حاوره: قاسم عباس ابراهيم
الدخول إلى عالم الشاعر حيدو مهمةٌ صعبةٌ، فهو أوسع وأكبر من أن يُحاط بإنتاجه الأدبيّ والفنيّ بمقابلة أو مقال أو بحث. وهو واحد من أهم شعراء الكرد وأغزرهم إنتاجاً وأكثرهم إن صح التعبير التزاماً بقضية شعبه, هو بحق منصة ومنظومة وموسوعة ثقافيّة وأدبيّة فنيّة وتاريخيّة وتراثيّة. وقد نال حوالي ثلاثة وعشرون جائزة أدبيّة حتى الآن.
قرّر في ريعان شبابه أن يكرّس حياته للأدب والتاريخ والتراث والشعر، وفعلاً تمسّك بقراره وواصل طريقه فأحرق وأرهق نفسه وشبابه بالتنقيب عن كلِّ ما هو متراكم في التاريخ والماضي الكرديّ ومن يتابع أدبه الفنيّ يدرك ذلك، وقد بلغ من العمر 60 عاماً ولم يتزوج. وقبل أن يكتب الشعر توغّل في تاريخ الكرد واستنهض تراثهم الثقافيّ وقام بتجميعه وترتيبه وتنظيمه، ويبدو أنّه ممن تفهّم ضرورة الالتفاف إلى كلّ أنواع الأدب والفنون لئلا يُصاب جهده بالعطالة الأدبيّة.
كان لنا مع الشاعر والباحث صالح حيدو وعبق التراث حواراً لنتعرّف على نتائج رحلته الشاقة والطويلة مع الأدب والتراث:
رحلتك طويلة ومتنوعة العطاء في الشعر والتراث واللغة من أين نبدأ؟
لنبدأ من الخطوة الأولى، من أسرتي ومن قريتي -حسي أوسو – الواقعة شمال غرب مقاطعة الحسكة. حيث المراحل الأولى من نمو عضلاتي الأدبيّة والفنيّة. بداية أحب أن أقول إنّ أسرتي ومذياع – راديو – والدي من العوامل التي شاركت بتكويني الأدبيّ. تأثّرت كثيراً بوالدي الذي كان يحفظ أشعار الشاعر أحمد خاني وملا جزيري وفقي طيرا، وينشد لنا باستمرار أشعارهم قبل أن يدخل المذياع إلى بيتنا، هؤلاء الشعراء الثلاثة الذين يمثّلون فترات تاريخيّة ومستويات معينة، ومن ثمَّ المذياع – حيث كانت هناك ثلاث محطات إذاعة (بغداد – طهران – يريفان من أرمينيا)، تبثًّ في أوقات محددةٍ أغانيَ وموسيقا فولكلوريّة كرديّة وكان والدي يتابع هذه المحطات، درجة الإدمان وبدوري كنت أنصتُ باهتمامٍ وإعجابٍ ما تورده وتبثه تلك المحطات. فكانت بداية تعلقي وعشقي للفلكلور والشعر واللغة الكرديّة. ثمّ تعلمت اللغة الكرديّة وتعرّفت على أصولها وقواعدها ومواضع استعمال لفظها وتراكيبها، ثم بدأت رحلتي الصعبة والوعرة في التنقيب عن التراث والتاريخ الكرديّ وهدفي من هذه المغامرة والرحلة الشاقّة إنقاذ هوية شعبي الكرديّ الذي تعرّض للقمع والتزوير والتشويه والغزوات والحروب وسايكس بيكو وأتاتورك وإهمال الباحثين والكتّاب حيث التاريخ الطويل الممتد لأكثر من خمسة آلاف سنة.
استطعت أن أؤرّخ وأكتب بصدقٍ وواقعيّةٍ مراحل بارزة من تاريخنا وأدبنا وأقدّمُها لشعبي بعد أن استهدفتها تلك القوى الرعناء وأعتقد كنت موفّقاً في رحلتي في إبراز هوية وتراث ولغة شعبي وأطمح أن تصبح لغتنا عالميّة .
هل يمكننا بعد هذه الرحلة الطويلة أن نتعرّف على حصادك؟ أي ثروتك الأدبيّة والفنيّة المنشورة وغير المنشورة؟ والتي هي ثروة الوطن.
