آرين شنكالي
احتلت شنكال منذ القدم مكانة مرموقة في الذاكرة الشعبيّة لموزبوتاميا، ذكرى تمتزج بالروحانيّة المقدّسة كونها حاضنة الديانة الإيزيديّة، وفيها رمز الديانة الإيزيديّة «لالش». الحقيقة المرة التي سطرها ما ينوف على السبعين فرماناً، نقشت اوجاعها في الضمير الإنساني والإيزيديّ بوجه خاص.
تقع شنكال في أطراف الصحراء العراقية الغربية على الحدود مع سوريا، وتتبع إداريا محافظة نينوى العراقية، وتبعد عن مدينة الموصل قرابة 120 كم، وترتفع عن سطح البحر 525 م، وناهز عدد سكانها التسعين ألفاً حسب احصائيات عام 2013م. غالبية سكانها من الكرد الإيزيديّين والعرب وكذلك المسيحيين، ورغم كلّ النوائب كانت تعرف بالتآلف والسلم الأهلي.
تضمُّ شنكال العديد من المدن والقرى الهامة مثل: «سنوني، تل بنات، تل قصب، دهولا، بورك، وردية، خان صور، دوكوري، خرابازار، زورافا، كوهبل، تل عزير، سيباية شيخ خدر، كرزرك، قرية كوجو وقرية الحاتمية، ورمبوسي كرشبك وحردان، ودهولا، القابوسية».
وحول أصل التسمية فهي كرديّة تتألف من قسمين فهي تضم كلمتي «شنك –الجمال أو الذهب» و «آل- الجهة أو العلم» وتعني وجهة الجمال أو الوجهة الجميلة
العثمانيون العدو الأول للشنكاليين
عانت شنكال على الدوام من الاعتداءات الجائرة عليها، واستهدافها، لتفردها باحتضان الديانة الإيزيديّة، فمنذ سقوط الامبراطورية البابلية عام»539ق.م» حتى عام2014م. وأشد وأغلب تلك الفرمانات» الإبادات الجماعيّة» كانت من قبل العثمانيين، الذين كانوا يتفننون في ايجاد أسباب واهية لإصدار تلك القرارات التي كانت تستهدف الإيزيديّين بجغرافيتهم الطبيعيّة والبشرية، وكل ما يعتاشون منه من اقتصاد، وكانت الفرمانات تهلك البشر والضرع والشجر ولا يكاد الشنكاليون ينتهون من فرمان حتى يلحقهم فرمان آخر يستهدف وجودهم وديانتهم وإنسانيتهم وثقافتهم الشعبيّة والدينيّة، وكانت تهدف إلى كسر شوكة الإيزيديّين بالقتل والتدمير والاغتيالات وبث الفتن وعندما لا تصل إلى مآربها تنظم حملاتها التي تركت الإيزيديّين في عزلة شبه تامة عن العالم الخارجيّ وكل ما شهده من تطوّر وتمدن، وانطواء على الذات وعدم معرفة الآخر وقبوله، بالإضافة إلى هجرة الآلاف ووصولهم لشتى بقاع الأرض.
شنكال في ظل النظام البعثيّ
لم يكن النظام البعثيّ الشوفينيّ بأحسن من العثمانيين، فقد عمدت سياسة البعث إلى صهر الإيزيديّين وحاولت جاهدة وبكل الوسائل أن تحدَّ من وجودهم والقضاء عليهم، فكانت الاعتقالات تطال الكثيرين منهم ابان ثورة الكرد على النظام البعثيّ وبعدها، بحجة دعمهم للبيشمركة، وجرى تهجير سكان عشرات القرى وترحيلهم لمناطق أخرى لتغيير ديمغرافية المنطقة، وجرى من ناحية أخرى إفراغ عشرات القرى والمزارع في شنكال وتجميعها في تجمعات سكانية لتسهل السيطرة عليهم، وأهملت باقي المناطق من شنكال اقتصادياً وثقافيا واجتماعياً وحرمت من كل أساليب ووسائل الخدمات، وعانى الإيزيديّون من مشاكل جمة في الاختلاط مع المجتمع العراقي الذي زرع النظام والشوفينيين في مخيلته وثقافته مقاطعة الإيزيديّين، وحُرموا الأكل والتحدث والزيارة بين الإيزيديّين والأقوام الأخرى، بل حتى البيع والشراء والتبادل الاقتصاديّ معهم، ناهيك عن العزلة الاجتماعيّة وتحريم الزواج. ومن جانب آخر وقع الإيزيديّون ضحية إهمال الحكومة في الإقليم خوفاً من التصادم مع حكومة المركز التي كانت تصف الإيزيديين بالانفصاليين والمتمردين والخونة لاختلافهم دينيّاً وقوميّاً معهم، وعاشت شنكال في أوضاع مأساوية نتيجة تضارب مصالح الحكومة المركزية والإقليم إلى جانب ما تركته حملات الإبادة والعزلة من تخلف وفقر وعزلة ومرض.
الفرمان الداعشي الأسود
بعد امتداد داعش وانتشاره كالوباء، بفضل الدعاية والترهيب وبثِّ الذعر في بعض مناطق سوريا والعراق، كانت موصل ضحيته التي احتلها في 10حزيران عام 2014م. وبعد أقل من شهرين كانت شنكال وجهته الجديدة، بعد أن قتل ونكل وشرد أهالي الموصل، واستفاد من الدعاية التي روجت له بأنه لا يُقاوم ولا يمكن صدُّه، وفي الثالث من آب عام 2014 كانت شنكال فريسة سهلة وقعت في قبضته، وسَلمت القوات المدافعة عنها المنطقة بالكامل دون مقاومة تُذكر، وضاع الشنكاليون بين اتهامات الإقليم والحكومة المركزية العراقية المتبادلة بالتقصير، واستطاعت مجموعات من قوات وحدات حماية الشعب فتح ممرات آمن بين شنكال وروج آفا ليتمكن الأهالي من الوصول إلى المناطق الآمنة في روج آفا، وبناء مخيم في منطقة ديريك، غير أن مرتزقة داعش ارتكبوا مجازر بحق سكانها واغتصبوا وشردوا وقتلوا الأطفال والشيوخ والأطفال، وكانت الجريمة الكبرى باختطاف الآلاف من النساء الإيزيديّات ومعاملتهن كسبايا وجوارٍ ورقيقٍ. وكان لتأسيس وحدات حماية شنكال من أبنائها ومؤازرة ومساعدة من وحدات حماية الشعب،
,المقاومة البطوليّة من أبنائها الفضل في طرد المرتزقة منها وتحريرها في 13 تشرين الثاني 2015م. وإلى جانب مساعدة وتنسيق من قبل قوات التحالف والبيشمركة. اليوم تعود شنكال لتتنفس الصعداء وتنظم المجتمع من جديد وتضمد جراحها العميقة، فالفرمان الداعشي لم يكن أرحم من الفرمانات العثمانيّة، وتعمل المؤسسات المدنية وقوات حماية شنكال على بناء الإنسان والمكان من جديد لعل الفرمان الأسود يكون آخر الفرمانات التي تمر ب «لالشا نوراني». [1]