات المذهبة
تتلامع على المفارق
حبات العرق المعطرة تتوهج
على وجوه الحسناوات”[1]