إعداد/ آرين شنكالي
يكاد الغناء والفن والطرب أن يطغى على كل ما له صلة بعفرين حتى بات مجرد ذكر الغناء، والتراثي منه على وجه الخصوص، يذكرنا بعفرين؛ أرض الخصوبة والخضرة والجمال الطبيعي والفن والتراث الأصيل الراقي
جميل هورو بلبل عفرن وشاعرها ومغنيها، من أبرز من غنى الأغنية الملحمية ولم يغض الطرف عن سواها من أشكال الغناء الكردي الطربي والتراثي والفلكلوري، بل إنه زاد على ذلك بالشعر واللحن والصوت المتمكن الذي اشتهر به وصار اسمه مرتبطاً بالأصالة والتفرد والعذوبة.
في قرية سعرنجك ولد جميل هورو عام 1934، تزوج مرات ثلاث ورزق من زوجاته بتسع من الأولاد والبنات فقد ولدين منهما، “بلنك وجنان” ليطبع الحزن والشجن أغنياته طوال حياته.
تتلمذ الفنان جميل هورو بداية كالكثيرين ممن جيله على يد رجال الدين، وكان “فقه عبدي عشي” أول من علمه التجويد والأناشيد الدينية والصوفية، ومن ثم كان من تلاميذ الشيخ محمد شيخ حيدر المميزين، وفي مطلع الستينات كان من الفنانين المميزين في إحياء الحفلات الفنية العفرينية. ومن ثم عمل في التجارة وشيد مقصفاً في جنديرس وافتتح في الشيخ مقصود مقهىً شعبياً عرف باسمه.
الملاحم الشعبية في فن جميل هورو
التراث الشعبي الكردي عموماً والعفريني على وجه الخصوص مليء بالأغنيات الملحمية التي تجسد قصصاً حقيقية في أغلبها، وتنقله بتفاصيله الشيقة والمثيرة في أحيان كثيرة، لذلك كانت من أبرز ما اهتم به هورو من خلال إطلاق ألبومه الغنائي الأول في أواسط الستينات وما تلاه من أعمال، عرف من خلالها بتمكنه من حيث الأداء والدقة في تناول العديد من القصص والملاحم كملحمة ممو زين الشعرية وقصة الحب الخالدة، وملحمة درويشي عفدي البطولية وأغنية مريم محو، وأغنية فتاح بكي الملحمية وغيرها من الأغنيات التي تناولت جوانب من الأصالة والعادات والتقاليد والبطولة والحب والعشق والتضحية بالغالي والنفيس في سبيل الارض ووفاءً للمبادئ والمُثُل الإنسانية التي نشأ عليها الكرد وجسدوها بالقول والفعل.
الروح الوطنية والتعاون صفات لازمت الفنان الكبير
كأغلب الوطنيين الكرد تعرض هورو للمضايقات والملاحقة من قبل النظام الشوفيني في سوريا، واضطر للخروج من سوريا بعد أن شارك في الفعاليات باحتفال عيد نوروز، واعتقل قبل ذلك وعذب لمرات عديدة، وفي تركيا حيث أقام لفترة بعد لجوئه إليها مع عائلته وهناك التقى بالفنانة الكبيرة عيشي شان وسجلا معاً عدة أغان وكانت له لقاءات وأعمال مع عدد من الفنانين البارزين وقتها، وكانت له أغنيات لرموز وشخصيات كردية كعيد نوروز والشيخ سعيد بيران وليلى قاسم، وكان من المشاركين البارزين في لبنان وزاخو وحلب وغيرها من المدن السورية التي كانت تشهد إقامة احتفالات نوروز وبمشاركة الفنانين المعروفين أمثال محمود عزيز شاكر وسعيد يوسف وصلاح رسول، ومن القامات التي شاركته في بعض أغانيه الفنان علي تجو والفنان التشكيلي الراحل عبدالرحمن دريعي والعازف الشهير آديك.
الشعر والأغنية الشعبية التراثية في حياته وفنه
كانت الأغنية الشعبية والتراثية من مفردات الفن الهامة في حياة الفنان جميل هورو وكان الواقع اليومي والحياة في عفرين من أبرز ما اهتم به هورو في غنائه، وكذلك تلك الأغنيات التي أصبحت مع الأيام مفردات من الحياة الثقافية والتراثية الفلكلورية في عفرين وسواها من المناطق الكردية، وأضحت جزءاً من مخزونها الثقافي وذاكرتها التراثية، فنقل هورو عدداً من قصص الحب التي جرت في ثنايا ليل القرى المعتمة، ومن تلك الأغاني أغنية “مريم محو” التي تعتبر من أجمل قصص الحب والوفاء والتضحية، وأغنية حسن وفيدان التي جسدت قمة العطاء في الحب والوفاء والصدق في الوعد.
إلى جانب ذلك كثيراً ما كانت تجود قريحته الشعرية بعشرات من القصائد الشعرية في مناسبات عدة وكثيراً ما كان يغنيها على الملأ وترك لمكتبة الأغنية الكردية عشرات الألبومات والأغنيات المنوعة التي أغنت الفن الكردي الملتزم وأضافت إليه عشرات الأعمال الفريدة والقديرة الجديرة بالاهتمام، والعشرات من الأغنيات التي جسدت ملاحم غنائية في الحب والتضحية والتغني بجمال عفرين وسواها من المناطق الكردية وملاحم تتحدث عن البطولة والتضحية في سبيل الأرض والإنسان والحرية.
في 19 أيلول عام 1989 ودع جميل هورو محبيه وعشاق الفن الأصيل ومن مشفى ابن رشد بحلب كانت رحلته الأبدية إلى عالم الخلود، وذلك إثر مرض عضال ليدفن في مقبرة حنان، القريبة من قرية كفرجنة بمقاطعة عفرين، إلى جانب المناضل الكردي “نوري ديرسمي”، ويبقى فنه الأصيل خالداً في الضمائر والقلوب. [1]