إعداد/ عبد الرحمن محمد
مدينة#عفرين# هي حاضرة جبل الكرد، عفرين، درة المدن الكردية وأجمل المدن السورية على الحدود الشمالية، تتربع على الزاوية الشمالية الغربية من سوريا، وقد بدأت بالازدهار والتطور العمراني حديثاً فباتت بحق من أجمل المدن عمراناً ومناخاً وأعرقها تاريخاً ومكانة لما تتمتع به من إرث حضاري وثقافي.
عفرين… التسمية والتاريخ
للتسمية دلالات وقصص عدة تشير إلى قدم وعراقة المدينة ودورها وأهميتها، فهي تقع على ارتفاع حوالي 400 متر عن سطح البحر وعلى الضفة اليمنى للنهر المعروف باسمها أيضاً “نهر عفرين”، وقد ورد في دراسات عدة أسباب وجذور الاسم إلى أصول عدة منها:
– في المعاجم والمصادر العربية: عَفِر وعَفّرَ: بمعنى خالطه بما يخالف لونه؛ واعتَفَرَ الشيء: أي خالطه بالتراب كما جاء في القاموس الوسيط، وجاء في معجم ” لسان العرب”: عِفِرّين تعني “مأسدة”، وقيل هو الأسد. وقيل لكل قوي: ليث عِفِرّين، فيما يذهب خير الدين الأسدي بالقول أن كلمة عفرين تعني التراب.
– في النصوص اليونانية والآشورية: يرد اسم النهر بصيغة ” “Aprie كما يرد اسم السهل بصيغة “Patin” كما يذكر المؤرخ اليوناني الشهير “سترابون” اسم نهر عفرين بنفس الصيغة ” آبريه” Aprie في القرن الأول قبل الميلاد.
وقد أجمع المؤرخون على أن أصل كلمة Apre هي من اللغة الليسنية Licien وهي إحدى اللغات الهند أوروبية القديمة في الأناضول، وشكل الكلمة الأساسي هو: Eple . فالجذر Ap- في اللغات الآرية القديمة ومنها الكردية تعني الماء. والكرد حسب لهجاتهم يبدلون الحرف p ب v فتصبح Av.
أما إذا أخذنا الجذر – rêأو – lê بمعناه الكردي الآخر أي “مجرى، مسيل، طريق”، فسيكون الاسم الكامل بمعنى “مجرى الماء أو مسيل الماء”.
أما في الكردية: “آفرينAfirîn ” كلمة كردية بمعنى الخلق والعطاء. ونهر عفرين بمياهه المتدفقة، كان ولا يزال مبعثاً للحياة ومنبعاً للعطاء، مما جعل الحياة الرغيدة والعيش الهانئ من حول النهر من خلال مئات القرى والتجمعات السكانية وعشرات المدن والبلدات، ليكون النهر “مانح الحياة والخصبAfirîn ” ، مثلما يسمون المرأة ب ” آفرت” Afret “مبدعة الحياة”.
وهكذا، فأياً كان معنى الاسم ومصدره، فأسلاف الكرد من الهوريين والحثيين والميديين كانوا من سكن المنطقة، وعرف النهر بهم سواءً أكان اسمه Aprie أو عفرين أو آفرين Afirîn وأسسوا فيها أرقى الحضارات.
الاقتصاد المزدهر
كانت عفرين مكاناً لاستراحة القوافل التجارية بين حلب ولواء اسكندرون، وهي تتمتع بأراضيَ متنوعة التضاريس خصبة التربة، ومناخها الفريد وقربها من مدينة حلب العاصمة الاقتصادية لسوريا 60كم، ويعمل أغلب السكان بالزراعة وأهمها الزيتون والحبوب والبقول والكرم والمزروعات المروية، مما جعل الحركة الاقتصادية والسياحة والزراعة تنتعش فيها وتزدهر، والحركة الاقتصادية كانت في انتعاش دائم وتجدد، والأسواق التي تتوسع باستمرار وتتخصص بعضها بنشاطات تجارية محددة كأسواق الماشية، فيما تكون الأسواق الأخرى الشعبية وأسواق المنتجات الزراعية والحيوانية مقصد الغالبية العظمى من السكان.
وكثرت في المدينة وجوارها معاصر للزيتون، ومعامل لتصنيع البيرين والصابون، وأخرى لمواد البناء وبعض المواد الغذائية، ومعمل للمشروبات الروحية، ومحلات النجارة والحدادة وصيانة الآلات والمركبات وغيرها، وتعتبر أسواقها من كبرى الأسواق التجارية والزراعية بخاصة في سوريا.
نهر عفرين… شريان الحياة المتدفق
ينبع نهر عفرين من جبل اللكام وهضبة عنتاب ويمر على الروندان، يبلغ طول النهر الإجمالي قرابة 150 كم، وطول مجراه في الأراضي السورية (85) كم ويصب في منخفض العمق في لواء إسكندرون .
يمر النهر شمال شرقي قرية شلتاح عند منسوب (360) م ويمر بالقرب من قرية دير صوان مخترقاً الجسور الرومانية المنصوبة على هذا النهر, ويلتقي مع نهر الصابون غربي قرية ويره كان ويتجه بعمق نحو ميدانكي حيث الصخور متعددة القساوة تشكل في مجراه شلالات ميدانكي وكمروك مخترقاً الأراضي بأكواع كثيرة حتى مدينة عفرين, وترفده عدة مسيلات وعدة ينابيع صغيرة وتتسبب في تعرجات كثيرة وقاسية في مجراه، ولغزارة التدفق المائي كانت تتسبب بفيضانات مدمرة كما حصل عام 1974، مما دفع لبناء سد ميدانكي المعروف منذ عام 1980 وتم تدشينه عام 2004.
مقتطفات تاريخية
ورد في كتاب للدكتور محمد عبدو علي ” جبل الكرد – عفرين”: عفرين: هو اسم نهر عفرين، أطلق على المدينة بعد تأسيسها في مطلع القرن العشرين. وقد وجدنا اسم “عفرين” بصيغته الحالية، في أربعة مصادر تاريخية من العهد الإسلامي، وهي – تاريخ حلب – للعظيمي، صفحة أحداث سنة 478ه/1085م. وصبح الأعشى للقلقشندي، ص57. والدر المنتخب لابن الشحنه، ص167. ومعجم البلدان لياقوت الحموي، القسم الثاني، ص180. وبذلك يكون أقدم ذكر لاسم “عفرين” بشكله الحالي يعود إلى عام 1085م
تشير المصادر إلى أنه في العهد الروماني، كان يمر من موقع مدينة عفرين طريق روماني “سريع”. وأظهرت الحفريات على جانبي شارع طريق جنديرس، حجارة مشذبة أثرية ضخمة، وجِرار فخارية كبيرة، مما يدل على استيطان قديم في الموقع. كما كانت هناك مغاور وكهوف عديدة شمالي المبنى القديم لشركة الكهرباء، كانت تستخدم قديماً من قبل المسافرين، بدلالة القطع النقدية المعدنية القديمة التي كانت تظهر في أرضيتها.
كما تذكر كتب التاريخ أنه في القرون الوسطى – حوالي القرن الرابع عشر للميلاد – كان في موقع المدينة جسر باسم “قيبار”. وفي أواخر العهد العثماني، كانت هناك خانات عديدة لإيواء القوافل والمسافرين شمالي الجسر الحالي.
من كتاب: عفرين … نهرها وروابيها الخضراء. للكاتب عبد الرحمن محم.[1]