بالتأكيد، فمن كتبي المنشورة خمسة وثلاثون كتاباً وأربع قصص وثمانية دواوين شعريّة وكتابان اثنان عن اللغة الكرديّة، إضافة إلى مؤلفات أخرى عن التراث الكرديّ (أزياء، حكم وأمثال، أغاني، أحاجي، وغيرها)، طبعت منها أربعة عشر في كردستان العراق، وتحت الطبع واحد وأربعون كتاباً، ولم تبخلِ الإدارة الذاتيّةُ عليَّ، حيث أبدت استعدادها لطبع جميع كتبي وبتقنيّة عالية ومهنيّة وكلُّ حصادي حسب تعبيرك أكتبه بلغتي الأم اللغة الكرديّة .
نفهم من حصادك تغليب الشعر على باقي الأجناس الأدبيّة وحتى شهرتك، لماذا؟
نعم، لأنّ ميدان الشعر أوسع للمشاعر والعواطف والأحاسيس، كما أنّ تربة الشعر أخصب للتعبير عن اللواعج وكلّ ما يجيش في الصدر ثم إنّ لغة الشعر بسيطة وسهلة ومضيئة تصل إلى أذن القارئ وتنغرس في قلبه أسرع من باقي الأجناس الأدبيّة كذلك طبيعة الإيقاع الموجودة في الشعر والموسيقا .
صالح حيدو غزير في نتاجه هل هي حالة طبيعيّة وصحيّة؟ وبعبارة أخرى يقولون أنّك تفيض في كلّ الفصول، وأنّك تمشي، تجلس، تنام، وينساب الشعر منك؟ كيف تردّ؟
يقولون ما يشاؤون لأنّ هذا من حقِّ القرّاء، فالناس والكتّاب كلٌّ يقولُ ما يريد. أما موهبتي فهي التي تفيض وتغمر كلَّ مساحات الأجناس الأدبيّة. هناك مقولة قرأتها في إحدى الصحف: «إنّك لست أنت الذي تلتزم بفكرة مثلاً، لأنّ الفكرة هي التي تضع إصبعها عليك وتأخذك لنفسها». وبعيداً عن الغرور وُلدتُ لأكونَ شاعراً وباحثاً و.. وقد ظهر عليَّ ذلك منذ طفولتي فأنا من مملكة الفن، أملك الموهبة وكلَّ الأدواتِ والعناصرَ التي تنهض بالشعر والفولكلور والتاريخ والتراث ولديَّ القوة المحرّكة للجهاز الأدبيّ استقيها من منابع ثقافيّة أو مخزون ثقافيّ ثرٍّ. لذلك تلك الغزارة طبيعيّة ومنطقيّة.
لماذا لم نجد بين ثروتك ما يتعلق بفن المسرح؟
أفهمُ المسرحَ، أنا لم أكتبِ المسرحيات. فقد كنت ملهماً بالشعر والفولكلور، كما كنت مشغولاً بنحت تمثالٍ لتراثنا الكرديّ. والتراث الكرديّ يحتوي نصوصاً مسرحيّة وهذا الأمر لا يحتاج إلا إلى المخرج الفنّان وقد شهدنا عروضاً مسرحيّة كثيرة مأخوذة من التراث الكرديّ في مناسباتنا القوميّة والوطنيّة أليس كذلك؟!
هل لك مؤلفات نثريّة قمت بنشرها في الصحف والمجلات؟
نعم.. كنت أرسل أشعاري وقصصي إلى الجرائد والمجلات الكرديّة المحليّة والكردستانيّة وخارج كردستان ومن هذه الصحف والمجلات (كوليستان، دنكي آزادي، بيشنك، آزاديا ولات، متين) وغيره
من هو مُثلك الأعلى، وبمَن تقتدي؟
أبي العظيم وأمي العظيمة والمذياع، كنت أقرأ للشاعر أحمد خاني وملا جزيريّ وفقي طيرا وجكرخوين وتيريز والأديب أوصمان صبري وغيرهم.
ما رأيكم بجيل الشعراء الجديد؟ وماذا تنصحهم؟
قبل أن يكتبوا عليهم القراءة، ويقول النقاد لابدَّ أن تقرأ سطراً وتحفظ سطراً حتى تكتب سطراً. ولابد من أداة، وهذه الأداة هي اللغة، إذاً لابد أن يمتلكوا اللغة لينظموا شعراً أو يكتبوا أدباً، فالعواطف والمشاعر لا تكفي بدون الأداة، وقد قالوا: إنّك لا تجني العنبَ من الشوك، وبين أيدينا ومن خلفنا كلّ هذه الكروم الخضراء. كذلك يجب الابتعاد عن الثقافات المبتذلة والرخيصة والاهتمام بثقافة شعبهم.
