جوان ديركي
عمرٌ قصيرٌ وتجربة محدودة؛ هكذا يمكننا أن نصف الرواية الكرديّة، إذا ما قارناها بالرواية العالميّة، وناقشنا مكانتها ودور كتّابها.
قليلة هي الروايات التي تناولت المجتمع الكردستانيّ والنضال التحرريّ الطويل فيه, في الوقت الذي نرى فيه المئات إن لم نقل الآلاف من الأعمال الروائيّة لدى الشعوب المجاورة لشعبنا الكرديّ، فحتى تسعينيات القرن الماضي كان كتّابُ الرواية الكرد يُعدّون على الأصابع، وبخاصة الذين يكتبون باللغة الأم. فأول رواية باللغة الكرديّة كُتبت في عام 1930م للروائيّ الكرديّ المشهور «عرب شمو» وهي «الراعي الكردي». لكن في السنوات الماضية ظهرت العديد من الروايات التي تناولت جوانب مختلفة للمجتمع الكردستانيّ وباللغات المختلفة, لكن هذه النتاجات لم تصل إلى القارئ الكرديّ وبقيت ضمن نطاق محدود, وظلت جهود أولئك الكتاب حبيسة بين دفتي تلك الكتب التي لم تصبح في متناول القرّاء.
بعد قراءتي لعدّة روايات للكاتبة المناضلة روناك مراد, لم أرَ بداً من التعريف بنتاجاتها التي تستحق الدراسة المعمّقة والتحليل الفنيّ والتقييم الأدبيّ. ويُنصح بها كلّ قارئ, لأنّها تعبير عن مرحلة تاريخيّة لشعبنا ووطننا وثورتنا التحرريّة. وتحمل الكثير من خصوصيّة المجتمع الكرديّ، في مأكله ومشربه وملبسه، ناهيك عن تلك التفاصيل الدقيقة عن حياة الكريلا بكل موضوعيّةٍ وتمعّنٍ لأنّها عاشت كلَّ تلك التفاصيل.الروايات الأربع من ضمن سبع روايات كتبتها حتى الآن للكاتبة التي قرأتها للكاتبة روناك مراد هي: «حفيدة عشتار, قهرمان, آباء وأبناء, شيلانا» وكانت أول رواية قرأتها لها – وأنا أقلل من القراءة بالعربيّة- «حفيدة عشتار» قد جذبتني وحفَّزتني لقراءة رواياتها الأخرى.لست بصدد تقييم وتحليل لروايات الكاتبة روناك مراد هنا، وإنما أردت التعريف بها تعريفاً عاماً قد يستفيد منها القارئ, لأنّي رأيتها تستحق التعريف.بذلت الكاتبة من خلال رواياتها جهوداً عظيمة في توثيق مرحلة نضاليّة وتاريخية مهمة من حياة المجتمع الكردستانيّ وثورته التحرريّة. ففي رواياتها تُطلعنا الكاتبة على كثير من تفاصيل الجغرافيا والتاريخ الكرديّ والحياة اليوميّة للمجتمع الكردستانيّ وتراثه وقيمه, بالإضافة إلى الحياة الثوريّة للمقاتل والمقاتلة الكرديّة ضمن طبيعة كردستان الخلّابة والقاسية معاً.فحين تقرأ روايات الكاتبة, تشعر وكأنك في رحلة استكشافيّة وسياحيّة في أرض كردستان, مهد الحضارات الإنسانية. فتمر بالقلاع والمعابد والقرى والمدن والسهول والجبال والينابيع والأنهار والبحيرات, وتتعرف على العديد من الأزهار والأعشاب والأشجار التي تزيّن كلَّ بقعة من ثرى وطن الشمس كردستان.القسط الأكبر من الروايات, تتناول حياة الثوار اليوميّة, من تحضير للعمليات العسكريّة وتدريب عسكريّ وسياسيّ, ولعب وغناء, ومعاناة الحصار والقصف وحرِّ الصيف وقرِّ الشتاء والصعوبات التي يلاقيها الثوريّ في جبال كردستان التي تكاد تكون مستحيلة التحمّلِ, لما فيها من قساوة الطبيعة وهمجيّة العدو بحربه الهمجيّة التي تحرق الأخضر واليابس…الكاتبة روناك مراد تتطرق بجرأة كبيرة إلى صراع المفاهيم والذهنيّات ضمن صفوف الأنصار. فالثورة هي ثورة فلسفيّة قبل كلّ شيء, لذلك نرى صراع الأفكار والمبادئ وخصوصيات الشخصية الثوريّة في مقارعة المفاهيم العشائريّة والإقطاعيّة والذكوريّة التي تحدُّ من التطوّر الثوريّ لتحقيق النصر في الحرب التحرريّة.فنرى المقاتل المضحّي والملتزم بقيم الثورة الكردستانيّة إلى جانب الشخصية الأنانيّة التي لم تتطوّر ولم تتجاوز العقليّة القديمة المناهضة للثورة. كما أنّ الكاتبة أفسحت مجالاً واسعاً لنضال المرأة الكردستانيّة في رواياتها, ونحن نعلم أن المرأة لها الدور البارز والأساس في الثورة التحرريّة الكردستانيّة. وأعتقد أنّ رواياتها لها السبق في التطرق إلى موضوع المرأة الكرديّة والمناضلة الثوريّة في صراعها مع الرجل الذكوريّ ذي المفاهيم الإقطاعيّة والقبليّة الذي يعرقل كلّ بادرة لتقدم المرأة، هذا الصراع الجنسويّ بين الأنصار ضمن صفوف الثورة الكردستانيّة تناولته الكاتبة بجسارة عظيمة, وأظهرت تفاصيلها التي لا يجرؤ العديد من السياسيين التطرّقَ إليها أو نقدها.