يُقال إنّك بدأت بالموسيقا ثم مرّرت مرور الكرام على الرسم ومن ثم انتقلت إلى مهمتك الصعبة التاريخ والتراث واللغة، ماذا تقول؟
صحيحٌ، فقد بدأت بالموسيقا كهاجسٍ طفوليّ، وإرواءً لرغباتي، ومن ثم لغتي الكرديّة الجميلة التي أتنفس منها كما تعرف فهي غذاء الروح، كما أنّني موصول النسب بموهبة الموسيقا فوالدي كان يجيد العزف على معظم آلات النفخ. وأنا أجيد العزف على كلِّ آلات النفخ والوتريّة (عود، جمبش، طنبور، بزق، بيانو، كمان، وغيرها) وأهتم للرابط أو الأساس في طبيعةِ الإيقاعِ الموجودة بينَ الشعرِ والموسيقا .
أما الرسم، فلغة الرسم بالنسبة لي جزءٌ من لغتي الشعريّة. كنت أملك موهبةً متفجّرة، ورسمت بالفحم منذ المرحلة الابتدائيّة شخصيات تاريخيّة معروفة، لكنني عزفت عن الرسم لإتمامِ مهمتي في التراث والفلكلور. أرسم الآن لوحات وشخصيات لتكون مرافقة لكتبي الفولكلوريّة وقصصي وحاجة كتبي إليها عند الضرورة، أعرف أهميّة الرسم المرافقة لأيّ أثر فنيّ.
حضورك متميز في المهرجانات الأدبيّة واللقاءات والأمسيات الشعريّة، أيّ منها تركت أثراً في نفسك؟
المناسبات والمهرجانات واللقاءات والأمسيات الشعريّة التي شاركت فيها لا تعدُّ ولا تُحصى والمناسبة التي تركت أثراً في نفسي هي التظاهرة الثقافيّة الضخمة التي أُقيمت في هولير وفاءً للشاعر جكرخوين عام 2007، وكذلك مهرجان عفرين الشعريّ عام 1993 – قلعة نبي هوري- وجميع شعراء الكرد كانوا موجودين وتضمّنت الكثير من المداخلات الغنيّة من المشاركين والمستمعين. وأيضاً مهرجان الشعر الكرديّ في عامودا عام 2016 حيث تمّ تكريمي.
ما موقفك من المرأة الكرديّة؟
يقولون إنّ المرأة نصف المجتمع وأنا أقول المرأة كلّ المجتمع. لكنّ بعض العادات العشائريّة والقيود الدينيّة ساهمت في إعاقة تقدّمها والإدارة الذاتيّة أحسنت فكسرت وحطمت كلَّ تلك القيود والعادات فأصبحت تلعب دوراً قياديّاً وسياسيّاً وعسكريّاً وتشارك في البناء وتدافع عن حدود وكرامة الوطن إلى جانب الرجل بعد أن كانت محكومة بالظروف والعادات والتقاليد التي تحيط بها، المرأة هي الحياة.
هل زرت كردستان العراق؟
زرت الأجزاء الأربعة من كردستان وتعرّفت عن قربٍ على أوضاع وتراث وعادات وتقاليد شعبنا الكرديّ وعلى كنوزه الأدبيّة وتاريخه وفنونه .
ماذا تعمل الآن؟
أعمل مدرّساً في جامعة روج آفا كلية الآداب – قسم الآداب الكرديّة (الكلاسيك – الفلكلور) وأقدّم برامج الفلكلور من إذاعة بوير كما أقدّم برامج أدبيّة من قناة تلفزيون- روج آفا.
كلمة أخيرة، هل تودُّ أن تضيف شيئا آخر؟
الشعر والأدب مقاومة، والشاعر قائدُ الوعي وحامل الشعلة يوجّه شعبه إلى حياة حرّةٍ كريمةٍ، وأنتهز الفرصة لأشكر صحيفة روناهي وكلَّ المخلصين القائمين على خدمة أهداف شعبنا وتحقيق رسالته.[1]