لقد بيّنت الكاتبة في نتاجاتها الحالة النفسيّة الدقيقة للثوار. فصوّرت لنا لحظات الخوف والقلق, الفرح والانتصار, الجرح والاستشهاد, الجرأة والبسالة أثناء الهجوم أو الحصار, الدبكات والغناء. الجوع ومعاناة البرد وثلج الشتاء, البطولة وتسطير الملاحم والابداع والمبادرة في اللحظات الفارقة… كلّ هذه الحالات النفسيّة والجسديّة قدّمتها لنا الكاتبة بتفاصيلها الدقيقة وكأنّها أخصائيّة نفسيّة.
الأدب…. في مقاومة الإبادةمن يقرأ روايات روناك, يتعرّف على حقيقة الحرب الدائرة في كردستان, وكيف يتعرّض الشعب الكرديّ إلى الإبادة والإنكار, وأساليب العدو الهمجيّة في فرض الاستسلام والعمالة على مجتمع بأكمله ليصل به إلى إنكار وجوده وهويته, من خلال حرق القرى والغابات والمزروعات وخطف النساء واغتصابهن وقتل الرجال والأطفال والحيوانات، وكلّ الانتهاكات التي لا تمتّ للإنسانيّة بصلة يمارسها العدو بحق الشعب الكرديّ، ليظلَّ مستسلماً خانعاً راضياً بالعبوديّة والاحتلال. كما أنّنا نجد الشخصيّة الكرديّة الحقيقيّة أيضاً في هذه الروايات، وهي تقاوم بشكل أسطوريّ وحشية العدو وأساليبه الدنيئة. يرفض الخنوع والاستسلام, ويشارك في النضال ويتحمّل كافة الصعوبات حتى الاستشهاد دون أن ينظر إلى الوراء أو يفكر بمصلحة عائليّة أو شخصيّة. فكلّ همّه انتصار الثورة والتحرر من الاستعمار, لذا نراه يجود بماله وروحه وعائلته في سبيل تحقيق أهدافه المقدّسة.أبطال روايات روناك مراد من الثوار والوطنيين الذين يضحّون بحياتهم حتى الرمق الأخير لأجل الشعب والوطن. وقد أبرزت في شخصياتهم القيم الوطنيّة النبيلة لدى الشعب الكرديّ, وكذلك بيّنت الشخصيّة الكرديّة العميلة والخائنة التي تتعاون مع العدو وتقاتل بجانبه أبناء جلدتها.في الختام أقول: الكاتبة الروائيّة روناك مراد قدّمت كنزاً ثمينا للمكتبتين الكرديّة والعربيّة باللغة العربيّة, أقول كنزاً لأنّها الوحيدة من بين الكتّاب الكرد التي قدّمت هذا الكم من الروايات التي تتناول المجتمع الكرديّ المعاصر وثورته التحرّرية. رواياتها تستحقُّ التوقف عليها ودراستها بشكل منهجيّ وتقييمها في إطار الأدب والفن الروائيّ.
أسلوب الكاتبة سلس وسهل وبسيط, ليس فيه غموض أو تعقيد. وهو قريب من الأسلوب القصصيّ الشعبيّ رغم العديد من محاولاتها التفنن في التعابير والجمل.. فيه تسلسل حَدَثيّ من البداية حتى النهاية, وهذا مأخذ عليها في إطار فن الرواية. إذ كانت الكاتبة تستطيع تخصيص بعض الفصول لأحداث الرواية بعيداً عن البطل حتى تكتمل الصورة والأحداث بشكل أفضل وأعم, وتظهر العديد من التفاصيل بين المهتمين بالثورة ضمن المجتمع وفي مناطق مختلفة. لكن كاتبتنا لم توسّع نطاق الأحداث خارج أبطالها. كما أنّ هناك الكثير من الأخطاء النحويّة واللغويّة والطباعيّة في رواياتها التي ذكرتها سابقاً كان من السهل تجاوزها لو تمّت قراءتها من قبل مدقق لغويّ ومراجعتها قبل الطباعة.بقي أن نقول: روايات الكاتبة روناك مراد مطبوعة حديثاً وهي في متناول اليد, وما على القارئ إلا اقتنائها وقراءتها, فهذا الجهد العظيم يستحقُّ التوقف عنده وتقييمه ودراسته.[1]